على الرغم من شيوع ثقافة التكاتف في أوقات الشدة عند السودانيين، لكن ظهور فيروس كورونا المستجد الذي عرف بمدى خطورته خصوصاً أنه ينتقل بالعدوى عبر رذاذ العطاس والسعال، زاد همة وعزيمة الشباب السوداني في العمل الطوعي من خلال مبادرات فردية ومجتمعية توعوية لمجابهة هذا الفيروس القاتل والمساعدة في التقليل من أخطاره ومنع انتشاره في البلاد.
وتمثلت هذه المبادرات في استخدام شبان سودانيين كثر مواقع التواصل الاجتماعي لبث رسائل توعوية حول كيفية الوقاية من هذا الفيروس على شكل تصاميم وفيديوهات، فضلاً عن استلهام روح الثورة السودانية في التصدي لهذا الوباء من خلال الأهازيج والأناشيد الثورية التي ترددها مجموعات شبابية عند القيام بتوزيع المطبوعات التوعوية والمعقِمات والكمامات مجاناً للمواطنين في الشوارع والطرقات العامة.
جشع التجار
ففي بادرة لاقت إشادة شعبية ورسمية قامت مجموعة من العاملين في مجال الصيدلة في السودان، وبجهود فردية وتطوعية، بتصنيع وتوزيع معقم الأيدي مجاناً على العامة، وذلك لمحاربة جشع بعض التجار الذين حاولوا استغلال هذه المحنة عبر خلق أزمة في توفر معظم الأدوات الصحية التي تُستخدم في التعقيم. وأعلن عضو هذه المجموعة، الصيدلي مصعب عبدالله، أن هذه المبادرة أتت مساهمةً منهم في توفير كميات كبيرة من المعقمات لخفض انتشار عدوى هذا الفيروس بين الناس، وذلك عندما لمسوا حاجة المجتمع إليها في ظل اتجاه التجار إلى رفع أسعار تلك السلع بشكل كبير، مشيراً إلى أنه "من أهداف المبادرة، محاربة كل مَن يحاول استغلال الأزمات لتحقيق منافع شخصية"، داعياً "أي فرد في المجتمع إلى بذل جهده قدر المستطاع في المساعدة التوعوية من أجل وقاية السودان من هذا الوباء".
وأضاف عبدالله أن "معظم المشاركين في هذه المبادرة يعمل لأكثر من 10 ساعات في اليوم من أجل تركيب محاليل معقِمة وتعبئتها في عبوات صغيرة لتوزيعها في الطرق والمستشفيات وأماكن التجمعات العامة لسد النقص الكبير في أدوات التعقيم بالصيدليات والأسواق"، منوهاً إلى أن هذه المبادرة بدأت بمجموعة صغيرة من الصيادلة، لكن سرعان ما انضم إليها عدد كبير من الجنسين، ما منحها صدىً كبيراً في الشارع السوداني الذي يدرك أهمية التضامن والتكاتف من أجل تعزيز الجهود الحكومية ودعمها بمبادرات مجتمعية في مختلف المجالات تهدف جميعها إلى التصدي لأي انتشار محتمل للفيروس في بلد تكفي فيه المستشفيات بالكاد لتحمل تدفق المرضى والمراجعين العاديين.
مشاهد كوميدية
ولم تقتصر المبادرات على َمن هم في الحقل الطبي، ففي الشارع السوداني تجوب سيارات مكشوفة تضم شباناً يصورون مشاهد تمثيلية توعوية كوميدية تحمل رسائل مبسطة لتعريف الناس بالممارسات والسلوكيات والإرشادات الصحيحة التي يجب اتباعها من أجل تفادي الإصابة بفيروس كورونا. ويوضح المخرج والكاتب السوداني فؤاد عبدالرحيم أن "للفن والدراما دوراً كبيراً في تبصير المجتمعات ودعم الجهود الحكومية خصوصاً في ظل الظرف الحالي الذي يُعتبر استثنائياً ويحتاج إلى كل جهد من أجل تقليص الخسائر والحد منها".
كذلك انشأت مجموعة من الشباب السوداني عقب الإعلان عن حالة الوفاة الأولى بفيروس كورونا، وارتفاع أسعار الكمامات الموصى باستخدامها، صفحةً على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحت اسم "كمامتك علينا" لتوزيع الكمامات بالمجان وبمجهودهم الشخصي وتبرعات من بعض أصدقائهم وأقاربهم الميسورين. ويقول عبد المنعم عبد الرحيم، وهو أحد مؤسسي للمبادرة، "الوضع في السودان يحتاج إلى تكاتف وهمة لتوعية الناس من مخاطر هذا الوباء، فلا تزال هناك سلوكيات خاطئة واستهانة بهذا الخطر القاتل، ومجالات التوعية كثيرة وكل عمل من هذا القبيل سيكون له أثر إيجابي في الحد من انتشار هذا الفيروس. ومن هذا المنطلق قررنا كمجموعة تربطنا علاقات صداقة لفترة طويلة العمل على توفير الكمامات مجاناً وتوعية المواطنين بالمرض بكلمات بسيطة تجعلهم يشعرون بأهمية هذه النصائح".
تعقيم الماكينات
في سياق متصل، شاركت مجموعة طلاب إحدى الجامعات السودانية في محاولات السيطرة على فيروس كورونا عبر جهود أفرادها الذاتية، حيث أطلقت مبادرة تستهدف مسح مقابض المحلات وماكينات صرف النقود الآلية وتعقيمها. وأوضح بعض الأعضاء أن المبادرة بدأت كفكرة من خلال مناقشاتهم في مجموعة على تطبيق "واتساب"، ثم أُطلقت على فيسبوك، مبينين أنهم بدأوا بتجهيز المطهِرات والمحاليل ووضعها في الشارع ليستعملها المواطنون، من ثم تعقيم ماكينات الصرف الآلي ومسح المقابض التي تُستخدَم باستمرار .
وأشار منسق المجموعة أمجد حسن إلى أنهم حضوا الشباب على التواصل الاجتماعي عبر المشاركة بكل ما يستطيعون لمواكبة ما تقوم به الحكومة من تدابير للسيطرة على هذا الفيروس، مؤكداً أن "كثيرون شاركوا في المبادرة بما يستطيعون، فهناك مَن وضع المطهرات والمحاليل في الشوارع، فيما عمل آخرون على توعية المارة في الشوارع على كيفية الوقاية من كورونا، وتوزيع الإرشادات على السيارات والمحلات التجارية والمطاعم والمرافق الحكومية، بالإضافة إلى إرشاد المواطنين عبر نصائح عن الوقاية من كورونا، وغيرها من الأدوار التي تساهم في توعية المواطنين إلى خطر هذا الفيروس".
مبادرات المغتربين
ولم تقف الجهود التطوعية والإنسانية على مَن هم داخل البلاد، إذ أعلنت مجموعة من منظمات المجتمع السوداني في الولايات المتحدة، من بينها "جمعية أساتذة الجامعات السودانيين-الأميركيين" و"رابطة أبناء دارفور" و"الجالية السودانية" و"تجمع الأطباء السودانيين" وغيرها من المنظمات والجمعيات السودانية في مختلف المدن الأميركية، تشكيل فريق مشترك لقيادة حملة واسعة لدعم جهود وزارة الصحة السودانية في مجابهة فيروس كورونا وتوفير الاحتياجات الأساسية للكادر الصحي في السودان للتعامل مع الحالات المشتبهة والمؤكدة.
كما تنادت مجموعات سودانية عدة من دول الخليج لإعلان مبادرات يرتكز معظمها على ارسال مواد تعقيم ودعم المستشفيات والمراكز الصحية بمعدات وأسرّة طبية وأدوية، فضلاً عن دعم المبادرات داخل السودان مادياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تفاعل المسؤولين
في المقابل، تصاعدت اهتمامات المسؤولين السودانيين بالتحذير من وباء فيروس كورونا المستجد على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعد إعلان وزارة الصحة عن أول حالة وفاة بالمرض، ما عضد مبادرات التوعية بمخاطر هذا الفيروس. وسارع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى التغريد من حسابه في تويتر، مطالباً بتوخي الحذر "لأن وباء كورونا ينتشر بسرعة"، وحضّ جميع المواطنين على اتباع الإرشادات الصحية التي أعلنتها وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية وذلك لحماية أنفسهم وأسرهم، مشيراً إلى أنه يمكن أن تكون الأعمال البسيطة مثل غسل اليدين وتجنب الأماكن المزدحمة مفيدة جداً خلال هذه المرحلة الحرجة.
حصاد القمح
في سياق آخر، تبددت مخاوف المزارعين السودانيين من فشل عمليات حصاد القمح في السودان للموسم الزراعي الشتوي التي بدأت هذا الأسبوع بسبب الإجراءات المصاحبة لمكافحة فيروس كورونا الذي عطّل معظم القطاعات الإنتاجية في البلاد. وتأتي أعمال الحصاد في وقت يعول السودان على إنتاجه المحلي من القمح لتغطية نحو 17 في المئة من استهلاكه السنوي من هذه السلعة، البالغ مليوني طن، حيث يستورد الكمية المتبقية وقيمتها مليارا دولار سنوياً.
وذكر رئيس الجمعية الزراعية التخصصية في القسم الأوسط لمشروع الجزيرة كمال حريز، أن "هذا الموسم شهد إنتاجية عالية وصلت 20 جوالاً، زنة 100 كيلوغرام للفدّان الواحد، ويرجع ذلك إلى الاهتمام بمشروع الجزيرة الذي يُعد أقدم وأكبر مشروع زراعي في السودان والمنطقة، لكنه تعرض إلى الإهمال خلال فترة النظام السابق".