منذ إعلان وزير الصحة اللبناني حمد حسن خلال مؤتمر صحافي عقده يوم الجمعة الماضي، عن أول إصابة بفيروس "كورونا" في لبنان لسيدة كانت قادمة من مدينة قم الإيرانية حتى انطلقت المطالبة بوقف الرحلات بين بيروت وطهران، لا بل أكثر بعد، تحوّل الأمر إلى قضية وطنية أثارت جدلاً واسعاً حولها على مختلف الأصعدة، فاحتدم السجال بين الداعين إلى تعليق الرحلات من جهة والرافضين للفكرة جملةً وتفصيلاً من جهة ثانية، بخاصة من الجانب الشيعي الذي رأى في هذه المطالبة حرباً جديدة تُشنّ ضده.
التسييس في لبنان
تتّخذ كل القضايا التي تتفاعل في لبنان منحىً سياسياً في العادة، لكن ما لم يكن متوقعاً هو أن تتحوّل مسألة مرتبطة بصحة المواطن كتفشي فيروس "كورونا" إلى قضية سياسية في بلادنا، فيدور حولها هذا الجدال.
فبعد الكشف عن الحالة الأولى في البلاد لمريضة (45 سنة) قادمة من مدينة قم الإيرانية، بدأت المطالبات بوقف الرحلات من وإلى إيران التي ارتفع فيها عدد الإصابات بشكل سريع ومفاجئ في الأيام الأخيرة.
وحمّلت جهات لبنانية طهران مسؤولية ظهور أولى الإصابات بالفيروس في البلاد وفي زيادة خطر انتشاره. وألقى كثر اللوم على النظام الإيراني، فتركزت مطالبة بعض اللبنانيين، من سياسيين وفنانين ومواطنين عاديين، بشكل أساسي على وقف الرحلات من وإلى إيران تحديداً، بغض النظر عن احتمال استمرار الرحلات من وإلى دول أخرى تشهد انتشاراً أوسع للفيروس.
وكانت إليسا، إحدى أبرز الفنانات اللواتي عبّرن عن الغضب حيال عدم اتخاذ أي إجراء بهذا الشأن من خلال تغريدة لها كتبت فيها "اعتدنا البكاء على الأحداث عندما تحصل بدل الوقاية منها. لماذا لم تتوقف الرحلات من إيران منذ اللحظة الأولى التي أُعلن فيها عن وصول الفيروس إلى هناك حيث لم تتم السيطرة عليه؟ شو كان صار لو أخدنا وقاية؟".
وطالب سياسيون كثر بهذا الإجراء، منهم النائب نهاد المشنوق الذي تساءل في تغريدة على حسابه عبر تويتر "لا أعرف ماذا ينتظر رئيس الحكومة حسان دياب، ولا ماذا تنتظر اللجنة الوطنية التي تحدث عنها وزير الصحة حمد حسن من أجل طلب وقف جميع الرحلات الآتية من إيران، أسوةً بالدول التي اتّخذت قرارات مماثلة". كذلك كان للواء أشرف ريفي تغريدة مطالبة بوقف الرحلات من وإلى إيران، وانضم إليه في ذلك ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أسئلة مطروحة
وفي وقت اتّخذت مسألة طبية بحتة ترتبط بالصحة العامة منحىً سياسياً، طُرحت أسئلة عدّة حول هذا الموضوع والقرار النهائي بشأنه، على الرغم من أن كل المؤشرات تظهر إلى الآن أن الرحلات بين بيروت وطهران التي يبلغ عددها ذهاباً وإياباً ثلاث رحلات أسبوعياً لن تُعلّق. فبحسب المعطيات واستناداً إلى ما يؤكده المسؤولون، لا يبدو أن هذا القرار المنتظر من قبل البعض، سيُتَّخذ.
واستبعد رئيس "مطار رفيق الحريري الدولي" فادي الحسن احتمال تعليق الرحلات من وإلى إيران، مشيراً إلى أن "هذا الاحتمال غير وارد حتى الآن واللجوء إلى هذه الخطوة يرتبط في الوقت ذاته بوقف كل الرحلات إلى باقي الدول التي ينتشر فيها الفيروس وهذا ما يبدو بعيداً كل البعد من المنطق". وتساءل الحسن "هل من المنطقي أن نعلّق الرحلات إلى كل الدول التي يظهر فيها فيروس كورونا بعدما ظهر في نسبة كبيرة من دول العالم وانتشر فيها؟ يدرك الكل أن هذا لا يجوز وله تداعيات كثيرة من كل النواحي، وعلى رأسها الناحية الاقتصادية التي يشكّل وقف الرحلات بين الدول ضربةً لها".
وعلى الرغم من المطالبات بتعليق الرحلات بين لبنان وإيران منذ الأسبوع الماضي، لم يتأثر قرار المعنيين بشأن الرحلات في وقت يتفشى كورونا بسرعة في إيران، حيث ارتفع عدد الوفيات بوتيرة سريعة وغير متوقعة ليصل إلى 15 ضحية في مقابل 95 إصابة معلنة في غضون أيام، ما طرح تساؤلات حول ما إذا كانت طهران تخفي الأرقام الحقيقية لعدد الإصابات فيها، علماً أنه في الأيام الأخيرة، لجأت دول عدّة إلى تعليق الرحلات من إيران ودول أخرى ينتشر الوباء فيها والمتجهة إليها، كإجراء احترازي للحد من خطر انتشار الفيروس، من بينها دبي التي علّقت الرحلات الجوية من وإلى إيران باستثناء طهران، حتى إشعار آخر.
وكانت الكويت والعراق سبقاها في الإعلان عن وقف رحلاتهما المغادرة والقادمة من كوريا الجنوبية وتايلاند وإيطاليا، كما لجأت دول أوروبية وعربية عدّة إلى هذا الإجراء الاحترازي.
"غير منطقية"
أما في لبنان، فأكد الحسن أن "المطالبات بهذا الشأن لا تبدو منطقية"، مشيراً إلى أن قرار المطار يستند إلى توصيات منظمة الصحة العالمية، وبالتالي تعليق الرحلات لن يحصل.
في المقابل، أكد أن "التعاطي مع الوضع يتم بجدية كاملة وبتدابير متشددة ومتجددة يومياً بحسب ما تدعو إليه الظروف". وأضاف "بدأنا بإجراءات إضافية اتخذناها مع كل الطائرات القادمة في رحلات مباشرة من دول أو مناطق ينتشر فيها الفيروس. فكنّا اعتمدنا هذه الإجراءات مع الطائرات الآتية من ميلانو وبدأنا بها الآن مع الطائرات القادمة من روما أيضاً. كذلك بالنسبة إلى الطائرات القادمة من إيران وغيرها من الدول حيث نعمل حالياً على فحص الركاب كل بمفرده، فيتم قياس الحرارة ونسأل كل راكب عن حالته ونتأكد من عدم وجود أي أعراض. كما تُطرح عليه كل الاسئلة اللازمة. ففي حال عدم وجود أي اعراض، يتوجه إلى منزله حيث يُطلب منه العزل لأسبوعين وفي حال ظهور أعراض، يُنقل مباشرة إلى مستشفى الحريري الحكومي. كما بدأنا باتخاذ إجراءات بشأن الطائرات الخاصة ونحضّر لوائح يومية بكل الطائرات القادمة. أما مسألة وقف الرحلات من وإلى إيران، فغير واردة. فإما أن نوقف الرحلات إلى كل الدول التي يظهر فيها الفيروس وإلاّ فلن نوقفها إلى إيران بشكل خاص، خصوصاً أن لذلك تداعيات خطيرة على الاقتصاد ولا يمكن الاستهانة بها". وأشار الحسن إلى أنه "بشكل عام، ثمة تراجع في معدلات المسافرين والقادمين من وإلى البلاد الموبوءة، فلا يقصدونها إليها إلا عند الضرورة القصوى".
منظمة الصحة العالمية توصي ولا تلزم
وبينما يُطلَب من المسؤولين اللبنانيين اتخاذ قرار حاسم لحماية المواطنين، يؤكد هؤلاء عامةً أنهم يلتزمون توصيات منظمة الصحة العالمية لاعتبارها المرجع الطبي الذي تطبّق الدول توصياته.
وأكدت ممثلة المنظمة في لبنان إيمان الشنقيطي في حديث مع "اندبندنت عربية" أن "منظمة الصحة العالمية لا تفضل أن تعمد الدولة إلى وقف الرحلات عامةً وإقفال المعابر، لما لذلك من تداعيات كبرى على الاقتصاد. في كل الأحوال، فإن إقفال المعابر ووقف الرحلات لا يمنع انتشار الفيروس، بل إن لمثل ذلك الإجراء نتائج سلبية كبرى على الاقتصاد ونحن لا نحبذ ذلك، خصوصاً أننا لا نرى فيه فائدة لمنع الانتشار. ولعل ما حصل في الصين خير مثال على ذلك، إذ إنّ الصينيين اتخذوا إجراءات صارمة لكنّ ذلك لم يمنع انتشار الفيروس. في المقابل، لا نلزم الدولة بذلك، فهي تتخذ القرارات التي تجدها مناسبة وإذا قرّرت وقف الرحلات مع دول معينة، نحن نحترم ذلك ولن يكون عليهم إلاّ إبلاغنا، فيما يبقى لنا دورنا في تقديم المشورة لهم. أما بالنسبة إلى الإجراءات التي تتخذها الدولة اللبنانية حتى الآن، فمطابقة لتوصيات منظمة الصحة العالمية وهي تلك المعتمدة في كل الدول مع المسافرين".
إذا كان القرار بوقف الرحلات مع إيران أو أي بلد آخر يمكن أن ينتشر فيه الوباء، يعود أولاً وأخيراً إلى الدولة المستقبِلة، يبقى السؤال هنا مطروحاً حول إمكانية اتخاذ قرار من هذا النوع، لا بناءً على المطالبة الشعبية والسياسية فحسب، بل استناداً إلى ما قد تقتضيه ضرورة حماية المواطنين، بغض النظر عمّا إذا كانت جهة سياسية تؤيد ذلك أو ترفضه بشكل تام وجذري، سواء كانت إيران وحدها هي الدولة المعنية بوقف الرحلات أو كانت من ضمن دول أخرى تبرز الحاجة إلى تعليق الرحلات منها وإليها.