في الوقت الذي تتجه الأنظار إلى صناديق الثروة الخليجية، فإن التوقعات تشير إلى أن هذه الصناديق على موعد مع خسائر جديدة متوقعة في ظل حالة الضبابية التي تسيطر على مستقبل الاقتصاد العالمي في ظل استمرار جائحة فيروس كورونا المستجد.
أمس، قال مسؤول بصندوق النقد الدولي، إن صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط يجب استخدامها لدعم النمو، إذ تعاني اقتصادات المنطقة من جائحة فيروس كورونا وأضرار شديدة ناتجة عن تهاوي أسعار النفط. وتشير توقعات الصندوق إلى أن مُصدّري النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيواجهون تراجعاً في إيرادات تصدير النفط هذا العام بقيمة 226 مليار دولار.
وسيضغط هذا على الأرجح على موازناتهم، ما يزيد العجز في الموازنة ومن المحتمل أن يحد من قدرة الحكومات على دعم النمو الاقتصادي. وبالنسبة إلى مصدري النفط الخليجيين، فهذه معضلة، إذ إن الإنفاق الحكومي محرك رئيس لخطط التحول الاقتصادي التي أطلقت خلال السنوات القليلة الماضية لتنويع اقتصاداتهم بعيداً عن النفط.
مطالب بالبحث عن مجالات جديدة تدعم النمو
في تصريحاته، قال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد، جهاد أزعور، إن مُصدّري النفط في حاجة إلى إيجاد مجالات جديدة للنمو في ظل التباطؤ الحالي الناجم عن الهبوط الحاد في أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا. وأضاف "يمكن لصناديق الثروة السيادية أن تلعب دوراً ويمكن للمؤسسات الإقليمية أن تلعب دوراً".
وهوت أسعار النفط هذا العام، إذ تضرر الطلب بشدة نتيجة إجراءات للعزل العام في أنحاء العالم تهدف إلى احتواء الجائحة. وتشير تقديرات معهد التمويل الدولي إلى أن صناديق الثروة السيادية للحكومات الغنية بالنفط مثل أبو ظبي والكويت والسعودية وقطر من بين الأكبر في العالم، لكنها قد تشهد انخفاضاً في أصولها بمقدار 296 مليار دولار بحلول نهاية العام.
وقال أزعور، إن مصدري النفط بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا من المرجح أن يشهدوا انكماشاً بنحو 4.2 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام، انخفاضاً من توقعات سابقة لنمو 2.1 في المئة، داعياً إلى تسريع الإصلاحات الرامية إلى تنويع الاقتصادات في المنطقة.
وأوضح أن هناك أعداداً من المحظورات التي عاشت معنا لبعض الوقت، منها أن الاقتصادات المصدرة للنفط على سبيل المثال عليها أن تسير في دورات، وهذا شيء بإمكاننا كسره، أو أن الأدوات لا يمكن إعادة توجيهها وأن صناديق الثروة السيادية لا يمكن إعادة توجيهها لمساعدة الاقتصاد على النمو".
وقال صندوق النقد الدولي، إن 12 دولة في المنطقة تشمل البحرين وإيران والمغرب والسعودية والإمارات ومصر وتونس والكويت وليبيا وموريتانيا والسودان والعراق، قدمت دعماً مالياً بقيمة 64 مليار دولار مجتمعة استجابة للجائحة، وهو ما يوازي في المتوسط 2.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقدمت البنوك المركزية في البحرين وقطر والإمارات والمغرب والأردن والسعودية وتونس مجتمعة دعماً من خلال سيولة إضافية بقيمة 47 مليار دولار.
67 مليار دولار خسائر في 4 أشهر فقط
في الوقت نفسه، تشير بيانات مركز "آي.إي" لحوكمة التغيير، إلى أن صناديق الثروة السيادية الأضخم في العالم تكبدت خسائر خلال 4 أشهر فقط بنحو 67 مليار دولار، وذلك منذ بداية العام الحالي بفعل تأثير أزمة فيروس كورونا على حيازات رئيسة لها. وجاء جزء كبير من ذلك، نحو 40 مليار دولار، من حصص في حوزة وحدة لمؤسسة الصين للاستثمار في مؤسسات مالية صينية مثل بنك الصين للإنشاء، والبنك الصناعي والتجاري الصيني، وبنك الصين، والبنك الزراعي الصيني، وفقاً لحسابات أجراها خافيير كابابي، مدير أبحاث الثروات السيادية لدى مركز "آي.إي" لحوكمة التغيير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح التقرير، أن "بعض الحصص الكبيرة اشتريت أثناء الأزمة المالية العالمية وتلك الحصص في بنوك أوروبية مثل باركليز وكريدي سويس كانت تعاني". واشترى جهاز قطر للاستثمار في "كريدي سويس" خلال 2008، ويحوز حالياً حصة تبلغ 5.21 في المئة، في حين يملك الصندوق النرويجي 4.98 في المئة، ويحوز الجهاز القطري نحو 5.87 في المئة في "باركليز". فيما تملك" تماسيك" القابضة السنغافورية 16 في المئة في "ستاندرد تشارترد"، وهو استثمار بدأته في 2006 قبل الأزمة المالية.
كما يمتلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي نحو 4.27 في المئة من شركة "أوبر"، فيما خصّص الصندوق 45 مليار دولار لصندوق "رؤية سوفت بنك" البالغ 100 مليار دولار وهو بدوره مساهم في "أوبر" أيضاً.
وتشير تقديرات سابقة لمعهد التمويل الدولي، إلى أن صناديق الثروة السيادية الخليجية قد تشهد أصولها انخفاضاً بأكثر من 296 مليار دولار بنهاية العام الحالي، في شكل خسائر تأتي معظمها من تراجعات سوق الأسهم، والبقية من تخارجات تقوم بها الحكومات التي تشتد حاجتها إلى السيولة في الوقت الحالي.
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال بعض الصناديق تبحث عن صفقات، فقد كوَّن صندوق الاستثمارات العامة السعودي حصصاً في نحو 4 شركات نفط أوروبية هي "رويال داتش شل" و"توتال" الفرنسية، و "إكوينور" النرويجية، و"إيني" الإيطالية، فضلاً عن 8.2 في المئة في شركة "كارنيفال كورب" للرحلات البحرية.
وأشار تقرير "آي.إي"، إلى أن الاستثمارات التي يبدو أنها تؤتي ثمارها وسط الإغلاقات الشاملة لقطاعات ضخمة من الاقتصاد العالمي هي تلك التي في شركات المخازن واللوجستيات. وأوضح أن "الكثير من المستودعات في أنحاء العالم خصوصاً في أوروبا مملوك لصناديق ثروة سيادية والاتجاه نحو التجارة الإلكترونية يدعم في ظل هذه الأزمة العديد من الشركات الناشئة التي تعمل في توصيل الطعام أو غيره، التي تسيطر عليها صناديق سيادية مثل أوبر وجراب وديدي".
أصول دول الخليج تتراجع إلى تريليوني دولار
وتشير البيانات والأرقام المتاحة، إلى أنه خلال السنوات الأربع السابقة لعام 2018، تراجع صافي الأصول المالية التي تمتلكها دول الخليج الست بنحو نصف تريليون دولار، وصولاً إلى نحو 2 تريليون دولار، وذلك وفقاً لدراسة أجراها صندوق النقد الدولي الشهر الماضي. وذكر الصندوق أنه حتى إذا لم يصل الطلب على النفط لذروته حتى عام 2040، فيمكن استنفاد الأصول المتبقية بحلول عام 2034. ومع وصول سعر النفط إلى 20 دولاراً للبرميل ستنخفض هذه الأصول بوتيرة أسرع، وهو ما سيؤدي إلى إفراغ خزائن الدول بحلول 2027.
وكان صندوق النقد الدولي أشار في تقرير سابق، إلى أنَّ تراوح أسعار النفط بين 50 و55 دولاراً للبرميل، سيُخفِّض قدرة الاحتياطي الأجنبي للسعودية على تغطية الواردات لنحو خمسة أشهر فقط بحلول عام 2024. وينبغي أن يكون هذا نذيراً مزعجاً. إلا أنه لا تزال هناك فرصة لتغيير هذا المستقبل، لكن سيشمل ذلك تغييرات جوهرية في أفكارنا عن الخليج ودوره في الاقتصاد العالمي.