قال بيتر ستانو، الناطق الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إن تفشي فيروس كورونا جعل المواجهة بين الولايات المتحدة والصين أكثر حدة، مع اتهامات متبادلة حول من يقع عليه اللوم أو من أين نشأ الفيروس، معترفاً بتزايد الضغوط لاختيار الجوانب، مؤكداً على "ضرورة أن يتبع الاتحاد مصالحه وقيمه، وأن يتجنب أي محاولات لاستغلاله من جانب أو آخر".
وكشف عن تزايد الضغط على الاتحاد للوقوف إلى جانب طرف دون الآخر في تلك المواجهة، وأضاف "يجب على الكتلة الأوروبية أن تتبع اهتماماتها وقيمها، رافضاً استغلالها من جانب أو آخر".
وأكد استعداد الاتحاد الأوروبي لدعم إجراء تحقيق علمي مستقل وشامل في أصول فيروس كورونا، الذي تسبب في أزمة صحية عالمية وصفها بغير المسبوقة وذات التأثير الاجتماعي والاقتصادي بعيد المدى. قائلاً إن الشفافية والبحث العلمي الخالي من القيود أمران حيويان لتحسين نوعية اتخاذ القرار من قبل السلطات العامة في التعامل مع التحديات العالمية مثل فيروس كورونا وضمان الوقاية من مثل هذه الأزمة الصحية الكارثية في المستقبل.
ويرى ستانو أن أزمة فيروس كورونا اختبرت قدرة دول الاتحاد الأوروبي على الوقوف معاً ودعم الدول الأعضاء لبعضها البعض وتقديم إجابة منسقة للعديد من التحديات التي يمثلها الوباء، بما في ذلك الاستعداد لمرحلة التعافي. وقال إن الكتلة الأوروبية ستخرج من الأزمة بشكل أقوى، مع زيادة السيادة، وتجهيزها بشكل أفضل للأزمات والأوبئة الصحية في المستقبل ومعرفة أفضل بنقاط القوة والضعف والاحتياجات الأخرى.
التنسيق الأوروبي لم يكن الأمثل في البداية
واعترف بأن التنسيق في مواجهة تفشي كورونا لم يكن الأمثل في بداية الأزمة، قائلاً إن انتشار الوباء في أوروبا فاجأ دول الاتحاد، لكن التضامن والوحدة بينها أصبحا فيما بعد وسريعاً هما المعيار، وضرب أمثلة على ذلك حيث قدمت ألمانيا أَسِرة المستشفيات للمرضى القادمين من فرنسا وإيطاليا، وكذلك تم توفير معدات الحماية الشخصية من ألمانيا وفرنسا والنمسا إلى إيطاليا.
وتابع "لقد بينت لنا أزمة كورونا أنه لا يوجد خيار آخر سوى توحيد الجهود من أجل كسب المعركة ضد الوباء". قائلاً إن "الاتحاد الأوروبي يتمتع باقتصاد متكامل للغاية، ولن يكون أقوى من هذه الأزمة إلا من خلال توحيده". وأعرب عن ثقته في أن الظروف الاستثنائية التي تعيشها الكتلة الأوروبية ستسمح بإحراز تقدم في بناء كيان سياسي أكثر تماسكاً من أجل مصلحة دول الاتحاد المتبادلة.
كان ذلك رد الناطق الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي، على سؤال عن مستقبل وحدة الاتحاد الأوروبي بعد زوال وباء كورونا، وإن كان الفيروس قد كشف عن انقسام عميق في الوحدة الأوروبية، حيث أكد ستانو على أن العمل مستمر من أجل إنشاء الأدوات والآليات الصحيحة لدعم دول الاتحاد في انتعاشها الاقتصادي، بهدف إعطاء إجابة مشتركة ومستدامة للأزمة، لضمان سلامة وتماسك السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي وازدهار جميع دوله. وقال إن كيفية رد فعل هذه البلدان على الأزمة تشكل قفزة نوعية في المنظمة وتاريخ التضامن الأوروبي.
لا ينبغي تسييس المساعدات الصينية
سألت بيتر ستانو، إن كانت دول الاتحاد ستكون مطالبة بدفع فواتير سياسية واقتصادية للصين التي كانت الأسرع في تقديم المساعدة لها خلال أزمة كورونا، فرد قائلاً، إن "هذا الادعاء غير صحيح في الواقع، فقد كانت هناك مراحل مختلفة منذ تفشي الفيروس. وفي البداية، عندما كانت المستشفيات الصينية غارقة، كان الاتحاد الأوروبي هو الذي جاء وساعد كأول مستشفى، وقدم دعماً مكثفا لبكين من دون الكثير من الدعاية، وفي وقت لاحق، عندما أصبحت أوروبا مركز الوباء، أرسلت الصين إمدادات كبيرة من المعدات الطبية، وتأكدت من أن العالم يعرف ذلك".
وتابع "النقطة الأساسية هي أنه يجب علينا جميعاً إظهار الدعم المتبادل والتضامن الدولي - وقد أثبت الاتحاد الأوروبي دائماً مدى قوة التزامه - مع تجنب تسييس المساعدة الطبية الطارئة. وبالمناسبة، دفعت الدول الأعضاء في الاتحاد لمعظم الإمدادات التي تلقتها من الصين".
الاتحاد الأوروبي يدعم إجراء تحقيق مستقل
وعمّا إذا كان الاتحاد سيدعم دعوات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وعدد من القادة الأوروبيين، لعقد متمر دولي بعد كورونا، يجرِّم الصين ويطالبها بدفع تعويضات طائلة بسبب الخسائر البشرية والاقتصادية التي تسبب فيها الوباء الذي تُتهم بكين بأنها تسترت عليه، قال إن الاتحاد الأوروبي قاد قراراً اعتمدته جمعية الصحة العالمية لمنظمة الصحة العالمية في 19 مايو (أيار) الماضي، يحدد ما يجب أن تكون عليه الاستجابة الدولية المنسقة لانتشار الفيروس، كما يقر بضرورة حصول جميع البلدان على إمكانية الوصول في الوقت المناسب من دون عوائق إلى التشخيصات والعلاجات والأدوية واللقاحات عالية الجودة والآمنة والفعّالة والميسورة من أجل الاستجابة للفيروس، وكذا يشير إلى أهمية الفهم الأفضل للظروف التي سمحت بتطور هذا الوباء، كما ذكر الممثل السامي للاتحاد الأوروبي، نائب الرئيس جوزيب بوريل، والمفوض الأوروبي كيرياكيدس، في بيانهما المشترك بعد اعتماد القرار، "لا يعرف الفيروس حدوداً، ولا ينبغي أن يكون ردنا كذلك. إن تعزيز تعددية الأطراف أصبح الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى. ويؤكد القرار أهمية الاستجابة لهذه الأزمة من خلال التضامن والتعاون المتعدد الأطراف تحت مظلة الأمم المتحدة. ويشير القرار أيضاً إلى ضرورة قيامنا جميعاً بتقييم أدائنا. سيكون من المهم إجراء تحقيق مستقل حول كيفية بدء هذا الوباء وانتشاره، حيث سنحتاج إلى استخلاص الدروس من الأزمة الحالية لتعزيز استعدادنا العالمي للمستقبل".
تمديد القيد المؤقت على السفر غير الضروري
وعن التباين بين القرارات الأوروبية فيما يتعلق بالحجر والتباعد الاجتماعي وفتح المجالات الجوية والسفر بين بلدان القارة وإن كان يشكل تهديداً للاتحاد في توقيت أزمة كورونا، قال ستانو "الوضع الوبائي ليس هو نفسه في جميع البلدان، لذلك لا يوجد نموذج مقاس واحد يناسب الجميع، ومع ذلك، من المهم تنسيق الإجراءات بين الجيران، والقيام بذلك بالتعاون الوثيق مع السلطات الإقليمية والمحلية، فالاتحاد الأوروبي على اتصال دائم مع الدول الأعضاء في هذا الصدد".
وأضاف "في بداية شهر مايو، أعلنت المفوضية الأوروبية الدعوة إلى تمديد القيد المؤقت على السفر غير الضروري إلى الاتحاد لمدة شهر آخر، حتى 15 يونيو (حزيران)، وجميع الدول الأعضاء باستثناء إيرلندا وكل دول شنغن المنتسبة وضعت هذا التقييد، تمشياً مع دعوة اللجنة، ومن المهم أن يتم تنفيذ هذا التقييد بطريقة منسقة".
وتابع "ثم في 13 مايو، قدمت المفوضية الأوروبية نهجاً تدريجياً ومنسقاً لاستعادة حرية الحركة بأمان ورفع الرقابة الداخلية على الحدود، ونعتقد أنه يجب أولاً رفع القيود بين المناطق أو الدول الأعضاء في الاتحاد ذات الحالات الوبائية المتطورة والمماثلة بشكل كافٍ، ولذلك اقترحت المفوضية الأوروبية معايير واضحة وموضوعية للقيام بذلك".
ويؤكد بيتر ستانو، على أن الفهم الشامل لوبائيات جائحة فيروس كورونا أمر أساسي كأساس للسلطات العامة لاتخاذ قرارات مستنيرة تحمي الصحة العامة والاقتصاد العالمي وحرية التنقل. قائلا:" يسمح التحديد المبكر لأية نقاط ضعف في السياسات الصحية المحلية والوطنية والعالمية باتخاذ إجراءات تصحيحية.
عودة 600 ألف أوروبي عالقين في الخليج
وفيما يتعلق بقضية إعادة المسافرين الأوروبيين العالقين في البلدان الخليجية إلى بلدانهم بعد قرار إغلاق السفر في هذه الدول قال ستانو إن "مشكلة الذين تقطعت بهم السبل في الخارج بسبب القيود التي أوجدها فيروس كورونا، شكلت أحد التحديات الرئيسة للاتحاد الأوروبي، وقد أثمرت جهودنا العالمية عن عودة نحو 600 ألف مواطن ينتمون لدول الاتحاد الأوروبي. من المهم التأكيد على أن هذه الجهود كانت تستهدف المسافرين والزوار لفترات قصيرة، وليس مواطني الاتحاد الذين يقيمون في دول أخرى. وعلى أي حال، كان الاتحاد الأوروبي يتعامل مع الوضع في عملية قنصلية غير مسبوقة تم تنسيقها من قبل خدمة العمل الخارجي الأوروبي (EEAS)".
بريطانيا تغادر السوق المشتركة نهاية العام
سألت ستانو، عن شكل العلاقة المستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في ظل التوقف الطارئ للمفاوضات الانتقالية بسبب كورونا، وإن كان القادة الأوروبيون سيتجهون إلى تمديد المفاوضات التجارية وموعد المرحلة الانتقالية، فرد قائلاً "بغض النظر عن جائحة كورونا، يشارك الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حالياً في مفاوضات العلاقات المستقبلية، من خلال التداول عبر الفيديو، وستغادر المملكة المتحدة السوق الموحدة والاتحاد الجمركي في نهاية هذا العام ما لم يتم تمديد الفترة الانتقالية. وللقيام بذلك، يجب اتخاذ قرار مشترك بين الطرفين في اللجنة المشتركة بحلول 1 يوليو (تموز) المقبل".
كورووا اختبار للنظام المتعدد الأطراف
تنبأ العديد من المحللين والخبراء العالميين بثلاث سنوات من الفوضى والحروب والأزمات المالية والغذائية وزيادة أكبر في مستويات الفقر في العالم وتفاقم أزمة المناخ بعد مغادرة وباء كورونا العالم. في هذا الصدد سألت الناطق الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي، إن كان يتفق مع تلك النبوءات التشائمية، وإن كان كورونا قد غيَّر وجه الاتحاد الأوروبي إلى الأبد، فقال إن "تفشي كورونا شكَّل اختباراً لإنسانيتنا، لكنه أيضاً اختبار للنظام المتعدد الأطراف نفسه، فقد بدأ الأمر كأزمة صحية وسرعان ما تحولت إلى أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، وستكون العواقب بعيدة المدى على مستويات عديدة. ويمكن أن يعمق ذلك الصراعات القائمة ويولد توترات جيوسياسية جديدة، إذ يعد الفيروس مُسرِّعاً كبيراً للتاريخ، فهو يقوي الاتجاهات الموجودة بالفعل ويضاعف المشكلات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، هذه هي الأزمة الأخيرة التي نواجهها، وهذه المرة وجودية، لكن الاتحاد كان دائماً قادراً على إثبات مرونته عندما واجه أزمة". ويؤكد "يجب أن نواصل العمل من أجل أوروبا أكثر قرباً وتوحُداً". ويرى أن أزمة كورونا اختبرت قدرة دول الاتحاد على الوقوف معاً ودعم بعضها البعض وتقديم إجابة منسقة للعديد من التحديات التي يمثلها الوباء، بما في ذلك الاستعداد لمرحلة التعافي.
الاتحاد سيخرج أقوى من أزمة كورونا
ويؤكد أن الاتحاد الأوروبي سيثبت للعالم مرة أخرى أن المشروع الأوروبي يتعلق بالسلام والتضامن وليس فقط داخل أوروبا بل أيضاً مع الدول الشريكة. ويضيف "في الواقع، كان الاتحاد يدعم الدول الشريكة في جميع أنحاء العالم للتعامل مع تأثير الوباء، وتنسيق الاستجابة العالمية بشأن هذه الأزمة غير المسبوقة، وبذل كل ما في وسعه لتجنب الفوضى أو انهيار الاقتصادات أو الأزمات الغذائية أو الصراع المستمر والأزمات الإنسانية إلى مزيد من التدهور، كما يدعم البحث العالمي للوصول إلى لقاح وتنظيم مؤتمر للمانحين لجمع الأموال في هذا الصدد". لافتاً إلى أن "الفيروس لا حدود له، ولن يخرج العالم من أزمة كورونا إلا إذا وقف معاً، وقد لعب الاتحاد الأوروبي ولا يزال دوراً كبيراً في هذا الجهد العالمي".
الصين وتوازن المصالح
وأخيراً سألته عمّا يريده الاتحاد الأوروبي من بكين بعد أزمة كورونا، فأجاب "بالنسبة إلينا، الصين شريك، ولدى الاتحاد أهدافه عن كثب، وهي شريك تفاوضي، ويحتاج الاتحاد إلى إيجاد توازن في المصالح، كما أنها منافس اقتصادي يسعى إلى القيادة التكنولوجية".