قلقٌ ينتاب العالم جراء تفشي فيروس كورونا، تتسع رقعة الفيروس الذي يبرز معه معنى العالم قرية صغيرة، انتقل الفيروس إلى عددٍ من دول الشرق الأوسط، منها خليجية وعربية وإسرائيل، وكذلك إيران.
التعاطي الإيراني مع انتشار الفيروس يُلقي بظلاله على جوانب عدّة، تتخطى مشكلة الفيروس ذاته، إذ يُلقي الضوء على كيفية إدارة النظم السياسية غير الديمقراطية الأزمات، حتى الطبيعية منها، وربطها بالإطار النفسي للحكّام، وتداعياتها على مستقبل النظام ذاته.
ومنذ بداية العام يبدو أنّ حسن الحظ لم يكن حليفاً للنظام الإيراني، وستضاف الكيفية التي أدار بها النظام أزمة فيروس كورونا إلى سجل فشله في التعاطي مع أزمات أخرى سابقة، منها إصابته عن طريق الخطأ طائرة ركاب أوكرانية، عقب التوتر مع الولايات المتحدة وإطلاق صواريخ على قاعدتين عراقيتين بهما قوات أميركية رداً على مقتل اللواء قاسم سليماني.
وأدار النظام أزمة الطائرة بشكل خاطئ، ما دفع بعض التظاهرات إلى الشارع تضامناً مع ضحايا الطائرة، وتنديداً بإنكار المسؤولين في البداية المسؤولية عن الحادثة، ثمّ الاعتراف بها، فكانت من أبرز الأزمات التي فشل النظام في إدارتها، وسبقتها أزمة السيول والفيضانات.
أمّا أزمة فيروس كورونا، فعلى الرغم من إعلان النظام رسمياً أن نسبة الوفيات بلغت 22، والمصابين 144 حتى تاريخ كتابة المقال، فإنّ هناك حالة من عدم الثقة بين المواطنين والنظام من ناحية، والنظام وغيره من الدول من ناحية أخرى، فالمؤشرات تشير إلى ارتفاع الأعداد بمراحل أكثر مما أعلنتها الحكومة.
واتهمت منظمة (مراسلون بلا حدود) النظام الإيراني بإخفاء المعلومات، والقبض على المراسلين والصحافيين الذين يتناولون أخباراً عن الفيروس، فحتى الآن أصيب عددٌ من المسؤولين الرفيعي المستوى في الحكومة بالفيروس، ويوجد اشتباه في بعض آخر، فضلاً عن الحديث حول وجود بعض الإصابات بالسجون الإيرانية المزدحمة والسيئة الحال، التي على إثرها تتعالى مطالبات ذويهم بالإفراج عنهم، لا سيما الذين لا يشكلون خطراً منهم.
أيضاً تثار المخاوف في ظل تناقص المستلزمات الضرورية لمواجهة المرض، لا سيما الخاصة بالعاملين على خط المواجهة الأول للفيروس من مسعفين وأطباء، فهناك حالات معلن عنها لوفيات وإصابات لعدد من الأطباء، بل وحتى التشخيص الخاطئ لبعض الوفيات، ومن ثمّ جرى دفنها بغير الشروط المحددة لحالات الأوبئة، ما ينذر بالخطر لذويهم الأحياء.
من جهة أخرى، تقوم عناصر الأمن بالقبض على عدد من النشطاء لتداولهم معلومات حول الفيروس بتهمة نشر الإشاعات، بل ورفض عزل مدينة قم بؤرة انتشار الفيروس، ورفض إعلان حجر صحي، في الوقت الذي علّقت فيه السعودية تأشيرات العمرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التقارير الخارجية تشير إلى أن إيران لديها أكبر عدد من الوفيات خارج الصين، وتشير تقارير موقع (إيران واير) إلى قيام عناصر من الحرس الثوري الإيراني بتهديد المختصين الطبيين، إذا جرى الكشف عن معلومات تتعلق بانتشار الفيروس بإيران.
المعطيات تلك تُبين أمرين، الأول أنّ الحكومة لم تتخذ الإجراءات الاحترازية مع بدء انتشار الفيروس في الصين، والأمر الآخر إهمال المسألة لحين الانتهاء من الانتخابات التشريعية، التي كان النظام حريصاً على إتمامها، والمباهاة بنسب مشاركة عالية، لاعتياده توظيف الانتخابات والمشاركة السياسية، باعتبارها استفتاءً على شرعيته أمام العالم.
وفي ظل الحديث مُسبقاً عن تضاؤل نسبة المشاركة، لا سيما مع فقدان الأمل في أي تغيير أو الإيمان بجدوى دور مجلس الشورى الإسلامي المُنتخب في ظل تقاعسه عن القيام بدوره التشريعي والرقابي لصالح بعض الهيئات المعينة، فضلاً عن منع ترشّح عدد كبير من المنتمين إلى التيار الإصلاحي، هذا السياق دفع النظام إلى الاهتمام بأولوية خروج المواطنين إلى صناديق الاقتراع على حساب الاستعداد للفيروس المتزايد الانتشار.
هنا تجلّى فشل إدارة الأزمة، وعدم كفاءة النظام التي ستعمّق عدم ثقة المواطنين به، بل ربما تسبب شرخاً في شرعية نظام عجز حتى عن الحفاظ على حياة المواطن، فطالما حاول النظام البحث عن شرعية لوجوده، ولم ينجح في ظل العقوبات الاقتصادية، وتوتر العلاقة مع الولايات المتحدة، بالاعتماد على شرعية إنجاز اقتصادي أو اجتماعي.
وإذا استمرّت الأمور على هذا المنوال، ولم تتعاون الجمهورية الإسلامية مع منظمة الصحة العالمية، فمِن المتوقع حدوث كارثة كبيرة في الأشهر المقبلة، فرفض الإفصاح عن معلومات حقيقية للإيرانيين وللمجتمع الدولي يعد جريمة رسمياً، لأنه يعرّض حياة المواطنين للخطر ليس فقط في إيران، بل في دول أخرى.
وبالتالي أكبر التحديات التي تواجه مكافحة الفيروس هو تبادل المعلومات، والحصول على بيانات مفصّلة، لذا فكثير من الدول، بما في ذلك الإمارات، وسلطنة عمان، وكندا، والعراق، وتركيا، ولبنان، أغلقت الحدود الجوية والأرضية مع إيران، خصوصاً أن أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا تكون من قِبل المواطنين الإيرانيين أو من المسافرين الذين زاروا إيران.
إنّ إشكالية إيران تتمثل في قيام صنّاع القرار بها في تحويل تفشي فيروس كورونا إلى مشكلة أمنية، والتعامل مع حقائق ومعلومات الفيروس، باعتبارها أسرار الدولة، بل وربط هذا الأمر الذي يكافح العالم لمواجهته بمصادر التهديد القائمة في إدراك وتصوّرات النخبة الإيرانية والمرتبطة بمؤامرة غربية، هدفها كان التأثير في شرعية الانتخابات البرلمانية.
في حين أن فشل النظام في إدارة أزمة فيروس كورونا يرتبط بقدرة النظام ليس بتحسين أوضاع اقتصادية يمكن للإنسان تحمّلها، بل بالحفاظ على حياة المواطنين وبقائهم على قيد الحياة، ما قد يؤدي إلى إسقاط النظام القائم على القمع والقوة منذ 40 عاماً بسرعة تضاهي أضعاف سرعة انتشار الفيروس.