فيما تخيِّم التوقعات السلبية على مستقبل الاقتصاد العالمي مع توسع فيروس كورونا وانتشاره في أوروبا والشرق الأوسط، تزيد احتمالية أن يدخل الاقتصاد في أعنف موجة ركود منذ الأزمة المالية التي ضربت العالم في عام 2008، فيما تُجسد تركيا التي يعتمد اقتصادها على السياحة مخاطر انتشار الفيروس القاتل على دول الأسواق الناشئة.
وفي تحذيرات جديدة، قالت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، إن كورونا تسبب في ارتفاع مخاطر حدوث ركود عالمي في العام الحالي. وفي إطار خفض جماعي لتوقعاتها، قالت الوكالة إن اقتصادات متقدمة من بينها الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وكوريا الجنوبية، قد تنزلق جميعها إلى ركود في "تصور معاكس".
وأضافت أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني سيتراجع إلى أقل من 4 في المئة، في ظل تحفيز اقتصادي كبير، بينما ستواجه جنوب أفريقيا صعوبات للنمو. ولوكالة "موديز" أهمية لجنوب أفريقيا، إذ إنها الوحيدة المتبقية التي تصنف البلاد عند درجة جديرة بالاستثمار.
النمو العالمي بأدنى مستوى منذ أزمة 2008
في السياق ذاته، خفض معهد التمويل الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين، بينما حذّر من أن النمو العالمي قد يسجل أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية.
وأشار المعهد في تقرير حديث، إلى التأثير الاقتصادي لتفشي فيروس كورونا، ليقلص توقعاته لنمو الولايات المتحدة هذا العام إلى 1.3 في المئة انخفاضاً من 2 في المئة في السابق، مع تركز الضعف في الربع الثاني، وللصين إلى ما يقل قليلاً عن 4 في المئة من 5.9 في المئة في السابق.
وذكر أن النمو العالمي خلال عام 2020 ربما يقترب من 1 في المئة، وهو ما يقل كثيراً عن نمو بنسبة 2.6 في المئة في 2019، ويمثل أضعف نمو منذ الأزمة المالية العالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال خبراء الاقتصاد لدى المعهد، إن نطاق النتائج المحتملة كبير ويعتمد على انتشار الفيروس والتبعات الاقتصادية الناجمة، وكلها أمور تكتنفها ضبابية مرتفعة في هذه المرحلة. وبعيدا عن أكبر اقتصادين في العالم، يشير المعهد إلى ضعف في ألمانيا واليابان وأسواق ناشئة.
وفي تحرك طارئ لحماية الاقتصاد الأميركي من أثر التفشي، خفّض البنك المركزي الأميركي يوم الثلاثاء الماضي، أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية إلى نطاق مستهدف بين 1 و1.25 في المئة.
وقال معهد التمويل الدولي إن تحرك مجلس الاحتياطي الاتحادي شكَّل فرصة لخفض أسعار الفائدة للبنوك المركزية في أسواق ناشئة، والتي امتنعت عن اتخاذ هذه الخطوة حتى الآن بفعل مخاوف من احتمال هبوط عملاتها، وقد تسبب القرار الأميركي في تأجيج مخاوف المستثمرين والأسواق التي هوت بشدة عقب القرار، من تداعيات كورونا.
وأضاف أن ذلك كان مهماً على وجه الخصوص لدول تقدم عائدات مرتفعة وتحقق نمواً منخفضاً، مثل المكسيك وجنوب أفريقيا وفي أنحاء الأسواق الناشئة عموماً، حيث كان النمو ضعيفاً. وذكر المعهد أنه من شأن دورة التيسير الفعلية هذه أن تساعد في تحقيق نمو بالأسواق الناشئة وتقي الاقتصاد العالمي من فيروس "كوفيد-19".
كيف تتأثر التصنيفات الائتمانية لدول الأسواق الناشئة؟
ومن المتوقع أن تضغط التوقعات السلبية التي تزيد مع توسع وانتشار الفيروس على التصنيفات الائتمانية لدول الأسواق الناشئة، حيث قال أحد كبار محللي وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" والمعني بالتصنيفات السيادية، إن تركيا، وأسواقاً ناشئة أخرى ذات تصنيف ائتماني منخفض وبعض الدول المنتجة للنفط تواجه ضغوطاً على التصنيف الائتماني بسبب كورونا.
وخلال الأيام الماضية، خفضت "ستاندرد آند بورز" توقعات النمو العالمي، وقال مدير التصنيفات الائتمانية لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى الوكالة، فرانك جيل، إن التصنيفات الائتمانية لدول بعينها قد تسجل ضعفاً أيضاً، مضيفاً "ليس نبأ جيداً لأي شخص، على الأقل للأسواق الناشئة، حيث يمكن أن يسبب هذا ضرراً كبيراً للدول المصنفة عند درجة مرتفعة المخاطر في نطاق لمستوى B أحادي".
وأشارت الوكالة إلى أن القضية الرئيسة هي ما إذا كانت الدول ستكون قادرة على مواجهة زيادات كبيرة في حالات الإصابة، على الأخص إذا كانت أنظمتها للرعاية الصحية أقل تقدماً، أو ما إذا كانت تعول بقوة على السياحة أو سلع أولية تنخفض أسعارها مثل النفط، وثمة مبعث آخر للقلق إذا تراجعت العملات المحلية، مما يرفع تكلفة سداد الديون المُقترَضة بعملات رئيسة مثل الدولار، وقال جيل "نتابع تركيا بشكل وثيق للغاية".
كورونا والاقتصاد القائم على السياحة
وتصنف "ستاندرد آند بورز"، تركيا حالياً عند مستوى B+ مع نظرة مستقبلية مستقرة، لكن قطاع السياحة التركي الكبير الذي يشكل نحو 13 في المئة من اقتصادها، مثَّل بقعة مشرقة العام الماضي، وذكرت الوكالة أنه "من الواضح أن فيروس كورونا سيؤثر سلباً في أي اقتصاد يقوم على السياحة خلال عام 2020".
كما أن بنوك البلاد ستقوم بالكثير من عمليات إعادة التمويل على مدى الـ12 شهراً المقبلة، وعند قيمة قدرها 61.5 مليار دولار، فإن هذا يمثل قرابة 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا، وقال جيل "هذا كثير".
والشركات التركية حاصلة على ديون خارجية بنحو 74 مليار دولار، بما في ذلك ائتمان تجاري، وعلى الرغم من أن الحكومة ذاتها يتعين عليها إعادة تمويل نحو خمسة مليارات دولار فقط هذا العام، فإن هناك ثلاثة بنوك كبيرة مملوكة للحكومة ستحتاج إلى الدعم في الأزمة. وأشارت الوكالة إلى أنه "حين ترى ضغوطاً على الليرة، يؤثر ذلك سلبا على الفور في الجدارة الائتمانية للقطاع الخاص، وهذا ليس نبأ عظيماً".