تصاعد القلق الدولي والإقليمي في الآونة الأخيرة، من تنامي التدخل التركي في أزمة ليبيا ومعركتها العسكرية، وهو ما بات معلناً من القيادة السياسية في أنقرة، أكثر من أي وقت مضى.
وتطورات الأيام الأخيرة، وما انجلت عنه من تغيرات مهمة في الموقف الميداني، وتباهي تركيا بسيطرتها على مواقع عسكرية وإستراتيجية ليبية، يتجاوز خطرها الحيّز المحلي، لتمسّ مصالح لاعبين فاعلين إقليمياً ودولياً، رفعت بشكل مطرد منسوب هذا القلق، والمطالبات برفع يد أنقرة المفرطة في مد حليفتها في طرابلس حكومة الوفاق بالسلاح والمقاتلين الأجانب، ما جعل ليبيا مرشحة لتكون بؤرة توتر، ونقطة انطلاق للمهاجرين في اتجاه أوروبا، وجذب للعناصر المتطرفة من كل أنحاء الدنيا، على المديين المتوسط والبعيد.
عوامل مثل هذه، كان من الطبيعي أن تثير مخاوف في أوروبا أكثر من غيرها، خشية التداعيات الجيوسياسية والأمنية للأزمة الليبية على بلدانها، والتي يسهم التصعيد التركي في تعزيزها، بحسب تقارير رسمية وصحافية متواترة، صدرت أخيراً في القارة العجوز. ناهيك عن تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوروبا بأكبر مخاوفها في حال سقوط حكومة "الوفاق"، وذلك حين حذر من اشتعال موجة هجرة غير قانونية من ليبيا. وجاء في مقال لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية، قوله إن سقوط "الوفاق" يعني مواجهة أوروبا مجموعة جديدة من التهديدات الأمنية، داعياً الاتحاد الأوروبي للسير على خطاه ودعم حكومة طرابلس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تهديد للأمن الأوروبي
آخر التقارير الصادرة، عن كبرى الصحف الأوروبية، حذرت فيه مجلة "دير شبيغل" الألمانية، السبت 24 مايو (أيار)، من أن "التدخل التركي في ليبيا يمثل تهديداً مباشراً لأمن القارة الأوروبية"، ولفتت إلى أن "هذا التمدد التركي لا ينتهك السيادة الليبية فقط، بل يهدد أوروبا بشكل كبير"، وأضافت "سيطرة الرئيس التركي رجب أردوغان على مقاليد الأمور في ليبيا ستكون لها تداعيات وخيمة"، وحذرت "دير شبيغل" من "تحول ليبيا إلى نقطة انطلاق للّاجئين الأفارقة نحو أوروبا، وإمكانية استغلال أردوغان هذه الورقة لابتزاز أوروبا بملف اللاجئين"، وتابعت أن "قيام أردوغان قبل أشهر بفتح الباب أمام اللاجئين للعبور إلى أوروبا، انطلاقاً من الأراضي التركية، يجعل سيناريو مماثلاً في ليبيا محتملاً، ما يعد خطراً كبيراً على الأمن الأوروبي".
صدام محتمل
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنغازي جمال الشطشاط، في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن هذه التقارير تثير مخاوف حقيقية، من تحول ليبيا إلى ساحة صدام أوروبية تركية، قائلاً "كبرى الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، لها مصالح متنوعة في ليبيا، باتت مهددة بشكل كبير، بعد تمدد تركيا في ليبيا سياسياً وبشكل أكبر عسكرياً، ما ينذر بصدام قريب بينها، تحركه الرغبة في الدفاع عن مصالح الطرفين"، وأضاف الشطشاط "تزايد التصريحات من تركيا وحكومة الوفاق، التي تكشف نية الأخيرة في منح امتيازات خاصة لأنقرة، في شكل استثمارات كبيرة في قطاع النفط والغاز في ليبيا، ساهم بشكل كبير في إثارة القلق الأوروبي، من سيطرة تركية على الإمدادات الحيوية من مصادر الطاقة الليبية، التي تشكل جزءاً مهماً من الواردات الأوروبية من الطاقة ولشركاتها.
وشدد على أن "ملف منابع الطاقة في المتوسط، والصراع التركي الأوروبي للهيمنة عليها، وملف الهجرة، وتدفق مجموعات من المقاتلين الأجانب الذين يحملون خلفيات راديكالية متشددة إلى ليبيا، على متن طائرات تركية، ومخاوف أوروبا من انتقالهم إلى بلدانها وتهديد أمنها، كل هذه الملفات، تشكل هواجس حقيقية لقادة القارة العجوز"، وتوقع أن تقود هذه الهواجس الأوروبية "إلى صدام مباشر مع تركيا، إذا لم تتراجع عن سياساتها في ليبيا"، محذراً من "تحرك أوروبي قريب وواسع، للجم الخطر الذي تمثله سياسات أردوغان في ليبيا، وقد تكون البداية بتفعيل أكبر لعملية إيريني البحرية، لفرض المزيد من الرقابة على تطبيق القرارات الدولية، الخاصة بمنع توريد السلاح والمقاتلين إلى طرابلس".
مخاطر التدخل العسكري التركي
وكان الاتحاد الأوروبي، قد حذر في بيان مشترك، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية الأسبوع الماضي، من مخاطر التدخل العسكري التركي في ليبيا، وما يمثله من تهديد لمصالح وأمن القارة ككل، عقب إعلان أنقرة الصريح عن زيادة مساهمتها العسكرية في المعارك الدائرة غرب البلاد، والتي أدت إلى سيطرة قوات حكومة الوفاق الموالية لها على عدد من المدن المهمة وقاعدة الوطية الجوية، ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة.
ورفضت أنقرة التهديدات الأوروبية، في تصريحات لرئيسها أردوغان قال فيها "لا يحق لأحد انتقاد سياسات بلاده في ليبيا"، معتبراً أن "تركيا تدافع عن مصالحها التي يهددها الجيش الوطني الليبي، بدعم من قوى خارجية معادية لتركيا".
وكان أردوغان قال في كلمة تلفزيونية على قناة تركيّة رسمية، أن "سياسة بلاده في ليبيا واضحة، ولا يمكن لأحد أن ينتقدها". كذلك، أكد استمرار بلاده في سياساتها في ليبيا والمنطقة، إذ قال "سنقوم بدحر كل هذه القوى، وسيكون الانتصار لنا والهزيمة لمن يقوم بإحاكة المؤامرات ضد تركيا".
ضغط من واشنطن
القلق من توسع المد التركي في ليبيا، تجاوز حدود القارة الأوروبية ليصل مداه إلى الولايات المتحدة، وهو ما يعكسه الإعلان الأميركي شبه اليومي أخيراً، عن اتصالات رفيعة المستوى يجريها مسؤولون في واشنطن مع نظرائهم الأتراك لمناقشة التطورات الأخيرة في الغرب الليبي.
فبعد ساعات من إعلان مصادر رسمية أميركية، السبت، عن اتصال ناقش هذا الملف، كان طرفاه مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين والمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، ضمن عدد من القضايا والملفات الأخرى، أفاد البيت الأبيض في بيان بأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعرب لنظيره التركي، خلال اتصال هاتفي، عن قلقه "إزاء تفاقم التدخل الأجنبي في ليبيا"، مشدداً "على ضرورة التهدئة السريعة للقتال"، وأوضحت المتحدثة باسم الإدارة الأميركية غود دير في بيان، أن ترمب وأردوغان ناقشا "الاضطرابات في ليبيا وسوريا، بالإضافة إلى إعادة فتح اقتصادات العالم، وسط وباء كورونا".
وقبل ذلك بيوم واحد، كان وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو عبر في اتصال آخر مع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، عن "معارضة بلاده استمرار مستوى تدفق الأسلحة والذخائر، التي يتم نقلها إلى ليبيا، وأوضحت الخارجية الأميركية، في بيان أن "بومبيو أكد للسراج أيضاً أهمية الوقف الفوري للقتال والعودة إلى الحوار السياسي".
هل تتراجع تركيا؟
الاهتمام الأميركي الملحوظ أخيراً بالتطورات المتسارعة في ليبيا، والمحاذير التي شددت عليها واشنطن، في اتصالات مسؤوليها الأخيرة مع المسؤولين في طرابلس وأنقرة، سوف تسهم في خفض معدل التدخل التركي في ليبيا، خصوصاً في الجانب المتعلق بتدفق السلاح والمقاتلين الأجانب على العاصمة الليبية، خلال الأسابيع المقبلة، بحسب الصحافي الليبي هشام بن صريتي الذي أوضح لـ "اندبندنت عربية" أن "الخطوط الحمراء التي ترسمها الإدارة الأميركية ليست كغيرها، ولا يمكن تجاوزها بالنسبة لرئيس حكومة "الوفاق" الليبية فايز السراج وأردوغان على حد سواء، والرسائل المبطنة التي وجهها ترمب ووزير خارجيته لهما على التوالي، ستغير الكثير من المعطيات والمواقف سياسياً وعسكرياً، في الفترة المقبلة".