ثلاثة أشهر ونيف منذ ظهور فيروس كورونا، كانت كافية لإغراق العالم بأسره في وضع كارثي، فقد حل الذعر في كل مكان وحالات القلق والخوف تحصر الجميع في الحجر المنزلي، ومع ارتفاع أعداد الوفيات الناجمة عن الإصابة بهذا الفيروس، انطلق سباق محمود بين دول أوروبا وأميركا وغيرها للتوصل إلى لقاح أو علاج ينقذ البشرية من هذا الوباء، ولعل الكلوروكين من أبرز أسماء الأدوية التي أصبح العلماء والأطباء يعلقون عليها الآمال في هذا الصدد بعد نحاج أن نجح في تحقيق الشفاء لحالات عدة.
ما هو دواء الكلوروكين؟
يعتبر دواء الكلوروكين الذي يباع في الأسواق تحت مسمى "نيفاكين" غير غريب على الأطباء المختصين في مقاومة الأوبئة، وشاع استخدامه حول العالم منذ أكثر من نصف قرن، لا سيما في القارة الأفريقية وفي عدد من دول أميركا اللاتينية لمعالجة الملاريا وبعض الأمراض المعدية الأخرى مثل "لايم"، وهو دواء غير مكلف، كما ينصح كل مسافر إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية بتناوله بغرض تجنب الإصابة بالملاريا.
وتم الاعتماد على الكلوروكين في عام 1949، وهو دواء يقوي جهاز المناعة للإنسان، بحيث يجعله يتصدى لأمراض وأوبئة مثل حمى المستنقعات (الملاريا)، ويقاوم الألم والحمى والالتهابات، وأعراضه الجانبية على المرضى معروفة من قبل الأطباء. ولجأت منظمة الصحة العالمية ومنظمات طبية غير حكومية أخرى، مثل "أطباء بلا حدود" إلى استخدامه لعلاج المصابين بوباء الملاريا في كثير من مناطق العالم، وتعد الصين من أوائل البلدان التي اختبرت الكلوروكين لمعالجة المصابين بفيروس كورونا في بداية فبراير (شباط) الماضي.
وحسب غزو نانبينغ، نائب وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني، أسفرت عملية اختبار مادة الكلوروكين على 135 مصاباً بفيروس "كوفيد-19" عن نتائج جيدة جداً، مظهرة أن الحالة المرضية للمصابين لم تتدهور أكثر بعد تناول هذا العقار.
صرف الدواء بوصفة طبية
وسمحت الولايات المتحدة باستخدام علاج الملاريا "هيدروكسي كلوروكوين" كعلاج للمصابين بفيروس كورونا، بحسب ما أعلن الرئيس دونالد ترمب، ولم تكن أميركا أول دولة تستخدم الدواء بل سبقتها فرنسا وأعلنت نجاحه مع عدد محدود من المرضى، وكذلك تعمل الصين على دراسة هذا الدواء مع أدوية آخرى.
في حين علمت "اندبندنت عربية" أن وزارة الصحة السعودية قننت صرف أدوية الملاريا في الصيدليات والمجمعات الخاصة بوصفات طبية، وأشارت في تعميم لوكيل الوزارة للصحة العامة رئيس مركز القيادة والتحكم، إلى أنه "بشأن توحيد الجهود لتقديم أفضل الخدمات العلاجية للمرضى ورفع جودتها، وبما يضمن توافر الأدوية اللازمة بالمنشآت الصحية في جميع أنحاء البلاد وسلامة المرضى والمجتمع في ظل الظروف العالمية الحالية المتعلقة بفيروس كورونا، فإن الوزارة تؤكد ضرورة الالتزام بصرف ووصف الأدوية الخاصة بعلاج الملاريا وأمراض أخرى بحسب الاستعمالات الطبية المعتمدة من الهيئة العامة للغذاء والدواء، وبحسب التعاميم والأدلة التي تصدرها الوكالة العلاجية، مثل دليل علاج "كوفيد-19"، علما بأنه ستكون هناك متابعة دقيقة ومستمرة لوصف وصرف هذه الأدوية في القطاع الخاص للتأكد من التزام الممارسين الصحيين من الأطباء والصيادلة، ومنها Hydroxychloroquine و Chloroqine و"Lopinavir-Ritonavir.
العلاج بالبلازما
في السياق ذاته، قال نزار باهبري، استشاري الطب الباطني والأمراض المعدية، إن هناك علاجات عدة تخضع لدراسات وجميعها في مراحلها الأولى، لكن يظل الدواء المستخدم للملاريا "هيدروكسي كلوروكوين" يحقق أفضل النتائج إلى الآن مقارنة بكل الأدوية الاخرى، مشيراً إلى أن اللجنة الوطنية الصينية استخدمته كعلاج أولي لكورونا.
وحذَّر من أخذ العلاج للوقاية من قبل المرض في حالة الشعور بأعراض طفيفة من دون وصفة طبية، فقد يؤدي ذلك إلى مشكلات أكبر، مشيراً إلى أن البلازما من العلاجات التي أدت إلى نتائج جيدة جداً بحيث تُؤخذ من دماء الحالات المتعافية وتُعطى لأشد الحالات تضرراً من كورونا، حيث يعطي دم المتعافي مضاداً لمكافحة المرض لدى الحالات المصابة.
6 أشهر على الأقل
على النقيض، قال النشمي العنزي، استشاري أمراض الجهاز التنفسي، إن "علاج هيدروكسي كلوروكوين غير مبني على البراهين الموثقة والقطعية، بينما استند فقط على دراسة فرنسية، وحتى يثبت نجاحه يجب أن يُجرّب لمدة 6 أشهر على الأقل لمعرفة أدائه على المريض" .
وذكر أنه حضر اجتماعات في السعودية بخصوص دواء الملاريا، وقرر في مستشفاه عدم صرف الدواء إلا في حال موافقة استشاريين اثنين، خصوصاً في الحالات المتأخرة لما يسببه من تسارع في ضربات القلب قد يؤدي إلى نتائج عكسية .
وأضاف "دواء (هيدروكسي كلوروكوين) غير موجود في دليل أغلب المستشفيات وصرفه يتم في حالات نادرة، لأن الدراسة المتعلقة به لا تزال جديدة، ومن ثم قد يؤدي تعاطيه إلى حدوث مضاعفات جانبية، فالسعودية حريصة على تسجيله فقط في حال كانت هناك دراسة موثقة تثبت فعاليته أو مصرح به من وزارة الصحة الأميركية أو الكندية" .
وأوضح أن "عملية بلازما الدم يقوم بها فقط المتطوعون من المتعافين من مرض كورونا، بحيث يتم حقن دمائهم في أجسام المصابين بالفيروس، ولا تزال مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية تدرس هذا الأمر، كما تدرس أخذ سائل من الرئة من المريض لفحص مرض كورونا لإثبات دقته في دقائق قليلة، بدلاً عن عينة الأنف والحنجرة، والتي يثبت أحياناً عدم صحتها في اكتشاف الإصابة إلا بعد الحجر الصحي لمدة 14 يوماً" .
وفي فرنسا، اشتد الجدل حول مدى نجاعة الكلوروكين لعلاج فيروس "كوفيد 19"، وانقسمت المواقف بين مساندين لهذا الدواء، الذي يستخدم في علاج وباء الملاريا منذ أكثر من 50 سنة، ويُباع بثمن معقول، ومَنْ يرى أن فعاليته الطبية لم تثبت لغاية الآن رغم الاختبارات التي قام بها الطبيب ديدييه راوول في معهد المستشفى الجامعي للأمراض المعدية في مرسيليا لمعالجة المصابين بالفيروس، وانتقد المجلس الأعلى للصحة الفرنسي هذا الخيار بحجة أن فاعلية الكلوروكين لم تثبت حتى الآن، وأن قلة من المرضى أجري عليهم الاختبار. وفي محاولة منه لتخفيف الجدل، دعا وزير الصحة الفرنسي، أوليفييه فيران، إلى "عدم استخدام الكلوروكين إلا في "الحالات الطارئة والأكثر خطورة فقط".
دواء غير مكلف
ويعتبر ديدييه راوول، المتخصص في الأمراض المعدية، من بين أبرز المدافعين عن استخدام عقار الكلوروكين لعلاج المصابين بفيروس كورونا. وقال المعهد الذي يعمل فيه بمرسيليا في بيان صحافي نشر في 22 فبراير (شباط) الماضي إنه "في إطار الانتشار العام لفيروس (كوفيد 19) في فرنسا والعالم ووفقا لقسم (أبقراط) ولواجباتنا كأطباء، قررنا الشروع في اختبارات طبية واسعة النطاق لتشخيص المصابين بكورونا وتقديم دواء الكلوروكين لهم". وأضاف "نحن نعلم جيداً أن الكلوروكين كان فعالاً في المختبر ضد هذا الفيروس، وهذا ما أكدته التجارب التي أجريت في الصين"، منوها بأن "هذا الدواء لا يكلف شيئا."
ضد الكلوروكين
من جانبها، حذّرت منظمة الصحة العالمية في 23 مارس (آذار) الماضي، من الأخطار التي يمكن أن تترتب على استخدام الكلوروكين لمعاجلة فيروس كورونا طالما أن المتخصصين في مجال الصحة لم يثبتوا فعاليته العلاجية، كما عبَّرت عن خشيتها أن يثير "آمالا" واسعة و"زائفة".
وعلى الرغم من قولها بأن "التجارب التي يخوصها ديدييه راوول تبعث على الأمل"، فإن الناطقة الرسمية باسم الحكومة الفرنسية، سيبيت ندياي، أعلنت أن "فرقاً طبية جديدة ومستقلة تماماً عن فريق راوول الطبي ستشرع في القيام بتحاليل على نطاق واسع لمعرفة مدى جدوى الكلوروكين في معالجة (كوفيد-19)"، كما دعت إلى توخي الحذر لأنه "لا يوجد أي دليل على أن هذا الدواء يشفي المصابين".
ومن جهته، أوصى أيضاً المجلس الأعلى الفرنسي للصحة، الذي يعود إليه الرئيس إيمانويل ماكرون في مثل هذه المواقف، بعدم اللجوء إلى الكلوروكين إلا في "حالات قصوى وبعد صدور إذن جماعي من قبل المجلس".
فيما أفاد عدد من الأطباء المتخصصين أنه من الصعب الوصول إلى خلاصة بشأن أن الكلوروكين دواء ناجع، لأن البحوث الطبية التي أجرها معهد المستشفى الجامعي للأمراض المعدية في مرسيليا لم تشمل سوى 20 شخصاً، فضلاً عن افتقادها للمنهجية الضرورية في مثل هذه الحالات.
وهذا ما قاله تقريباً المسؤول الثاني في وزارة الصحة الفرنسية، جيروم سالمون، إذ أكد أن العديد من "الخبراء يحذرون ويدعون إلى المزيد من الدراسات لمعرفة الآثار التي يمكن أن تترتب بعد تناول هذا الدواء".
هل الكلوروكين دواء واعد؟
دول كثيرة عبر العالم بدأت تنظر إلى الكلوروكين على أنه قادر على شفاء المصابين بفيروس كورونا، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، حيث أشاد الرئيس دونالد ترمب بالباحث الفرنسي ديدييه راوول و"بالأخبار المثيرة للغاية"، وقال في مؤتمر صحافي "ليس لدينا ما نخسره. أعتقد أنه يمكن أن يكون مغيراً للعبة أو ربما لا"، مشيراً إلى أن هذا الدواء سيكون متاحاً "على الفور تقريباً".
وإلى ذلك، أعلن قائد طائرة يعيش في دولة الإمارات العربية، يُدعى فانسون، في حديث لصحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، أنه "استطاع الشفاء من "كوفيد-19" بواسطة الكلوروكين، وقال "في البداية كنت متردداً في تناول دواء الكلوروكين خصوصاً أنني كنت أتابع النقاش الذي كان يدور حول هذا الدواء في فرنسا، لكن بعد أن فكرت قليلاً قبلت أن أعالج به وبخاصة أننا نعرف هذا الدواء الذي يباع منذ زمن طويل وندرك أعراضه الجانبية".
كما قررت دول أخرى مثل الصين وإيطاليا وتونس والجزائر والمغرب ودول خليجية استخدام دواء الكلوروكين لأنه ببساطة لا يوجد لغاية الآن علاج أفضل منه، فهل سيضع هذا الدواء حداً أمام تفشي "كوفيد-19"؟ الجواب ربما سيأتي في الأيام القليلة المقبلة.