فتح الرئيس الأميركي دونالد ترمب جبهةً جديدة ضمن الحرب التجارية التي يخوضها في وجه دول عدة، سعياً إلى تحقيق وعده بخفض عجز بلاده التجاري، إذ أعلن في خطاب ألقاه أمام قادة الكونغرس الإثنين، أنه سينهي المعاملة التجارية التفضيلية للهند وتركيا، وذلك بعد الانفراج النسبي الذي تحقق في العلاقة الاقتصادية مع الصين.
وتستفيد نيودلهي وأنقرة، إلى جانب 120 دولة أخرى، من نظام التفضيلات المعمّم في الولايات المتحدة، وهو أقدم وأضخم برنامج أميركي للمعاملة التجارية التفضيلية، ويستهدف النهوض بالتنمية الاقتصادية في البلدان النامية المستفيدة، من طريق إلغاء الرسوم الجمركية لآلاف الصادرات من هذه الدول.
الهند ترضخ بعيداً من المحاربة
وأعلنت الهند، التي سمح "نظام التفضيلات" الأميركي لها بإدخال صادرات بقيمة 5.6 مليار دولار تقريباً معفاة من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة، قبولها القرار الأميركي من دون الخوض في مزيد من المفاوضات مع واشنطن.
ورأت المتحدثة باسم وزارة التجارة الهندية مونيديبا موخرجي أن "هذا القرار يعكس فشل الطرفين في الوصول إلى اتفاق حول مسائل تجارية مختلفة، لكنّه لن يدفع الهند إلى محاربته". وقلّلت موخرجي من تأثير هذا القرار الذي يوفّر على الهند نحو 190 مليون دولار فقط سنويّاً، وقالت إن "البرنامج يستهدف الدول الأقل تطوراً، والهند خرجت من هذه المرحلة"، فهي واحدة من الاقتصادات الناشئة الأسرع نمواً.
وعن إمكان فرض رسوم انتقامية على الواردات الأميركية، قالت موخرجي إنّ الأمر غير مطروح. وأشارت إلى أن المعارضة قد تستغل هذه القضية لإحراج رئيس الوزراء ناريندرا مودي قبل الانتخابات العامة هذا العام.
وفي السياق ذاته، قال الرئيس الأميركي في خطابه أمام قادة الكونغرس، إنه بعد تواصل مكثّف بين بلاده وحكومة الهند، توصّل إلى أن "نيودلهي لا تضمن للولايات المتحدة وصولاً عادلاً ومعقولاً إلى الأسواق الهندية". وكان ترمب انتقد مراراً الرسوم الجمركية المرتفعة في الهند.
وأرجأت الهند الأسبوع الماضي، رفع الرسوم على بعض الواردات الأميركية إلى 1 أبريل (نيسان) المقبل، التي سبق أن أعلنت عنها رداً على رفض إدارة ترمب إعفاءها من الرسوم الجديدة على الصلب والألومنيوم.
ويشكّل إنهاء استفادة الهند من برنامج "نظام التفضيلات"، أقوى إجراء عقابي بحقّ نيودلهي منذ تولّي ترمب منصبه في العام 2017، بخاصة أنها أكبر المستفيدين في العالم من هذا البرنامج المطبّق منذ سبعينيات القرن الماضي.
وتعود جذور توتّر العلاقات التجارية الأميركية – الهندية، إلى سعي الهند إلى إجبار شركات بطاقات الدفع العالمية، مثل "ماستركارد" و"فيزا"، على نقل بياناتها إلى الهند وزيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الإلكترونية والهواتف الذكية. وتطاول قواعد نيودلهي التجارة الإلكترونية، وتقيّد عمل عملاقَي التجارة عبر الإنترنت، "أمازون" و"فليبكارت" المدعومة من "وول مارت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تركيا تنتقد ولكن
أما في ما يخصّ العلاقات التركية-الأميركية المتقلّبة أخيراً، أوضح مكتب الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتايزر في بيان الاثنين، أن تركيا لم تعد مستحقّة للمشاركة في برنامج "نظام التفضيلات المعمّم" لأنّها "متقدمة اقتصادياً بما يكفي".
وكان مكتب الممثل التجاري الأميركي أعلن في أغسطس (آب) الماضي، أنه ينظر في مدى استحقاق تركيا للمشاركة في البرنامج، وذلك عقب فرض أنقرة "رسوماً انتقامية" على سلع أميركية رداً على فرض واشنطن رسوماً على الصلب والألومنيوم.
وجاء الردّ التركي على القرار الأميركي على لسان وزير التجارة التركي روهصار بيكجان، الذي انتقد القرار الثلثاء في تغريدة على "تويتر"، معتبراً أنه سيضرّ بالشركات والمصانع الأميركية الصغيرة والمتوسطة الحجم، عبر زيادة كلفة إنتاجها.
إلا أن بيكجان أكّد في الوقت ذاته أنّ تركيا تعتزم المضي قدماً في جهودها الرامية إلى زيادة حجم التجارة مع الولايات المتحدة إلى 75 مليار دولار أميركي، "من دون أن تفقد أي قوة دفع" في هذا الإطار.
الأرقام تتكلم
واستوردت الولايات المتحدة بضائع بقيمة 1.74 مليار دولار من تركيا، ضمن إطار "نظام التفضيلات المعمّم" في العام 2018، أي ما نسبته 17.7 في المئة من إجمالي الواردات الأميركية من أنقرة. ويضع ذلك تركيا في المرتبة الخامسة ضمن ترتيب أكبر مورّدي الولايات المتحدة من بين البلدان النامية. وتتصدّر السيارات وقطعُها، والحلي والمعادن النفيسة والقطع الحجرية فئات الواردات التركية المستفيدة من الإعفاء الجمركي.
واستوردت تركيا من جهتها، بضائع أميركية بقيمة 20.9 مليار دولار تقريباً ضمن إطار البرنامج، خلال أوّل 11 شهراً من العام 2018.
يُشار إلى أن إلغاء الامتيازات سيستغرق 60 يوماً على الأقلّ بعد إخطار الرئيس الأميركي الكونغرس بالقرار (الأمر الذي حصل الاثنين)، وإخطار حكومتَي الهند وتركيا به أيضاً، وسيدخل حيّز التنفيذ بموجب إعلان رئاسي.