وكأنه لا يكفي لبنان، البلد المثقل بالديون والمتعثر اقتصادياً والمنتفض شعبياً وزر التعثر الاقتصادي والبطالة والفقر ليأتي وباء "كورونا" ليزيد الضغوط على حكومة ما بعد الثورة التي تأهبت بخطط لم يعتد عليها اللبنانيون لتفادي السيناريو الأسوأ أو الوصول إلى مستوى من تفشّي المرض لا تستطيع الدولة بمواردها احتواءه.
الاجتماعات الحكومية بدأت مع تسجيل أول حالة من الإصابة بالفيروس ولو أن المقررات الآيلة إلى احتواء تفشّي المرض ومكافحة آثاره الاجتماعية قد تأخرت، وإنما إدارة الحكومة الفتية للأزمة أثبتت حتى اليوم أنها قادرة على التحرك، ولو بهوامش ضيقة، في وقت استُنفر الأمن والقطاع الصحي والسفارات وشُكّلت لجنة لمتابعة التدابير والإجراءات الوقائية بوجه "كورونا".
مساعدات نقدية وعينية للمتضررين
وكشفت وزيرة الإعلام في الحكومة اللبنانية منال عبد الصمد لـ "اندنبندت عربية" عن أن مجلس الوزراء سيطرح البحث بإقرار مساعدات نقدية للعائلات الفقيرة والمتضررة من فرض حالة التعبئة العامة، لافتةً إلى أنه سيتم التنسيق مع وزارة المال في هذا الشأن ووزارة الشؤون الاجتماعية والبلديات والمخاتير لتحديد عدد المتضررين، فلدى وزارة الشؤون الاجتماعية لوائح بالأسر الأكثر فقراً في لبنان، ولكن في ظل التعبئة العامة وتوقف الأعمال والمهن الحرة والبطالة التي ارتفعت بعد الثورة، ستتجه الوزارة إلى البلديات والمخاتير لتحديد الأسر الفقيرة والتي تحتاج إلى مساعدات في ظل الظروف الراهنة، كما سيباشر مجلس الوزراء بآلية لبدء توزيع المساعدات العينية في المناطق كافة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت عبد الصمد عن أن لبنان أنهى محادثات مع الاتحاد الأوروبي الذي وافق على مساعدة البلاد في مواجهة تفشّي "كورونا". أما عن تأخر الحكومة في الاستجابة للأزمة، فأكدت أن لبنان سبق الدول المجاورة ولم يتأخر أبداً وبادر بتطبيق كامل وسريع لكل توصيات منظمة الصحة العالمية منذ اليوم الأول لوصول الفيروس إليه، ما ساعد في إبقاء عدد حالات الإصابة ضمن نطاق معقول حتى الآن.
وعن إمكانيات الحكومة، قالت عبد الصمد إن الجميع يعرف أن إمكانيات الحكومة اللبنانية غير كافية، ولا يمكن اللجوء إلى وزارة المال، لذلك توجّهنا إلى المجتمع المدني والهيئات الدولية والخاصة لتمويل حاجات القطاع الصحي. وبالفعل، فاجأ اللبنانيون العالم بتضامنهم وتبرعاتهم التي بلغت المليارات ونوّهت الوزيرة بكل مبادرة كبيرة أو صغيرة للمساعدة.
أهم إجراءات الحكومة لمواجهة الأزمة
الإصابة الأولى بوباء "كورونا" في لبنان سُجلت في 21 فبراير (شباط) للبنانية آتية من إيران لتبدأ بعدها مسيرة الخوف وتفشّي المرض الذي حصد في لبنان حتى إعداد هذا التقرير ستة أشخاص وأصاب ما لا يقل عن 330 آخرين.
التدابير الوقائية اتخذتها الحكومة منذ 22 فبراير، وشملت إجراءات العزل ومنع المواطنين اللبنانيين من السفر إلى المناطق التي سجّلت إصابات وتكليف وزارة الصحة تخصيص مستشفى حكومي في كل محافظة ليكون مركزاً حصرياً لاستقبال المصابين وتجهيزه بالمواصفات والمعدّات المطلوبة، كما أقفلت المدارس. والإجراءات بدأت خجولة ولم تشتدّ فعلياً إلّا تحت ضغط الشارع الغاضب من تفلّت الحدود وارتفاع عدد المصابين لتشدّد فعلياً الحكومة ومع بداية شهر مارس (آذار)، إجراءاتها.
إقفال الحدود
في 11 مارس، طلب مجلس الوزراء وقف الرحلات من وإلى إيطاليا وكوريا الجنوبية وإيران والصين، ووقف دخول جميع الأشخاص الآتين من الدول التي تشهد انتشاراً للوباء مثل فرنسا ومصر وسوريا والعراق والمملكة المتحدة وإسبانيا. كما أنه طلب من الإدارات العامة والبلديات وضع جدول مناوبة بالحد الأدنى من الموظفين بشكل يؤمن معاملات المواطنين، إضافةً إلى اتخاذ التدابير التي من شأنها منع التجمعات في الأماكن العامة والخاصة، بينما لم تقفل الحدود البرية فعلياً قبل 15 مارس، وتم وقف جميع الرحلات الجوية في 18 من الشهر الحالي.
رحلة البحث عن التمويل
الدولة اللبنانية المتعثرة مالياً والمتخلّفة عن تسديد ديونها، تواجه معضلة التمويل، فالمستشفيات الحكومية المنتشرة في كل المناطق تعاني من إهمال مزمن وتفتقد إلى المعدات والكوادر البشرية ولا قدرة لديها على مواجهة الأوبئة. وفي وقت اعتُمد المستشفى الحكومي في بيروت، كأول مركز لاستقبال المصابين وإجراء الفحوصات، بدأ العمل فعلياً على تأهيل مستشفيات الأطراف وتجنيد المستشفيات الخاصة التي بدأت تباعاً تخصّص أجنحة ومباني لاستقبال مرضى "كورونا".
وأول الغيث تحرير قرض مقدم من البنك الدولي ومخصّص لتجهيز المستشفيات الحكومية لمواجهة فيروس "كوفيد-19" وقيمته 39 مليون دولار، كما اتُّفق على إنشاء صندوق خاص لقبول التبرعات من اللبنانيين ومن غير اللبنانيين لمواجهة هذه الأزمة. وتدعو الحكومة كل شخص في لبنان أو خارجه إلى المساهمة في هذا الصندوق في هذه المرحلة الصعبة، وما تم جمعه حتى اليوم 64 مليون ليرة لبنانية أي حوالى 42 ألف دولار.
كذلك، فُتح حسابان لدى المصرف المركزي، أولهما مخصص لدعم صندوق "كورونا" والثاني لتوفير المساعدات الاجتماعية، ووضع الوزراء مبلغ 100 مليون ليرة لبنانية من تعويضاتهم الخاصة في الحساب الخاص المنشأ في مصرف لبنان لمكافحة الوباء، كما تلقت الحكومة مبادرة من جمعية مصارف لبنان، وهي عبارة عن تأمين أجهزة طبية واستشفائية لمعالجة المصابين بالوباء بقيمة تناهز ستة ملايين دولار أميركي.
السفارات على خط المساعدة
ولم تتحرك السفارات فعلياً لمساعدة لبنان، فالوباء الذي أنهك الاقتصادات من أوروبا، وصولاً إلى أميركا، جعل الالتفات إلى مساعدة لبنان أمراً صعباً، وعلى الرغم من التواصل مع السفارات لم يتسلم لبنان إلّا القليل:
- المملكة المتحدة أعلنت هبة قدرها 400 ألف دولار على شكل معدات من خلال منظمة الصحة العالمية في لبنان.
- السفارة الفرنسية قدمت للدولة اللبنانية 32 حزمة من القفازات والثياب الواقية التي يحتاجها الطاقم الطبي الذي يعمل على معالجة مرضى "كورونا".
أما السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، فأعلنت أنها أرسلت إلى وزارتي الخارجية والدفاع في واشنطن طلباً لتقديم مساعدات وهي بانتظار الرد لترى ما يمكن للسفارة الأميركية تقديمه من دعم.