جسد المصاب بفيروس كورونا هو "الموقع" الذي يحتلّه الوباء، أما الجيش الذي سيحرّر هذا الموقع، فهم الأطباء والفريق التمريضي، هذا لو تكلمنا بلغة عسكرية. وجنود هذا الجيش هم الأكثر عرضة لأن ينتقل إليهم الفيروس بسبب تماسهم المباشر مع المريض لوقت طويل. وقد أثبتت إحصاءات الأعداد الكبيرة حول العالم من الأطباء والممرضين الذين انتقلت العدوى إليهم ثم شفيوا أو توفّوا، مدى الخطر الذي يداهمهم في عملهم، ومدى الجهد الذي يبذلونه في قيامهم بالمهمات الموكلة إليهم.
وقاية وعلاج
إذا نظرنا إلى الحالة بواسطة عدسة مكبّرة، نجد آلاف التصريحات التي تصدر يومياً حول تفشّي وباء كورونا، سواء من السياسيين أو المحللين أو الاقتصاديين والأطباء المتخصصين ووسائل الإعلام على اختلاف أنواعها في العالمين الواقعي والافتراضي، ومن منظمة الصحة العالمية والوزارات المعنية في الحكومات في كل دولة من دول العالم. وهناك مؤتمرات واجتماعات تُعقد بشكل دوري وتصدر عنها بيانات قصيرة ومطوّلة. أما أحاديث مليارات البشر اليومية، فكلها تدور في فلك هذا الفيروس التاجي، سواء في أماكن سكنهم وتواصلهم مع القريبين منهم، أو عبر وسائل التواصل المختلفة. كمّ هائل من المعلومات والآراء والمداولات تخرج يومياً إلى العلن حول الجائحة التي تتنقل بين البشر بالعدوى واللمس وعدم تطبيق تعليمات الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي. إلّا أنّ الحقيقة الثابتة وسط كل هذا الصخب، هم الأطباء والطاقم التمريضي وكل مَن هو على تماس مباشر مع المرضى. فهؤلاء لا يملكون ترف الوقت لمتابعة المعلومات المتدفقة في كل لحظة حول الوباء، وهم لا يُجبرون على البقاء في المنزل أو الحفاظ على التباعد الاجتماعي، بل هم ملزمون بعكس ذلك، أي الوجود الدائم في أماكن "العمل" وهي بؤرة الفيروس الأشدّ. وكذلك ملامسة المصابين كلّما احتاجوا إلى ذلك. ومع ذلك، تراهم لا يهابون العدوى. بالتالي، لا يخشون عذاب المرض لو أصابهم، ولا الموت لو كان هو النتيجة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الإحصاء وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإنّ نسبة 15 في المئة من المصابين بكورونا، هم من الفرق الطبية التي تعمل على علاج المصابين بالفيروس المستجد. وكانت المنظمة قد رفعت شعار "دعم طواقم التمريض والقبالة خلال احتفالها بيوم الصحة العالمي، وذلك لأن الأطباء هم الأكثر عرضة للإصابة خلال مكافحتهم المرض".
الممرضون أبطال في عالم كورونا
في كل دول العالم، تلقّى الممرضون والممرضات الدعم الكامل من قبل المواطنين. وفي عدد من الدول، خُصّصت ليال عدّة وقف فيها هؤلاء على شرفاتهم في ساعة محدّدة، وأطلقوا "تحية تصفيق" طويلة لهؤلاء المنهكين في غرف العناية في المستشفيات. ففي لبنان مثلاً، توجهت قوى من الأمن الداخلي والدفاع المدني إلى أبواب المستشفيات، وألقت التحية العسكرية على الممرضين. وفي إسبانيا وإيطاليا، أقامت فرق موسيقية مشهورة حفلات من على السطوح المقابلة للمستشفيات لتوجيه التحية لهم وللترفيه عن المرضى. وصوّر عدد من أشهر المغنين العالميين، منهم إلتون جون وبول ماكارتني وغيرهم، فيديو عبر الكاميرات المشتركة لتقديم أغنية خاصة لترسانة الدفاع الأول التي تعتني بمرضى الوباء الخبيث.
وكذلك فعل لاعبو كرة قدم عالميون، وتوجه أمين عام الأمم المتحدة برسالة خاصة لهم، وكذلك قمة العشرين المنعقدة في السعودية. رؤساء دول عدّة، منهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب والفرنسي إيمانويل ماكرون والروسي فلاديمير بوتين حرصوا أيضاً على تقديم الدعم المعنوي، وبالطبع الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي حدّد يوماً وطنياً للحداد على الذين توفّوا منهم أثناء قيامهم بمهامهم بسبب انتقال العدوى إليهم، بل ومنحهم أوسمة أبطال الأمة الصينية. لكن الشخصية السياسية الأكثر تنبّهاً لدور هذا الجيش الخفي، كان بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، الذي أُصيب بالفيروس وقضى أسبوعين في العناية الفائقة، بعدما كاد المرض أن يودي بحياته، لولا مساعدة الأطباء وفريق العمل الذي أحاط به، وعلى رأس هؤلاء، ممرضان سمّاهما بالاسم بسبب بقائهما إلى جانبه لمدة 48 ساعة متواصلة، ما جعلهما مشهورين في بلديهما، وهما جيني ماكجي من نيوزيلندا ولويس بيتارما من البرتغال.
فجونسون الذي كان يتعامل مع تفشّي الفيروس في البداية باستخفاف كبير، انقلب تماماً على مواقفه السابقة، بعدما عاش بنفسه ما يعانيه المرضى الآخرون من جهة، وبعدما عاين بأم عينه أهمية القطاع الصحي والعاملين فيه.
تقرير النقص في الأعداد
لكن وعلى الرغم من كل هذا الاهتمام والجهد اللّذين يبذلهما الممرضون المداومون، وطلب حكومات عدّة معونة الأطباء والممرضين المتقاعدين، ولجوء بعض الدول إلى استدعاء ممرضي الجيوش، إلّا أنّ منظمة الصحة العالمية أعلنت أن هناك فجوة عالمية يتعين سدّها بواقع 5.9 مليون ممرض وممرضة حول العالم، أظهرتها جائحة كورونا.
وذكرت المنظمة في تقرير أعدّته مع المجلس الدولي للممرضات وحملة "التمريض الآن"، أن عدد الممرضين والممرضات في العالم اليوم هو أقل من 28 مليون وأن الفجوة العالمية الواجب سدّها تتركز في بلدان أفريقيا وجنوب شرقي آسيا وإقليم المنظمة لشرق المتوسط، خصوصاً أن كوادر التمريض كانت ولا تزال على مرّ التاريخ وحتى اليوم، في الخطوط الأمامية لمكافحة الأوبئة والجائحات التي تهدّد صحة البشر في أنحاء المعمورة. ولفت التقرير إلى أن "أكثر من 80 في المئة من الممرضين في العالم، يعملون في بلدان تؤوي نصف سكان العالم فقط، وأن واحداً من كل ثمانية ممرضين أو ممرضات يعملون خارج البلد الذي وّلدوا فيه أو تلقّوا فيه تدريبهم". وجاءت في التقرير معلومة مهمة أيضاً وهي أن "شيخوخة القوى العاملة في مجال التمريض تُعتبر عامل تهديد، إذ يُتوقع أن يتقاعد واحد من كل ستة ممرضين أو ممرضات حول العالم في غضون السنوات العشر المقبلة. ولتفادي العجز العالمي في كادر التمريض، تشير تقديرات التقرير إلى أن البلدان التي تواجه نقصاً في تلك كوادر، عليها أن تزيد مجموع عدد خريجي التمريض لديها بمعدل ثمانية في المئة سنوياً".