حذرّت الأمم المتّحدة فصائل مسلّحة في العراق من إطلاق النار ببنادق مذخّرة بخرطوش صيد الطيور على المتظاهرين المسالمين في بغداد، وحضّت السلطاتِ العراقية على محاسبة المسؤولين عن العنف. وقد لقي حوالى 500 شخص حتفهم منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعدما عمدت قوات الأمن وجماعات مسلّحة تابعة لها، إلى استخدام القوة المميتة ضدّ التجمّعات التي انطلقت في جميع أنحاء البلاد احتجاجاً على الفساد المستشري والتدخّل الأجنبي، بشكل أساسي من قبل إيران والولايات المتّحدة.
وفي العام الماضي، اتّهمت "منظّمة العفو الدولية" الشرطة العراقية بإطلاق ذخيرةٍ حيّة وقنابل الغاز المسيّل للدموع من الدرجة العسكرية التي يمكن أن تخترق الجماجم على حشود المتظاهرين، ما يؤدي إلى قتل الناس. وتحقّقت المنظّمة من مقاطع فيديو عدّة مروّعة عن تلك الهجمات بالغاز المسيل للدموع، وقد صوّرت في "ساحة التحرير" في بغداد التي تعتبر المكان الرئيس لتظاهرات الاحتجاج.
وأكّدت "بعثة الأمم المتّحدة لمساعدة العراق" ("يو إن إيه أم آي" UNAMI) أنها تلقّت أخيراً أدلّة يمكن الوثوق فيها، عن استهداف متظاهرين ببنادق صيد وحجارة وقنابل نارية في الليالي الممتدة بين 14 و16 فبراير (شباط) الجاري، ما أدّى إلى إصابة نحو خمسين شخصاً في الأقل.
وأضافت "بعثة الأمم المتّحدة لمساعدة العراق" في بيانٍ لها، أن 150 شخصاً في الأقل أصيبوا في مدينة كربلاء المقدّسة لدى الشيعة في يناير (كانون الثاني) بسبب أساليب مماثلة. وجاء حرفياً في البيان أن "النمط المستمر لاستخدام القوّة المفرطة، مع وجود جماعاتٍ مسلّحة مجهولة الهوية ذات ولاءات غير واضحة، يشكّلان مصدر قلق أمني خطير يتوجّب معالجته بشكل عاجل وحاسم".
وفي تطوّر متصل، دعت جانين هينيس بلاستشارت الممثّلة الخاصّة للأمين العام للأمم المتّحدة في العراق إلى "وجوب حماية المتظاهرين السلميّين في جميع الأوقات". ولم يصدر تعليق فوري من السلطات العراقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي إطار منفصل، نقل المتحدّث بإسم الجيش العراقي عبد الكريم خلف إلى وسائل إعلامية محلية، إن "الاحتجاج حقّ مكفول في الدستور العراقي والقانون". وأكّد أنه لا توجد خطط لإنهاء الاحتجاجات المستمرة المناهضة للحكومة بالقوّة، حتى بعد أن يقوم رئيس الوزراء الجديد محمد توفيق علاوي بتشكيل حكومة جديدة في البلاد.
وجرى ترشيح علاوي الوزير السابق للاتّصالات في العراق لمنصب رئيس الوزراء في مطلع فبراير الجاري، بعد نحو ثلاثة أشهر من استقالة سلفه عادل عبد المهدي في نوفمبر 2018 وسط الاضطرابات التي عمّت في معظم مدن البلاد.
وقد حاز محمد توفيق علاوي تأييداً علنياً من جانب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ورجل الدين الشيعي المؤثّر مقتدى الصدر، لكن كثيراً من المتظاهرين يرون أنه مجرّد مثل آخر على النخبة السياسية التي يحتجّون عليها. ومنذ تسميته، دعا رئيس الوزراء الجديد المتظاهرين إلى مواصلة احتجاجهم، لكنه طالبهم لاحقاً بحل خلافاتهم لتجنّب جرّ العراق "نحو الهاوية"، على حدّ تعبيره. ومن المتوقّع أن يعلن علاوي عن تشكيلة حكومته الجديدة هذا الأسبوع.
وقد هزّت العراق أربعة أشهر من الاحتجاجات. وقالت مصادر في الشرطة إن تسعة أشخاص على الأقل أصيبوا يوم الإثنين الماضي في بغداد خلال تجدّد الاشتباكات بين المحتجّين وقوى الأمن. وجُرح شخصان بعد تعرّضهما لطلقات من خرطوش صيد الطيور، فيما أصيب آخرون بجروح مصدرها قنابل الغاز المسيّل للدموع.
وبشكل أساسي، يحتجّ المتظاهرون على النخبة الحاكمة التي يعتبرون أنها فاسدة، وكذلك الحال بالنسبة إلى التدخّل الأجنبي في البلاد التي أصبحت في الأشهر الأخيرة ساحة معركة للصراع بين الولايات المتّحدة وإيران. وقد أسفر هجوم في الثالث من يناير الماضي نفّذته طائرة أميركية من دون طيّار في بغداد، عن مقتل قاسم سليماني الجنرال الإيراني الأبرز الذي شكّل القوة المحرّكة لعددٍ من الجماعات شبه العسكرية المرتبطة بطهران، في العراق وسوريا.
وفي ردّ على الاغتيال استهدف هجوم صاروخي إيراني انتقامي قاعدة "عين الأسد" الجوية العراقية بعد أيام قليلة من الاغتيال، ما أسفر عن إصابة عشرات من أفراد القوة الأميركية المتمركزة هناك. وفي الأحد الماضي، أصابت صواريخ صغيرة القاعدة العراقية التي تستضيف القوّات الأميركية وقوّات التحالف الدولي الاخرى في "المنطقة الخضراء" داخل العاصمة بغداد، لكن لم يُسجّل وقوع إصابات.
© The Independent