باغت تفشي وباء كورونا اقتصادات العالم، وتجلّى ذلك في الانهيار غير المسبوق لأسعار النفط عالمياً، بسبب تراجع الطلب على الطاقة، وأيضاً هبوط الاستثمار، وتنبّأ صندوق النقد الدولي بركود عالمي، هو الأسوأ منذ عام 1929 بنحو 2.5 في المئة.
وتونس ليست بمنأى عن هذه المخاطر والتهديدات، لا سيما أن اقتصادها يعرف بطبعه الهشّ، ويواجه صعوبات كثيرة، إذ لم تتجاوز نسبة النمو واحداً في المئة خلال عام 2019، وبداية عام 2020، وهو ما يؤشّر إلى صعوبات وتحديات حقيقية وخطيرة على المجتمع، والتوازنات المالية الكبرى للبلاد، والسؤال: كيف ستواجه البلاد هذه الأزمة الاقتصادية الناجمة عن كورونا؟ وما التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذا الوباء في ظل تراكم المديونية وتنامي أعداد العاطلين عن العمل؟
تراجع النمو أربعة في المئة
تكبّد الاقتصاد التونسي هذا العام خسائر فادحة جراء تفشي كورونا، ونتيجة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتطويق هذا الفيروس، وتتوقّع الحكومة التونسية تراجعاً في النمو الاقتصادي، بأكثر من أربعة في المئة العام الحالي، حسب ما جاء في الرسالة التي وجّهتها الحكومة التونسية إلى صندوق النقد الدولي في أبريل (نيسان) الماضي.
نسبة الفقر قد تبلغ 20 في المئة
كما تتوقع الدراسات الاقتصادية أن تبلغ نسبة الفقر بتونس 20 في المئة، والبطالة 19 في المئة، أي (إضافة مليون عائلة فقيرة جديدة، ونحو 200 ألف عاطل جديد عن العمل).
ويعتمد الاقتصاد التونسيّ على السياحة، وتصدير المنتوجات الفلاحية مثل زيت الزيتون، (الثانية عالمياً بعد إسبانيا)، والتمور، والقوارص، والمواد الاستخراجية مثل الفوسفات، وتوفّر السياحة وحدها نحو ربع موازنة البلاد (ثلاثة مليارات دولار)، علاوة على أنها تشغّـل ما لا يقل عن نصف مليون تونسي، بشكل مباشر وغير مباشر.
خسائر القطاع السياحي تتخطى 1.4 مليار دولار
ويُعتبر القطاع السياحي العصب الحيوي للاقتصاد التونسي الذي سيواجه صعوبات خطيرة، وتشير التقديرات الرسمية إلى خسارة نحو 400 مليار دينار (1.4 مليار دولار).
ويرتبط قطاع السياحة بقطاعات أخرى، سينسحب الركود عليها أيضاً، على غرار النقل الجوي والبحري، وأيضاً الإنتاج الفلاحي الذي يُضَخ جزءٌ كبيرٌ منه في المسالك السياحية، كما ستواجه البلاد مشكلات تدنّي الطلب العالمي على صادراتها من المواد الاستخراجية مثل الفوسفات، إضافة إلى تراجع الاستثمار الأجنبي في البلاد، بسبب حالة الخوف وعدم الثقة التي تسود مناخ الاستثمار في السوق العالمية بسبب كورونا.
الديون الخارجية تبلغ الخطوط الحمراء
وهذا الوضع سيعمّق أزمة المالية العامة في تونس، المدعوة إلى مزيدٍ من تعبئة الموارد المالية من السوق العالمية التي تشهد بدورها شحّاً، لأن الأزمة مسّت مختلف دول العالم أيضاً.
ويبلغ عجز الموازنة نحو ثلاثة في المئة من الناتج الإجمالي المحلّي (40 مليار دولار)، إلا أن تداعيات تفشي كورونا قد تعمّق هذا العجز ليصل إلى 4.3 في المئة حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، كما يبلغ حجم الدين العمومي التراكمي 90 مليار دينار (30 مليار دولار) أي نحو 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وكشف المتخصص الاقتصادي وليد بن صالحة، في تصريحات صحافية، عن أن نصيب كل تونسي من الديون الخارجية للدولة التونسية سيبلغ نحو ثمانية آلاف دينار (2.6 ألف دولار).
الحلّ في مراجعة السياسات الاقتصادية
وللتقليص من حدّة تداعيات هذا الوباء، اقترح الاقتصاديان التونسيان حكيم بن حمودة ومحمد هادي بشير في دراسة نُشِرت أخيراً، جملة من الإجراءات العاجلة والمتوسّطة، لمواجهة التأثيرات الاقتصادية لأزمة كورونا، ودَعيا إلى "مراجعة السياسات الاقتصادية والمالية"، من ذلك تخصيص ملياري دينار (0.6 مليار دولار) للدّفع بالاستثمارات الكبرى (الأشغال الكبرى في البنية التحتية)، وكذلك التخفيض في نسبة الفائدة المديرية بـ200 نقطة، ودعم الشركات المتضرّرة في مفاوضاتها مع البنوك، وكذلك تعزيز تمويل البنك المركزي للمؤسّسات، واعتبرا أن هذه المقترحات ستكون لها نتائج إيجابية خلال العام الحالي، وخلال الثلاثة أعوام المقبلة، وفقاً للدراسة، لترتفع نسبة النمو إلى 8 في المئة متوقعة خلال عام 2023.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمكن للاقتصاد التونسي بهذه النسبة، أن يمتصّ المعدّلات المرتفعة للبطالة لتتراجع نسبة طالبي الشغل إلى نحو 13.7 في المئة.
من جهته، طالب المرصد التونسيّ للاقتصاد بإلغاء جزء من ديون تونس الخارجية (أصل وفوائد) ليتيح لها الاحتفاظ بنحو 6.6 مليار دينار (2.2 مليار دولار)، وذلك بهدف مجابهة النتائج الصّحية والاقتصادية الناجمة عن كورونا.
وتأتي هذه المطالبة، في إطار دعوة أطلقتها أكثر من 120 منظمة دولية وإقليمية بشكل ملحّ، لإلغاء جميع دفوعات الديون الخارجية لبلدان الجنوب وتأمين التمويل الطارئ الإضافي الذي لا يخلق مديونية.
واستجابة منها للمطالب الاجتماعية الملحّة لسنوات ما بعد ثورة 2011، اعتمدت تونس بشكل كبير على الاستدانة الخارجية من دون التعويل على تفعيل محرّكات النمو الداخلية، وهو ما راكم حجم الديون، لتصل إلى مستويات تنذر بانهيار الاقتصاد الوطني، خصوصاً في ظل الأزمة العالمية الراهنة، وكذلك بتوترات اجتماعية ربما تنسف السلم الاجتماعي، وتربك المسار الديمقراطي الذي تعيشه البلاد.