عندما يأتي وقت كتابة تاريخ جائحة فيروس كورونا في بريطانيا، يجدر التنبّه بشكل خاص إلى ظهور خالف المألوف، لوزيرة العمل والمعاشات تيريز كوفي على "سكاي نيوز" في برنامج "كاي بورلي@بريكفاست". ويجب تسجيل حلقة يوم الثلاثاء 19 مايو (أيار) التي بُثّتْ في الـ9:30 صباحاً، كي تشاهدها الأجيال المقبلة باعتبارها الحلقة التي كشفت فيها الوزيرة كوفي عن الدرع الدفاعية الذي عملت الحكومة على إعداده منذ فترة طويل ضد سوء إدارتها لجوانب الاستجابة لأزمة وباء كورونا. فقد ذكرت كوفي إنه "إذا كان العلم مخطئاً، وإذا كانت المشورة وقتها مخطئة، فأنا لا أستغرب إذا اعتقد الناس أننا اتخذنا قراراً مخطئاً."
سنسمع مزيداً من هذه الحجج في الأسابيع والأشهر المقبلة، التي تريد القول، بعبارة أخرى، لا تلومونا، بل لوموا العلماء. وبهذه الطريقة تكون لعبة اللوم قد بدأت.
لقد مثّل تصريح كوفي المرّة الأولى التي يعترف فيها وزير في الحكومة بارتكاب أخطاء (بدلاً من مجرد الإشارة عبر صياغة ما، إلى أنه سيستخلص الدروس)، ويحاول فيها إلقاء اللوم على طرف آخر. ويمكن لكل شخص يستوعب العبارات السياسية الغامضة أن يتفاجأ بترديد الوزراء منذ المراحل الأولى للجائحة مقولة "سيقودنا العلم"، قد حرصوا على الظهور إلى جانب مختلف مسؤولي الصحة العامة في المؤتمرات الإعلامية، وسعوا بشكل مستمر إلى الحصول على موافقة الأخيرين الضمنية على اتخاذ قرارات وزارية غالباً ما تكون سياسّية في العمق.
تمثّل الدافع وراء تصريح الوزيرة كوفي في انتقاد رئيس "الجمعية الملكية"، السير أدريان سميث، الوزراء على ادعائهم بأنهم لا يفعلون سوى تنفيذ توجيهات العلماء. وقد أشار سميث إلى أن "الخطر يكمن في استمرار السياسيين في القول "إننا ببساطة ننفذ توجيهات العلماء". قد يكون ذلك غريباً، لأن السياسيين هم من يجب عليهم في النهاية اتخاذ القرارات."
وعلى الرغم من تقديم كوفي عدداً من الملاحظات الصائبة حول الإدراك المتأخر [بشأن جائحة كورونا]، وعن حقيقة أخذهم بنصيحة واضحة على مستوى رفيع من "المجموعة العلمية الاستشارية للطوارئ" (اختصاراً، "سايج") التي تضم كبير الأطباء في إنجلترا كريس ويتتي، وكبير المستشارين العلميين باتريك فالانس، اللذين يُفترض بأنهما كانا دقيقين ومتوازنين في كثير مما أورداه. وعلى غرار المعلومات الاستخباراتية أو الاقتصادية المقدمة إلى الوزراء، يُستبعد أن تكون نصيحتُهما واضحة أو تشير فقط إلى اتجاه واحد وواضح. فالخيارات تُعرض وتُناقَش، والدراسات المتضاربة تُغربَل، وتُقيّم الأدلة للحكم على صدقيتها. كما يُقارَن بين تجارب بلدان مختلفة ويُقابَل بينها. ليس ثمة تركيب متجانس موحّد اسمه "العلم". لذا، يبدو أن الوزراء قرّروا في وقت مبكر ترك الفيروس ينتشر بهدف خلق مناعة القطيع، مع ما ينطوي عليه هذ الأمر من حدوث نسبة وفيات مرتفعة وإنهاك هيئة "الخدمات الصحيّة الوطنية". لذا، لم يكن ذلك [القرار] حُكماً علمياً محضاً.
يضاف إلى ذلك أن المشورة العلمية والطبية ليست الوحيدة التي يطلبها الوزراء، إذ يستمعون أيضاً إلى العلوم الاجتماعية كالدراسات السلوكية التي تقيّم مثلاً مدى تحمّل الجمهور حالة الإغلاق، مهما كانت فوائدها النظرية في مكافحة الجائحة. ويشكّل ذلك أيضاً مسألة تقدير تعود إلى الوزراء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثمة معايير أخرى كالتكاليف الاقتصادية للإغلاق المُطوّل، بغض النظر عن فوائده العلمية. ويضاف إلى ذلك أن العلم لا يحيا في فراغ. إذ أكد جوناثان فان تام، نائب رئيس القطاع الصحي في إنجلترا، أن الاعتبارات العملية مهمة أيضاً. ربما قَصَدَ بذلك الإشارة إلى القرار المبكر بالتخلي عن الاختبارات، والتغييرات السياسة المختلفة منذ ذلك الحين. وبالتالي، على الرغم من أن توسيع نطاق الاختبار بشكل كبير كان من شأنه أن يكون نهجاً علمياً أفضل، إلا أنه في حال غياب الأدوات والمواد الكيماوية والمختبرات، لا يمكن للوزراء اتّباع الخيار العلمي المثالي وتالياً، سوف يسألون "سايج" عما يتوجب فعله كثاني أفضل الخيارات.
واستطراداً، سيتخذ الوزير أو مجموعة من الوزراء قراراً، وسيكون هذا مبنياً على توجيهات أو نصائح العلماء، التي قد لا تأتي على هيئة توجيه واضح في حدّ ذاته. علاوة على ذلك، ستأتي مشورة الخبراء من جهات عدّة أخرى، بما في ذلك الضغط السياسي وحالة الرأي العام. وخلافاً للصين مثلاً، تعدّ هذه الأمور مهمة في بلد ديمقراطي. كذلك يتوجّب علينا تذكر الرد الذي قدمه بوريس جونسون حديثاً إلى نوابه الحريصين على إنهاء حالة الإغلاق بسرعة. إذ قال لهم "انظروا إلى استطلاعات الرأي." لا يوجد عيب في ذلك، على الأقل من حيث المبدأ، لكن لا ينبغي للسياسي أن يتظاهر بأنه مجرد دمية في أيدي العلماء.
© The Independent