في 13 مايو (أيار)، أعلنت وزارة الصحة السودانية عن تسجيل 157 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا، ليرتفع عدد الإصابات إلى 1818 حالة إصابة، 90 منها حالة وفاة. وبعدما كانت البلاد تسجل 10 حالات يومياً كحد أقصى، ارتفعت الأعداد لتتجاوز 100 حالة يومياً، على الرغم من إجراءات وزارة الصحة والإغلاق الكامل، وبالتزامن مع صدور معلومات عن إقالة وزير الصحة أكرم علي التوم.
تأجيج الصراع
أزمة كورونا أججت الصراع بين وزير الصحة وأطراف عدة. فمنذ أسبوعين، شكا التوم من عدم كفاية مخزون الأدوية والألبسة الواقية، معلناً أن الحكومة لن تجلي السودانيين العالقين في الخارج. ما أدى إلى نقاشات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن العالقين يعانون من أوضاع سيئة في دول عربية عدة.
ثم رسم وزير الصحة صورة قاتمة للأوضاع في المستشفيات التي تعاني من انقطاع الكهرباء المستمر وشح الأدوية. بعدها، دخل في خلافات مع عضو مجلس السيادة صديق تاور داخل اجتماع لجنة الطوارئ العليا الخاصة بأزمة كورونا. وهذا الخلاف المُوثق كان سبباً في إصدار قرار بإقالته، على الرغم من أن تاور، المتهم بطرح المسألة، نفى لاحقاً علاقته بها، قائلاً "إقالة زيد وعبيد لا تخضع لمزاجي الشخصي".
لكن توصيات صدرت من مجلس السيادة أقرت بإقالة التوم. غير أن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لم يوافق على القرار. ويذكر بيان مجلس السيادة، الذي حذف وأعيد نشره مجدداً بعد ساعات، أن "الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في القصر الجمهوري في 6 مايو، الذي ضم رئيس مجلس السيادة وعدداً من أعضائه ورئيس الوزراء ووزيرين آخرين، بالإضافة إلى مكون قوى الحرية والتغيير، أقر بالإجماع أن يتخذ رئيس الوزراء الخطوات الدستورية اللازمة لإقالة وزير الصحة من منصبه".
وأثار بيان مجلس السيادة جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وبرزت دعوات للخروج إلى الشارع إذا أقيل وزير الصحة، مؤكدين أن أداءه في مجابهة كورونا ممتاز.
تاج السر جعفر، من حركة قرفنا للمقاومة الشعبية، تحدث إلى "اندبندنت عربية"، قائلاً إن "الوزير لم يتصدّ لجائحة كورونا بالصورة المطلوبة. حالياً، هنالك أكثر من 15 في المئة من الكوادر الصحية في البلاد في مراكز العزل بسبب الفيروس، بالإضافة إلى افتقادهم للملابس الواقية"، مشيراً إلى أن "الوزير محاط بمجموعة من الناشطين، ويدير الأزمة بالتصريحات فقط، بينما هنالك توصيات تُرفع له من تجمعات مهنية كالممرضين لا يعيرها أي اهتمام. قرار إقالته ضروري لأن الجائحة تستوجب الحسم".
في السياق نفسه، دخل تجمع الممرضين السودانيين في إضراب عام، في 11 مايو، بسبب التهميش الذي يعاني منه العاملون في القطاع. وأشار التجمع، في بيان، إلى تجاهل وزير الصحة المذكرات التي طالبوا فيها بتحسين أوضاعهم، كما أنه استثنى الممرضين من المؤتمر الطبي الذي دعا إليه.
انقسامات داخلية
الانقسامات داخل المكونات السياسية أصبحت واضحة، فالاجتماع الذي صدر فيه قرار إعفاء وزير الصحة شارك فيه وزراء من دون غيرهم. وهناك وزراء رفضوا القرار، من بينهم وزير الإعلام فيصل محمد صالح، الذي قال في مؤتمر صحافي إنه لا اتفاق على إقالة وزير الصحة، وأن هذا القرار يتخذه رئيس الحكومة مع مجلس الوزراء.
وأصدرت قوى الحرية والتغيير بياناً دانت فيه القرار وحذرت من عواقبه، مؤكدة أن تقييم أداء الوزراء يخص مجلس الوزراء والمجلس التشريعي.
لجان المقاومة
أصدرت لجان المقاومة بيانات عدة تحذر من الخطوة التي لوح بها مجلس السيادة بإقالة الوزير، مؤكدة أنها ستخرج إلى الشارع للإبقاء على الوزير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول الدكتورة عبير عثمان حسين، من لجان مقاومة أركويت، لـ"اندبندنت عربية"، إن "الهجوم على وزير الصحة مرفوض ونرفض إقالته في هذه الظروف الحرجة، إذ إن كورونا تكافح بالتعاون بين المواطنين والحكومة".
وتضيف حسين "يجب أن نعبر الأزمة بأقل الخسائر، وسنراقب أخطاء الوزراء لتصحيح المسار".
تسعيرة الدواء وإقالات جماعية
رفض وزير الصحة تسعيرة الدواء الجديدة للأدوية المُصنعة محلياً، وقال إنها مرهقة للمواطن السوداني الذي يعاني من الضغوط الاقتصادية. وقرر إعفاء العديد من المسؤولين في وزارة الصحة، على رأسهم المدير العام للصحة في ولاية الخرطوم ومدير الإدارة العامة للصحة العالمية.
ورجح مراقبون أن تكون هذه القرارات سبب صدور قرار إقالته، لأن مصالح نافذين تضررت منها فاحتموا بالسيادي. وتقول ميرفت حمد النيل، القيادية في تجمع القوى المدنية، لـ"اندبندنت عربية"، إن "أداء الوزير جيد في إطار تحسين الظروف الحالية للبلد والنظام الصحي الموروث وقانون الحكم الاتحادي الذي يقيد أداء الوزراء وعدم إكمال هياكل السلطة المدنية وعرقلة إجازة قانون الشرطة في المجلسين، بالتالي ضعف تعاون الشرطة في تنفيذ موجهات الوزارة. المطلوب من الوزير التركيز على إدارة المستشفيات وضغطها للقيام بدورها".
وتضيف "هنالك أسباب مختلفة لمحاولات مجلس السيادة إبعاد التوم، منها صراعات في اللجنة العليا وأخرى تتقاطع معها مصالح سياسية، ومنها موضوع تسعيرة الأدوية. والأهم أن مجلس السيادة ليست له سلطة أو صلاحيات لإبعاد أي وزير، وعلى أعضائه التركيز في اختصاصاتهم وعدم عرقلة الجهاز التنفيذي في أداء مسؤولياته".