من عجائب الأقدار وغرائب الأمور أن يصبح فيروس كورونا الذي يرعب الدنيا وما فيها هذه الأيام، وينشر اليأس والموت في كل بقاعها، أملاً ورجاءً في ليبيا لإيقاف معارك العاصمة طرابلس، استجابة للاستعدادات الكبيرة التي تتطلبها مواجهته والتصدي لمخاطره المفزعة.
في هذا الصدد، أعلن الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي أحمد المسماري "ترحيب القيادة العامة بالدعوة الصادرة بخصوص وقف القتال، لأغراض إنسانية، للتصدي لوباء كورونا".
وأكد المسماري، في بيان السبت، أن "القيادة العامة ملتزمة بوقف القتال، طالما التزمت به بقية الأطراف"، لافتاً إلى أنها "لن تقبل أن تكون هي فقط المطالبة بالالتزام بوقف إطلاق النار، وتترك الميليشيات تواصل انتهاكاتها المتكررة للهدنة".
وفور إعلانها، لاقت استجابة الجيش ترحيباً دولياً، إذ أثنى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على "الردود الإيجابية التي قدمتها القوات المسلحة وحكومة الوفاق، في 18 و21 مارس (آذار)، استجابة لدعوات الوقف الإنساني للقتال".
وأعرب غوتيريش عن أمله في أن يُترجم ذلك إلى "وقف فوري وغير مشروط للأعمال العدائية"، داعياً الأطراف إلى "توحيد الجهود لمواجهة التهديد وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء البلاد من دون عوائق".
وأعلنت سفارة الولايات المتحدة في بيان ترحيبها بإعلان الجيش الليبي أيضاً.
واعتبر البيان أن "الالتزام الصارم بوقف الأعمال العدائية، من قبل الأطراف الليبيين الفاعلين وداعميهم الأجانب، هو السبيل الوحيد لتوحيد الجهود لمكافحة أزمة فيروس كورونا، ومعالجة الحاجات الإنسانية المباشرة للفئات الأكثر ضعفاً والمتضررين من النزاع ". كما أبدت السفارة الأميركية "استعدادها لمساعدة السلطات الليبية في هذه المهمة".
أقوال لا أفعال
وعلى الرغم من التفاؤل الذي عمّ داخل ليبيا وخارجها، إلاّ أنّ الواقع على أرض الميدان كان مختلفاً تماماً، حيث تواصلت الاشتباكات والعمليات العسكرية في محاور جنوب طرابلس، بوتيرتها السابقة وربما أشدّ.
واتهم محمد قنونو، المتحدث باسم عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، قوات الجيش الليبي بعدم الوفاء بتعهداتها التي أعلنتها، قائلاً إن "طفلين أُصيبا جراء سقوط قذيفة عشوائية على شقة في منطقة باب بن غشير بالعاصمة طرابلس، مساء السبت".
وأضاف أن القصف العشوائي لطرابلس، جاء بعد ما وصفه بـ"الإعلان الخادع" للناطق باسم الجيش الليبي، عن وقف لإطلاق النار، موضحاً أنّ "هذا الإعلان، يكذّبه ما نرصده بالعين المجردة من استنفار وتحشيد للجيش في خطوط القتال المقابلة لمحاورنا في عين زارة والسواني ووادي الربيع والوشكة".
لكن قوات الجيش أعلنت استهدافها قوات الوفاق في عين زارة، من دون مواربة، وقالت غرفة عمليات إجدابيا إن "الجيش تمكن من قتل 19 مقاتلاً سورياً تابعاً لحكومة الوفاق، خلال المعارك التي دارت السبت".
صد هجوم مباغت
في المقابل، أكد المسؤول الإعلامي في قوة الاحتياط بالقيادة العامة للجيش الليبي أبو بكر أدويهش، أن "سرية المدفعية تمكنت من صد تقدم لقوات الوفاق في محور العزيزية"، موضحاً أنّ "قوات الوفاق حاولت التقدم لاستعادة أجزاء من منطقة العزيزية، إلاّ أنّها أُجبرت على التراجع بعد استهداف طليعتها بالمدفعية".
وصول جثامين إلى حلب
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في سياق ذي صلة، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان "وصول 14 جثة لمقاتلين سوريين إلى ريف حلب الشمالي، قُتلوا في ليبيا على يد الجيش"، مضيفاً أنّ "القتلى ينحدرون من مدن تدمر وسلقين والبوكمال والباب، وينتمون إلى فصائل لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال والحمزات وسليمان شاه".
وأشار إلى أن "حصيلة القتلى في صفوف الفصائل الموالية لتركيا الموجودين في ليبيا، بلغت 134 قتيلاً حتى السبت".
تعلق بالسراب
من الصعب أن يلتزم طرفا النزاع العسكري الليبي بما تعهّدوا به حول التهدئة ووقف إطلاق النار، طالما أن خطوط التماس بين المعسكرَيْن باقية بالنقاط المتقاربة ذاتها، ما يجعل فرص وقوع المناوشات احتمالاً دائماً لأبسط الأسباب، وفق ما يشرح الصحافي الليبي مصطفى الحاسي لـ "اندبندنت عربية".
ويعتقد الحاسي أن "أي إعلان في هذه الظروف والمعطيات عن هدنة، يظل تمسكاً بالوهم وتعلّقاً بسراب، وإن حصل سيكون مؤقتاً وهشّاً وغير مؤهل للصمود طويلاً".
إجراءات تحسباً لكورونا
وبعيداً من المعارك والتطورات الميدانية، أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج "فرض حظر التجول في كامل الأراضي الليبية من الساعة السادسة مساءً إلى الساعة السابعة صباحاً، اعتباراً من الأحد، وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية لمجابهة وباء كورونا".
واستثنى القرار "الأعمال ذات الطبيعة السيادية والأمنية والصحية والصيدليات وأعمال البيئة والكهرباء والطاقة والاتصالات وحركة الشحن"، مشيراً إلى أن "فترة حظر التجوال ستُعدّل بحسب مقتضيات الأزمة".
وتضمن القرار، "الإقفال التام للمساجد والمؤسسات التعليمية والمقاهي والمطاعم وصالات المناسبات الاجتماعية والمتنزهات والنوادي والمحال التجارية، كما تُمنع إقامة المآتم والأفراح واستخدام وسائل النقل الجماعي".
وكانت الحكومة الليبية في شرق البلاد، اتخذت إجراءات مماثلة قبل أيام، وسط مخاوف المواطنين من عدم قدرة المستشفيات الليبية على مواجهة خطر ظهور حالات إصابة بالفيروس القاتل في البلاد، في ظل الأزمة الحالية التي تعيشها على المستويات كافة.