في الفقرة الثانية من صفحة "عرض الأسباب" لمشروع قانون الوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، تمهد وزارة العدل الجزائرية لردود فعل متوقعة من حقوقيين ونقابات صحافية تعتبر القانون "ضرباً لحرية الرأي في البلاد"، فتشير إلى أنه "لا يهدف للحد من حرية التعبير"، وأنه يأتي لـ "منع ممارسات بلغت حدوداً خطيرة سيما التحريض على التمييز والعداء والعنف".
في المقابل، يمنح القانون الجزائري لمكافحة خطاب الكراهية صلاحيات واسعة لفرق الضابطة القضائية في متابعة مواقع إلكترونية ومدونات داخل الجزائر وخارجها، كما يحدد سبع وسائل يحق للضابط متابعتها في تهم تستحق عقوبات قاسية "القول أو الكتابة أو الرسم أو الإشارة أو التصوير أو الغناء أو التمثيل".
ويرد في النص المبدئي للمشروع القانوني الذي أحيل على مكتب البرلمان وحصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه، صلاحيات للقضاء ومصالح الأمن في مراقبة "جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تبرر التمييز، وتلك التي تتضمن أسلوب الازدراء أو الإهانة أو العداء أو البغض أو العنف الموجهة إلى شخص أو مجموعة من الأشخاص على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني أو الانتماء الجغرافي أو الإعاقة أو الحالة الصحية".
ويفصل المشروع القانوني في الشق الخاص بالمنطقة الجغرافية، فيجرم أي تمييز أو خطاب كراهية على أساس "الانتماء إلى منطقة أو جهة محددة من الإقليم الوطني"، وهو بذلك يحاول معالجة موجة "سباب" برزت بقوة في فترة الحراك الشعبي بظهور مصطلحات تمييزية بعضها طال منطقة القبائل على وجه الخصوص، ومنها ما طال مناطق أخرى على أساس سجال سياسي يختلف أطرافه في تأييد أو رفض الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
كما يذكر في الشق الخاص بـ "التمييز"، تجريم "كل تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس الجنس أو النسب أو الأصلي القومي أو الإثني أو اللغة أو الانتماء الجغرافي أو الإعاقة أو الحالة الصحية يستهدف تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي مجال آخر من مجالات الحياة العامة".
محرمات سبعة
ما يلفت النظر في القانون، أنه يتحدث عن أشكال التعبير التي يُجرمها بناء على "المحرمات" المذكورة سلفاً، فتشير مادة قانونية إلى تجريم "القول أو الكتابة أو الرسم أو الإشارة أو التصوير أو الغناء أو التمثيل أو أي شكل أخر من أشكال التعبير مهما كانت الوسيلة المستعملة".
في هذا الشأن، يقول المحامي صالح بوداود عضو الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان لـ "اندبندنت عربية"، إن "المشرّع الجزائري يتجه نحو تجريم فعل التعبير، فكرة تجريم الكراهية والتمييز مبدأ عالمي مقبول ومرحب به، لكن النص الأولي للمشروع يتجاوز هذا المبدأ وقد يستعمله مطية لرفع العقوبات على جرائم النشر".
ويضيف "إشكال السلطات الجزائرية منذ سنوات كان في بحث طريقة لمراقبة النشر على مواقع التواصل الاجتماعي وهي اليوم تُحضر نصاً قانونياً لا يحدد فوارق ما بين حدود التعبير ومسائل التمييز".
وعموماً يقر القانون عقوبات بالحبس ما بين ستة أشهر وثلاث سنوات وغرامات مالية على قضايا "التحريض العلني على ارتكاب الجرائم" التي يجرمها المشروع القانوني نفسه، في حين ترتفع العقوبة في قضايا التمييز والكراهية بـ"الحبس من سنتين إلى خمس سنوات في حال كان الضحية طفلاً، ويظل عمر العقوبة في منحى تصاعدي حينما يتعلق الأمر بالدعوة إلى العنف.
قضايا النشر
من جهة ثانية، يرفع القانون العقوبة من خمس سنوات إلى عشر في حال كان الأمر يخص "كل من ينشئ أو يدير أو يشرف على موقع إلكتروني أو حساب إلكتروني يخصص لنشر معلومات للترويج لأي برنامج أو أفكار أو أخبار أو رسوم أو صور من شأنها إثارة التمييز والكراهية في المجتمع"، كما يعاقب "العرض والبيع لمطبوعات أو تسجيلات أو أفلام أو برامج إعلام آلي تحمل أشكالاً يعاقب عليها القانون".
ويُمكّن القانون ضباط الشرطة القضائية من نصب آليات تقنية للتبليغ عن الجرائم "عبر الشبكة الإلكترونية وتمكينهم من اللجوء إلى أساليب التحري الخاصة، لاسيما التسرب الإلكتروني إلى منظومة معلوماتية أو نظام للاتصالات الإلكترونية وتحديد الموقع الجغرافي للشخص المشتبه فيه"، فيما يعطي الحق في طلب المتابعة الدولية.
ويخشى المحامي بوداود أن يرتفع رقم القضايا المتعلقة بالنشر بعد "تحويلها إلى غطاء قانوني جديد يخص الكراهية والتمييز"، فيذكر "متابعات قضائية ضد رسامي كاريكاتير مثلاً أثاروا قضايا عقائدية أو جهوية أو فيديرالية أو تخص اللغة والهوية، أتصور أن مثل تلك الأعمال الصحافية ستكون محل تدقيق مع تدعيم هذا التوجه في دستور البلاد المقبل.
وبذلك ينقل المشرع بعض الأفعال من قانون العقوبات إلى قانون مكافحة خطاب الكراهية، وهي أفعال كانت أصلاً محل انتقادات إثر إحالة عدد كبير من الناشطين على القضاء في تهم تنبع من "تغريدات" على حسابات شخصية في مواقع التواصل الاجتماعي
هيئة تتبع الرئاسة
من بين أهم ما يتضمنه مشروع النص المذكور، إنشاء مرصد وطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، يوضع لدى رئيس الجمهورية، وهو هيئة وطنية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، يتولى "الرصد المبكر لأشكال ومظاهر التمييز وخطاب الكراهية وإخطار الجهات المعنية بذلك، مع تحليلهما وتحديد أسبابهما واقتراح التدابير والإجراءات اللازمة للوقاية منهما".
وتجدر الإشارة إلى أن المرصد يحوز على القوة القانونية التي تخوله أن يطلب من أي إدارة أو مؤسسة أو هيئة أو مصلحة كل معلومة أو وثيقة ضرورية لإنجاز مهامه، بحيث "يتعين عليها الرد على مراسلاته في أجل أقصاه ثلاثين يوماً".
ويتشكل هذا المرصد، بحسب ما يشير إليه النص، من كفاءات وطنية يختارها رئيس الجمهورية، وممثلو المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للغة العربية والمحافظة السامية للأمازيغية والهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة والمجلس الأعلى للأشخاص المعوقين وغيرها من الهيئات.
الملاحظات حول المشروع التمهيدي للقانون ليس محل انتقادات حقوقية فقط، فجوانب دينية يذكرها الدكتور بوزيد بومدين الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى ضمن ملاحظاته الأولية حول نص القانون "التمييز والكراهية على أساس الدين غائبة في مشروع القانون فقد سبق لدول عربية أن سنّت قوانين ضدّ التمييز وخِطاب الكراهية مثل تونس والإمارات العربية المتحدة خصوصاً مع تزايد أشكال الكراهيّة في الوسَائط الاجتماعية".
وأضاف إن الكراهية والتمييز على أساس ديني أو ملّي أو مذهبي أو طائفي هو ما نعانيه اليوم في العالم وخصوصاً في بلداننا، ولذا استغرب من خلو ذلك في القانون، ومن غض الطرف عن المؤسسة الدينية الرسمية في الجزائر أن تكون عضواً في المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، وحضور وزارة الشؤون الدينية في هذا القانون هو فقط كصوت استشاري".