يسود صمت لافت في أثينا. وعلى تقاطعات الطرق حيث تتجاوز السيارات الإشارة الحمراء بانتظام، أصبح من الممكن الآن اجتياز الطريق بلا خوف من التعرّض للدهس. وباتت الشوارع الضيّقة المحيطة بمعبد "بارثينون" التاريخي مساحةً للعدائين ومن ينزّهون كلابهم، بعد طول اكتظاظها بالسياح.
فرضت اليونان حالة الإغلاق التام في 23 مارس (آذار) وسبقت بذلك عدداً من جيرانها الأوروبيين، بعد أن أغلقت المطاعم والحانات قبل ذلك بأسبوع. ونتيجة لتلك الخطوة، لم يشهد البلد المستويات نفسها من الإصابات بفيروس كورونا التي سجلتها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا. إذ وصلت حصيلة الوفيات في اليونان إلى 81 مقابل مجموع إصابات يزيد قليلاً على 1800 حالة. وبالمقارنة، وقعت في إيطاليا 17127 وفاة مقابل 135586 إصابة.
كذلك طبّقت المتاجر الكبرى إجراءات لضبط الجموع. وفرضت على الجميع الحصول على بطاقة مرقَّمة فور دخولهم المكان حرصاً على وجود شخص واحد في كلّ 15 متراً مربّعاً. وفرضت على كل من يغادروا منازلهم أن يحملوا معهم نموذجاً يشرح سبب خروجهم بالتفصيل، إضافة إلى أوراقهم الثبوتية. وتراقب دوريات الشرطة المنتظمة تحرّكات المواطنين وتفرض غرامات بقيمة 150 يورو (130 جنيهاً إسترلينياً) على كل من ينتهكون التعليمات.
ويبدو أن هشاشة القطاع الصحي في البلاد كانت المحرّك وراء فرض هذه الإجراءات الوقائية.
إذ ذكرت ستيلا لادي التي تشغل وظيفة مساعدة أستاذ في "جامعة كوين ماري" بلندن و"جامعة بانثيون" في أثينا، أن "النقطة الأساسية تمثّلت في أن رد الفعل جاء سريعاً جداً بسبب خوف الحكومة من عجز القطاع الصحي عن التكيّف مع الوضع نظراً للأزمة السابقة والاقتطاعات المالية وكلّ ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى المستشفيات". وأوضحت في حديثها مع "اندبندنت" أن "إيطاليا شكّلت مثالاً مهماً كذلك... فغالباً ما يُعتبر هذا البلد مرآة لليونان وليس بلداً مجاوراً لها فحسب. ودفعت الصور التي أظهرت حقيقة الوضع في إيطاليا بالحكومة وبالمواطنين إلى أخذ هذا الموضوع بجدية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عند بداية شهر مارس، بلغ عدد أسرة وحدات العناية المركّزة في البلاد 565 سريراً لـ11 مليون نسمة تقريباً. وأدت الحاجة الملحّة لزيادة القدرة الاستيعابية إلى مصادرة مساحات داخل المستشفيات الخاصة، إضافة إلى تخصيص مزيد من الأسرّة في وحدات العناية المركّزة التابعة للمستشفيات الحكومية. وضاعفت هذه الخطوة القدرة الاستيعابية لوحدات العناية المركّزة في البلاد، فوصلت إلى 910 أسرّة، مع الإبقاء على إمكانية حجز مزيد من الأسرّة والمعدّات الطبية إذا استدعت الحاجة.
وعلى نحوٍ مماثل، أشار غيكاس ماغيوركينيس، مساعد الأستاذ المتخصّص في الصحة العامة وعلم الأوبئة في "جامعة أثينا الوطنية" و"جامعة كابوديستريان" في أثينا، إلى أن "اليونان اتّخذت قرار إغلاق المصادر الأساسية التي قد تنقل العدوى بشكل فائق كالمدارس والمؤتمرات وغيرها من التجمّعات الكبرى في وقت مبكر جداً من مسار الوباء". أضاف أنه نتيجةً لذلك، استطاع البلد أن يرفع فاعليته في احتواء انتشار العدوى.
وفي المقابل، ظهرت بعض المشكلات في بداية ذلك الأمر. إذ حلّت عطلة أسبوعٍ مشمسة رائعة بعد إغلاق الحانات والمقاهي يوم 13 مارس. ونُشرت صورٌ للشواطئ المزدحمة والرصيف البحري الذي يعجّ بالمارة في مدينة "تسالونيكيه" بشمال اليونان. ولقد شوهدت تلك الصور في المملكة المتحدة. ورداً على ذلك، أصدر رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس أمراً بإغلاق الشواطئ ومنتجعات التزلّج أيضاً. وورد في بيان صادرٍ عنه "إن الوضع خطير ويتطلّب تحلّي الجميع بالمسؤولية".
وبات السفر بالعبّارة إلى كل الجزر الواقعة في بحر إيجة يقتصر على السكان [في تلك المنطقة نفسها] بصورة حصرية، في محاولةٍ لحماية الأنظمة الصحية والسكان المسنين الذين يقطنون عدداً من تلك الجزر.
واعتبر نيكوس هاردالياس من وزارة الحماية المدنية أن "عيد الفصح هذه السنة سيكون مختلفاً. لن نقصد قُرانا ولن نشوي الخرفان ولن نذهب إلى الكنيسة". حصل بعض التوتر بدايةً مع الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية التي رفضت أن توقف القربان المقدّس وأصدرت بياناً ذكرت فيه أن الفيروس لا ينتقل بهذه الطريقة. لكنها توقفت مذّاك عن إقامة القداديس مع أن الكنيسة تستمر بفتح أبوابها لمن يرغب بالصلاة وحده.
وفي حديث إلى "اندبندنت"، أوردت نورما سيموس، من سكّان بلدة "بيراما" في شمال اليونان أن السكان في منطقة سكنها يلازمون منازلهم بشكل كبير.
"إن الشوارع مقفرة. علّق أحدهم على ذلك بالإشارة إلى إن الإنضباط الذي أظهره اليونانيون مفاجئ، لكن ذلك غير صحيح فعلياً. فعندما تلقي التحية باليونانية تقول "صحة" وعند الوداع تقول "صحة" كذلك، والدعاء العام في المحادثات يتعلق بالصحة".
وأضافت، "كما أظن أن اليونان أثبتت قدرتها على الصمود خلال السنوات القليلة الماضية. لقد ورثت تلك المهارة عن الأجيال السابقة التي نجت من الحرب والقمع والمجاعة، على الرغم من كل الصعاب".
وأوضحت أن الجميع يجد طريقة لتدبّر أموره. "حتى أن الصيدلي المحلي وضع نافذة صغيرة ظريفة في بابه الزجاجي لتفادي الاحتكاك بالآخرين"، وفق كلماتها.
في مقلب مغاير، وعلى الرغم من نجاح اليونان في احتواء تفشّي العدوى، إلا أن المخاوف ما زالت مستمرة بشأن تجمعات اللاجئين الموجودين داخل البلاد. إذ تأكد وجود إصابات بـ"كوفيد-19" داخل مخيَّمَين للاجئين على البر الرئيسي لليونان، وفُرضت عليهما إجراءات الحجر الصحي لمدة أسبوعين.
ويضم "مخيم موريا" للاجئين على جزيرة ليسبوس نحو 20 ألف شخصٍ يعيشون ضمن مساحة مُخَصّصة لأقل من 3 آلاف شخص. ويشتهر ذلك المخيم بسوء الأحوال فيه. ولطالما دعت المنظمة الخيرية الطبية "أطباء بلا حدود" إلى تخفيف هذا الازدحام بشكل عاجل. وقد نفّذ مهاجرون مُحتَجَزون داخل مركز مخصص لمرحلة ما قبل الترحيل في "موريا"، إضراباً عن الطعام منذ 5 أبريل (نيسان) على خلفية خشيتهم مما سيحدث لهم إذا تفشّت العدوى داخل المخيّم الذي يشتهر بوجود ظروف معيشة سيئة فيه وبمحدودية سبل الحصول على المياه الجارية.
لكن في الوقت الراهن، قد تشير النسبة المتدنية للوفيات في اليونان إلى مستقبلٍ إيجابي أكثر من معظم جيرانها القريبين كإيطاليا. في المقابل، يلقي انتشار الشرطة بكثافة في شوارع العاصمة الضوء على استمرار القلق بشأن نظام صحي هشّ قد ينهار بسرعة تحت الضغط.
وفي عطلة نهاية الأسبوع المقبلة، سيمثّل عيد الفصح اختباراً تاريخياً لليونانيين الذين يلتفّون عادةً حول العائلة وينظمون تجمعات كبيرة خلال هذه الفترة من العام، كي يلتزموا بـ"مينومي سبيتي" (= "ملازمة المنزل") ويواصلوا تسطيح منحنى الإصابات بكورونا.
© The Independent