كوفئ أصحاب نظريات المؤامرة بهدية مفاجئة عندما ظهر عالم ميكروبيولوجي روسي ليشتكي من "الأشياء المجنونة" المزعوم حصولها باستخدام فيروس كورونا الذي يسبّب كوفيد-19 في مختبر صيني. فباتوا بعد ذلك يردّدون: هل رأيتم! لقد قلنا لكم ذلك!
يأتي هذا على الرغم من التحاق "منظمة الصحة العالمية" بجوقة من الخبراء الآخرين الذين نفوا وجود أي دليل على أن المختبر الصيني هو مصدر هذا البلاء.
وهناك سبب وجيه لذلك. ففي الواقع، لطالما انتقلت مسببات الأمراض من الحيوانات إلى البشر منذ سار الإنسان على هذا الكوكب. لقد كانت تنتقل هكذا قبل أن يعرف أي شخص ما هي مسببات الأمراض الميكروبية، ناهيك عن الحمض النووي، والحمض النووي الريبي وأغطية البروتين الدهنية.
كانت مسببات الأمراض تنتقل إلى الإنسان حتى قبل أن نكتشف أن غسل الأيدي قد يكون فكرة جيدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن من يهتم بالحقائق؟ ونظراً للطبيعة المنحرفة لنظريات المؤامرة وأصحابها، فقد أسهم بيان "منظمة الصحة العالمية" في تأجيج لهيب النيران السامة بقدر ما أسهم به البروفيسور بيتر تشوماكوف عندما أطلق ادعاءات حول التجارب المخبرية الصينية.
ويعود هذا بالطبع إلى أن "منظمة الصحة العالمية" إما أ) تغض الطرف عن السبب الحقيقي لانتشار المرض كما تفعل دائماً، أو ب) تسعى وراء المال بشكل واضح، أو ج) أنها منخرطة في مؤامرة شريرة لتدمير الولايات المتحدة واستبدالها بحكومة عالمية شيطانية تبشر بنهاية العالم. لذلك كان ترمب على حق عندما أبقى على متاجر الأسلحة مفتوحة. فيا أيها الناس، لقد حان الوقت لتشتروا تلك البنادق العسكرية الهجومية الجديدة التي كنتم تريدون اقتناءها.
رجاءً لاحظوا أنه كما يوجد الكثير من الأميركيين والبريطانيين وبعض الأوروبيين والآن عالم روسي، الذين يروّجون لنظرية العنصرية عن خطر الجنس الأصفر، هناك الكثير من الصينيين الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة ألقت الفيروس على ووهان. فكما ترون، جرت صناعة الفيروس في الواقع في مختبر أميركي. وهناك الكثير من الأشخاص الآخرين الذين لا يحبون الولايات المتحدة والغرب ويقفون ضدهم. لكن "منظمة الصحة العالمية" تتجاهل ذلك... وأنتم تعرفون الأسباب.
ولن أستغرب أبداً وجود فريق في المقر الرئيسي لحزب المحافظين البريطاني يعمل على إنتاج نسختهم الخاصة من هذا التصور المُتخيل، لكن ربما سيحمّلون الاتحاد الأوروبي مسؤولية إسقاط الفيروس على البريطانيين الشجعان كجزء من مؤامرة خبيثة للتخلص من بريطانيا القوية، ذلك لأن بريكست أكثر أهمية من التنفس. وهذا هو سبب عدم انضمامنا إلى الخطة الأوروبية لشراء أجهزة التنفس الاصطناعية. فقد كانت بروكسل ستدس الفيروس في تلك المعدات الطبية قبل وصولها إلى هذه الشواطئ.
هل هناك من هو مستعد للمراهنة على احتمال وصول تلك الفكرة إلى كاتب مقالات يميني قريباً؟ إذا كان هناك أحد، فقد أستطيع المراهنة معه قليلاً.
أدرك أن الناس خائفون، والخوف يجعلهم يضعون العقلانية في الخزانة بجانب علب الفاصوليا التي تم شراؤها خلال مرحلة التسوق على نحو مذعور.
هناك مشكلة في إلقاء اللوم على الجميع من قبل الجميع، في دوامة متسعة من السخافة تصرف الانتباه عن المسائل التي يجب أن يترّكز عليها.
الحقيقة هي أنه لا يهم من أين أتى الفيروس لأنه قد أصبح بيننا. إنه هنا، يقتل الناس كل يوم ويبذل قصارى جهده لتدمير أجساد عدد لا يحصى من الناس الآخرين، بمن فيهم أنا، منذ أسابيع قليلة. لذلك فإن ما يهمّ حقاً في الوقت الراهن هو ما سنفعله حياله.
ليست الجهود التي يبذلها البريطانيون والأميركيون وبعض الحكومات الأخرى جديرة بالإعجاب حتى الآن. وينطبق الشيء نفسه، إذا كنا صادقين، على الصينيين الذين كان عليهم قرع أجراس الإنذار لـ "منظمة الصحة العالمية" في وقت مبكر.
في العديد من الأماكن حول العالم، يمتزج التهاون بالجبن والإنكار على أمل أن يختفي المرض. وكنتيجة لهذا السلوك، أُصيب بالفيروس مئات الآلاف من الأشخاص الذين كان من الممكن أن يتفادوه. كما توفي عشرات الآلاف من الناس بلا مبرر.
هذا ما يجب أن يُغضبنا، وما ينبغي أن نركّز انتباهنا عليه. وهذا ما يمكن أن يدلنا أيضاً على من تلطخت أيديهم بالدماء... الذين يتسامح معهم أصحاب نظريات المؤامرة، بدلاً من أن يكرسوا طاقاتهم للمطالبة بمحاسبتهم. وفي الواقع، لقد تأخر الوقت على ذلك، سلفاً.
© The Independent