تُعَد العناوين الرئيسية لمجموعة التوقعات الأخيرة لبنك إنجلترا حول الاقتصاد، مروعة على مستوى تاريخي. فانخفاض بنسبة 25 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من السنة الحالية سيكون الأسوأ في 100 سنة على الأقل.
وبحسب "السيناريو الاقتصادي التوضيحي المعقول" الذي يضعه البنك لهذا العام بأكمله، سيكون هناك تراجع بنسبة 14 في المئة يعتبر أسوأ تراجع تشهده البلاد منذ عام 1706، عندما اتحدت إسكتلندا وإنجلترا رسمياً.
لقد آن الأوان لإعادة كتابة كتب التاريخ الاقتصادي.
لكن خبراء الاقتصاد في البنك المركزي لا يستسلمون للتشاؤم، شأنهم في ذلك شأن نظرائهم في "مكتب مسؤولية الميزانية" الذين بدوا في منأى عنه الشهر الماضي.
الأمر الأهم من أي شيء آخر بالنسبة إلى الأسر والشركات التي تشكل اقتصاداً هو المعدل المحتمل للنمو الاقتصادي على المدى البعيد، وليس التقلبات في النشاط من عام إلى آخر، حتى عندما تكون هذه التقلبات شديدة الوحشية إلى حد مزعج كما هي حالياً. وما دام النمو الاقتصادي يرتفع بشكل مطرد، فينبغي أن تحذو حذوه المداخيل والأرباح في المدى المتوسط إلى البعيد.
ويرى البنك أن إمكاناتنا الاقتصادية الوطنية الأساسية لا ينبغي أن تتضرر كثيراً على الإطلاق بفعل الإغلاق الحالي.
وقال أندرو بايلي محافظ البنك "نتوقع أن تلحق بعض الأضرار البعيدة المدى بقدرة الاقتصاد، لكن في هذا السيناريو، تبدو هذه الآثار ضئيلة نسبياً".
والسؤال بطبيعة الحال هو: هل هذه التوقعات صحيحة؟
ثمة العديد من الأسباب، التي يعترف بها البنك نفسه بها في تقريره عن السياسة النقدية، للاعتقاد بأنها قد لا تكون صحيحة. فالشركات التي تعاني من هذه التجربة القريبة من الموت، قد لا تستثمر مالاً أو توظف أشخاصاً، وهذا من شأنه أن يلحق الضرر بالنمو المحتمل لإنتاجيتنا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالإضافة إلى ذلك، قد يتبين في عالم ما بعد كوفيد-19 أن معدات صناعية كثيرة موجودة في الأمكنة الخطأ. أو ربما تعيد الشركات عملياتها إلى الوطن، ما يؤدي إلى تآكل كفاءتها.
وقد تمتنع البنوك التي تتكبد خسائر عن إقراض الشركات، حتى ولو كانت تتمتع بإمكانيات نمو محترمة. وقد لا ترى بعض الشركات النور على الإطلاق.
وربما يعاني العاملون الذين يخسرون وظائفهم من تراجع في مهاراتهم، ما يجعلهم أقل إنتاجية على المستوى الشخصي، أي أن الوضع "يترك ندوباً" في كفاءاتهم.
أسفر الركود الأخير عن كارثة بالنسبة إلى إنتاجية المملكة المتحدة دامت عقداً من الزمن. والواقع أن الكارثة كانت لا تزال تجرجر أذيالها حين ضربتنا هذه الجائحة. وسيتطلب الأمر بعضاً من التفاؤل المفرط الذي اشتهر به ميكوبر في رواية "ديفيد كوبرفيلد"، حتى يقتنع المرء بأن كارثة مماثلة لن تحلّ بإنتاجياتنا حين تنتهي الجائحة.
لكن ربما كان البنك محقاً في افتراض الأفضل. فأحد الأسباب المحتملة التي جعلت نمو الإنتاجية في غاية السوء بعد الركود الأخير، يتمثل في أن البنوك التي انهارت حرمت الاقتصاد الحقيقي من الإقراض. وساهم في ذلك أيضاً تخفيض الحكومة للاستثمار العام في البنية التحتية وغيرها في إطار برنامجها التقشفي.
ولم يكن من الحتمي أن تتخذ الحكومة موقفاً متساهلاً حيال إعادة هيكلة البنوك ولا أن تضع برنامجاً للتقشف المالي، بل هي أقدمت على الأمرين نتيجة اتباعها سياسة خاطئة. وفيما نتطلع إلى الخروج من هذه الأزمة، نرى أن صنّاع السياسات لا يفترضون بأن الاقتصاد البريطاني قد هُزم وأن نمو الإنتاجية لدينا بات في حكم المنتهي، وهذا موقف يستحق الترحيب فعلاً.
وهذا من شأنه أن يزيد من احتمالات وضعهم سياسات مالية ونقدية على أسس تحفيزية، بدلاً من الاكتفاء بأقل من ذلك في أجواء تشاؤمية.
ولا يعني الأمل في تحقيق الأفضل أن هذا الأفضل سيتحقق، لكن هذا الموقف قد يساعد في تجنب الأخطاء. فمن المرجح أن تكون التوقعات الاقتصادية المتدنية نبوءة تحقق نفسها بنفسها.
© The Independent