أثار إعلان وزير المالية اللبنانية غازي وزني رغبة حكومته خفض عدد المصارف من 49 إلى النصف تقريباً، سلسلة اعتراضات واسعة، لخطورة التصريحات المرتبطة بالشأن المصرفي في المرحلة الأخيرة، خصوصاً أن الحكومة في خطتها المالية والاقتصادية التي وقّع عليها الوزير نفسه، قد أدرجت في أحد بنودها رغبتها بمنح 5 تراخيص لـ5 مصارف جديدة، ما دفع للتساؤل عن كيفية التوفيق بين التوجه إلى خفض عدد المصارف الموجودة وبين إعطاء تراخيص لمصارف جديدة، وما هي الجهات التي ستعطى إليها هذه التراخيص؟.
ولاء جديد
في المقابل، تشير معلومات حصلت عليها "اندبندنت عربية" من جهات مصرفية عدة، إلى أن جهات حزبية مشاركة في الحكومة الحالية تسعى إلى تغيير ما تعتبره ولاء النظام المصرفي اللبناني للولايات المتحدة والغرب، عبر تغيير آلية عمل هذا القطاع وتقيده بسلسلة شروط ومعايير غير ملاءمة مع النظرة المستقبلية للاندماج العالمي، إضافة إلى إدخال 5 مصارف جديدة مرتبطة بتوجه سياسي معين لتحقيق توازن يريح تلك الجهات الحزبية.
وتضيف المعلومات أنه في المقابل ثمة هجوم استباقي على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتحميله مسؤولية الانهيار الاقتصادي لـ"حرق" اسمه بعد أن اعتبرته بعض الجهات المحلية والدولية مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية خلفاً للرئيس ميشال عون.
قطاع متضخم
من جهة ثانية، تشرح مصادر في وزارة المال أسباب طرح الوزير قضية تخفيض عدد المصارف، مشيرة إلى أنه فقط ما بين مصرفين أو ثلاثة، من أصل 49 مصرفاً تجارياً عاملاً في لبنان، تتمتع بملاءة إيجابية، ما يعني أن 46 مصرفاً على الأقل معظمها لديها رساميل سلبية.
وتضيف أن 7، من أصل 10 مصارف كبيرة، تستحوذ على 80 في المئة من الودائع، وبالتالي الدمج لن يؤدي إلا إلى ضياع الودائع أو تبخرها، كونها موجودة ورقياً وستحملها المصارف التي ستستحوذ على المصارف الأخرى أو المدمجة.
وتعتبر المصادر ذاتها أن حجم القطاع المصرفي الحالي متضخم ويفوق حجم الاقتصاد الوطني، وقد تظهر أي مقارنة لواقع هذا القطاع مع دول أخرى هذه التخمة، مشيرة إلى أن عدد المصارف في سويسرا على سبيل المثال لا يتخطى فيها الـ10، فيما حجم اقتصادها 700 مليار دولار، في حين يبلغ حجم الاقتصاد اللبناني 48 مليار دولار.
وعللت قرار منح خمس رخص جديدة بأن رساميلها ستكون بمليار دولار، أي كل مصرف 200 مليون دولار، على أن يكون نصف هذه الرساميل مؤمناً من الخارج، لتكون بمثابة دعامة للاقتصاد من باب تأمين سيولة تضخّ في شرايين القطاعات المنتجة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطة غير مقتنعة
في السياق ذاته، يرى الناشط السياسي دافيد عيسى أن البنك الدولي غير مقتنع بخطة الحكومة الإنقاذية، كون حدودها لا تتجاوز الهندسة المالية الاقتصادية، ولا تسهم بإدخال أموال أجنبية من الخارج، "وهي تقتصر على توزيع الخسائر ومحاولة تحميلها فقط للقطاع المصرفي دون أي أفق لإعادة تحفيز الاقتصاد".
ويلفت أن عدد المصارف في السوق يجب أن تحددها حاجة السوق وملاءة هذه المصارف وقدرتها على المنافسة داخلياً وخارجياً.
يضيف عيسى، "إذا كانت الحكومة تسعى لحصر معظم النشاط المصرفي في مصرف عملاق كما يحدث في بعض الدول الخليجية، فإن هذا الأمر لن يستطيع تقديم منافسة في دول أخرى، في مقابل أن السوق الحرة في لبنان، أتاحت للمصارف المنافسة عالمياً واستقطاب الأموال".
ويشير إلى أنه من غير المسموح أن تحدد الحكومة عدد المصارف العاملة في لبنان في ظل نظام ليبرالي، في حين أنها تستطيع طرح فكرة إنشاء مصارف جديدة وفق شروط خاصة لدعم الزراعة والصناعة على سبيل المثال.
شيطنة المصارف
في المقابل، يوضح عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي أنيس أبو دياب، أن "جزءاً من هذه السلطة السياسية يحاول شيطنة القطاع المصرفي، وهذا خطر حقيقي على الاقتصاد الوطني"، معتبراً أن فئة من رجال الأعمال السوريين والعراقيين واللبنانيين المرتبطين بحزب الله، تتأثر سلباً بالقطاع المصرفي كونها لا تستطيع الولوج إليه نتيجة العقوبات الاقتصادية الأميركية، "وهذه الفئة تحاول شيطنة القطاع المصرفي وضربه نظراً إلى عدم قدرتها السيطرة عليه".
ويتوقع أبو دياب استمرار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لعدة أشهر مقبلة، "ولن نلحظ أي بوادر أساسية قبل شهرين"، جازماً أنه في حال تمت الموافقة على القرض لن تكون هناك موافقة على أكثر من 5 مليارات من أصل الـ10 مليارات دولار التي يطلبها لبنان، شارحاً أن صندوق النقد لديه اطلاع دقيق على الوضع الاقتصادي اللبناني ويدرك أن البلد غير ملتزم بالإصلاحات، "كما يدرك جيداً الصراع القائم بين المصرف المركزي والحكومة كما الأرقام المتضاربة بين الجانبين". وشدد على أن حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف غير موافقين على الأرقام التي تطرحها الحكومة في خطتها للتعافي الاقتصادي.
تغطية على التهريب
يكشف عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن الاتهامات الموجهة لحاكم مصرف لبنان حول التسبب في انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار هي اتهامات سياسية لدفعه إلى الاستقالة، والحقيقة أن هذه الاتهامات تهدف للتغطية على تهريب العملات الأجنبية إلى سوريا، إضافة إلى استيراد لبنان مشتقات نفطية بقيمة 6 مليارات دولار في حين أن الاستهلاك المحلي لا يتجاوز نصف هذه القيمة، ما كبد لبنان خسائر كبيرة نتيجة خسائر الدعم من ناحية، ونتيجة استبدال القيمة المهربة ببضائع تشترى من سوريا وتهرب من جديد إلى لبنان.
يضيف، أن الضغوط على الحاكم من أجل التدخل في السوق وضخ الدولارات تحت ذريعة تخفيض انهيار الليرة مشبوهة وخطيرة، كونها تخدم مافيات التهريب المستنفرة والجاهزة لسحب هذه الأموال من السوق وتهريبها، وبالتالي يكون المصرف خسر الاحتياطات المطلوبة لاستيراد السلع الضرورية.
خسارة 15 ألف وظيفة
من جانبه استغرب عضو مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان تنال صباح، ما تسعى إليه الحكومة اللبنانية لخفض عدد المصارف اللبنانية من 49 مصرفاً إلى النصف، حيث إن القطاع المصرفي هو قطاع خاص، ولا يحق للدولة أن تعيد تصميمه من جديد تحت شعار إعادة هيكلة القطاع، مشيراً إلى أن هذا الطرح يعاكس الواقع. إذ بدل أن تسعى الدولة لزيادة عدد التوظيفات وتوسيع الاقتصاد تلجأ إلى تقليصه وتتسبب بخسارة حوالى 15 ألف موظف لعملهم.
ويشير إلى أن القطاع العام هو ما يتسبب بالهدر والعجز في الموازنة فيما خطة الحكومة الاقتصادية تتحدث عن هيكلة القطاع الخاص، منتقداً الخطة الاقتصادية للحكومة معتبراً أن حجم القطاع المصرفي الكبير قادر أن يخلق بالمقابل اقتصاداً إنتاجياً كبيراً. وبالتالي يستغرب صباح الاندماج القصري للمصارف بالشكل الذي ورد فيه بخطة الحكومة.
تغيير وجه لبنان
في حين اعتبرت عضو لجنة المال والموازنة النائب ديما جمالي أنه لا يمكننا حل الأزمة الاقتصادية بتقليص القطاع الخاص، لا سيما القطاع المصرفي الذي يعتبر الشريان الحيوي لكل لبنان، وأساساً للنهضة الاقتصادية، يتمتع باستقلالية، يقرر عبرها عملية دمج اختيارية في حال لزم الأمر، مشيرة إلى أن الحكومة الحالية بصدد تكبيل القطاع المصرفي لأغراض سياسية معروفة.
وأضافت، أن "لبنان نظام اقتصادي حر، وبالتالي كون المصارف ملكية خاصة يجب أن تخضع إلى سياسة داخلية مستقلة وتترك لها حرية تنظيم قطاعها ومشكلاته"، موضحة أن هذه الإجراءات خطيرة وقد تغير وجه لبنان الاقتصادي وتدخله بمنظومة شعبوية لا تشبه ما تميز به منذ 100 عام.
ورأت جمالي، أن الحل ليس بالمفاوضات الشكلية إنما الالتزام بالمطالب الإصلاحية المقدمة من قبل صندوق النقد، التي تضم إصلاحات هيكلية وقطاعية وقضائية وقانونية ونقدية وجمركية وضريبية، مستبعدة أن تقدم الحكومة على هذه الإصلاحات الجذرية.
وحول التلاعب بسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار أكدت أن التحقيقات أظهرت وجود عدد من الصرافين من جنسيات سورية وإيرانية وفلسطينية وسودانية ولبنانية غير مرخصين، ما أدى إلى وجود سوق مضاربة للأسواق الرسمية أدت بالطبع لارتفاع سعر صرف الدولار. رافضةً رمي المسؤوليات بمكان آخر وتطويق حاكمية مصرف لبنان في ظل عجز الحكومة عن القيام بمعالجات صحيحة وكشف المتلاعبين الحقيقيين بسعر صرف الدولار.