في حين يواصل الفيروس التاجي الجديد (كوفيد-19) تفشيه عالمياً، إذ تجاوزت أعداد الضحايا الــ3 ملايين إصابة وأكثر من 211 ألف وفاة، قرابة 80 في المئة منها في أوروبا والولايات المتّحدة، حققت بلدان أخرى نجاحاً في القضاء على الفيروس.
فبعد أسابيع عدة من الإغلاق، أعلنت نيوزيلندا تحقيق هدفها الصعب في القضاء على فيروس كورونا المستجد، إذ بلغت الإصابات التي شُخِّصت خلال الأيام القليلة الماضية أرقاماً فردية، حتى سجلت الاثنين المنصرم حالة واحدة جديدة.
بحسب آشلي بلومفيلد، المدير العام للصحة في نيوزيلندا، فإن هدفهم المتمثل في القضاء على الفيروس لم يكن يعني صفراً أبداً، ولكنه يعني التعرف من أين تأتي الحالات. وبحسب شبكة "سي.إن.إن" الأميركية، فإن نيوزيلندا أنهت أول من أمس إجراءات الإغلاق الصارمة من المستوى الرابع التي فرضتها طيلة خمسة أسابيع، والتي وصفتها رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرن، بأنها "القيود الأكثر صرامة المفروضة على النيوزيلنديين في التاريخ الحديث".
وعاد 400 ألف مواطن إلى أعمالهم وتحرك من جديد 75 في المئة من اقتصاد البلاد. وتعني القيود الجديدة من المستوى الثالث أيضاً أن النيوزيلنديين سيكونون قادرين على إقامة جنازات صغيرة وشراء الوجبات السريعة. وسجلت نيوزيلندا إجمالي 1472 حالة إصابة، بينهم 19 حالة وفاة، وفقاً لجامعة جونز هوبكنز.
ولكن في حين أن نجاح نيوزيلندا في القضاء على الفيروس قد يبدو سبباً للاحتفال، إلا أن رئيسة الوزراء لا تزال تحثّ على اليقظة. وأفادت في مؤتمر صحافي، أمس الثلاثاء بأن الوضع لا يزال صعباً بالرغم من التحسن الملموس، مشيرة إلى أن المستوى الثالث عبارة عن غرفة انتعاش لتقييم نجاح ما يقوم به الناس.
سرعة الاستجابة
نيوزيلندا مثل غيرها من النماذج الأخرى التي نجحت في مواجهة الفيروس المستجد، وأبرزها تايوان في آسيا واليونان في أوروبا، حيث إن سرعة الاستجابة كانت عاملاً رئيساً. فعلى الرغم من أن الجزيرة التي تقبع في الجزء الجنوبي الغربي من المحيط الهادئ، تتمتع ببعض المزايا عن الولايات المتحدة أو جارتها أستراليا، مثل قلة عدد رحلات الطيران العابرة منها نسبياً، فضلاً عن الحكومة المركزية، غير أن سرعة الاستجابة تظل مفتاح النجاح في مواجهة الجائحة، فمنذ الكشف عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في 28 فبراير (شباط) الماضي، تحرّكت السلطات سريعاً نحو إجراء الاختبارات على نطاق واسع.
وفي 14 مارس (آذار)، عندما لم تسجّل البلاد سوى 28 حالة إصابة مؤكدة بـ(كوفيد-19)، أعلنت أرديرن أن أي شخص يدخل نيوزيلندا سيحتاج إلى عزل نفسه لمدة أسبوعين، وكانت هذه من بين أكثر القيود الصارمة على الحدود في العالم. وعندما مُنع الأجانب من دخول البلاد، كان هناك 28 حالة إصابة. وفي 23 من مارس، عندما أعلنت الحكومة الإغلاق العام، كان هناك 102 حالة من دون وفيات. وقالت أرديرن في بيان "قمنا بعمل حاسم في وقت مبكر، مما ساعد على القضاء على أسوأ فيروس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونقلت "سي.إن.إن" تعليقات عالم الأحياء الدقيقة بجامعة أوكلاند، سيوكسسي ويلز، في وقت سابق من هذا الشهر "هنا في نيوزيلندا، ليس لدينا الكثير من أسِرِّة العناية المركزة مقارنة ببعض البلدان الأخرى. لهذا السبب تصرفت (أرديرن) بسرعة كبيرة".
عودة بطيئة متحفظة
وبينما اتخذت نيوزيلندا إجراءات فورية، إلا أنها بطيئة في التراجع عن تدابير الوقاية. حتى في الوقت الذي بدت حالات الإصابة متراجعة بشكل جذري، فقد اختارت الحكومة تمديد إجراءات الإغلاق الأكثر تقييداً لمدة خمسة أيام. غير أنه على نقيض غيرهم من السكان في بلدان أخرى حول العالم، فإن العديد من النيوزيلنديين يدعم القيود، ففي استطلاع كولمار برونتون، الأسبوع الماضي، قال 87 في المئة إنهم وافقوا على الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع الوباء.
اختبارات واسعة النطاق
القيود المفروضة على الحركة والإغلاق ليست الأداة الوحيدة التي استخدمتها نيوزيلندا في مكافحة الفيروس القاتل، فلقد عززت البلاد الاختبارات بشكل واسع، حتى أنها تستطيع الآن إجراء ما يصل إلى 8000 اختبار يومياً. وحتى الآن، أجرت أكثر من 126 ألف اختبار، في حين لا يتجاوز عدد السكان 5 ملايين نسمة، في حين أن المملكة المتحدة، والتي تزيد نيوزيلندا 13 ضعفاً بعدد السكان، أجرت نحو 720 ألف اختبار.
وأوضح مايك رايان، المدير التنفيذي لبرامج الطوارئ الصحية لمنظمة الصحة العالمية، أخيراً، أن المعيار الجيد لإجراء الاختبار يتحدّد بعدد الحالات السلبية نسبة إلى الإيجابية، وهو أن يكون هناك 10 حالات سلبية في الأقل لكل حالة إيجابية مؤكدة. وهذا يعني أنه إذا قامت دولة بإجراء الاختبارات وبلغت نتيجة الحالات الإيجابية نحو 9 في المئة أو أقل، فهذا يعني أنها تسير بشكل صحيح.
ويبلغ معدل النتائج الإيجابية للفحوص في نيوزيلندا نحو 1 في المئة، مما يشير إلى عدم وجود انتقال مجتمعي واسع النطاق. وفي حين ينقل الشخص المصاب بالفيروس التاجي العدوى لنحو 2.5 شخص في دول أخرى من العالم، فإنه بموجب الإجراءات التي اتخذتها نيوزيلندا، انخفض ذلك إلى 0.4، أي أقل من نصف شخص مصاب.
القيادة والعلم
وبشكل عام، يشير البروفيسور مايكل بيك، من قسم الصحة العامة بجامعة أوتاجو، إلى أن الدرس الحقيقي من نيوزيلندا هو مزيج من العلم والقيادة الجيدة. فطوال فترة الإغلاق، ظهرت رئيسة الوزراء إلى جانب المدير العام للصحة العامة، في المؤتمرات الصحافية المنتظمة، حيث كانت تمرّر أسئلة وسائل الإعلام له. وقال بيكر "في نيوزيلندا، كان هناك رابط رائع بين العلم الجيد والقيادة اللامعة، وأعتقد أن الاثنين معاً فعاّلان للغاية"، مضيفاً في تعليقات سابقة لوسائل الإعلام "لقد شعرت بخيبة أمل حقاً لأن البلدان التي لديها موارد علمية أكبر بكثير في العالم، كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والعديد من البلدان في أوروبا، لم تحقق نتائج أفضل من دول مثل نيوزيلندا التي لديها موارد محدودة".