ملخص
في حوار مع "اندبندنت عربية" يقول عمدة لندن صادق خان إن حرب غزة ارتدت عنفاً في شوارع العاصمة البريطانية، واستغلتها جماعات متطرفة لمصالحها. وبينما يؤكد خان أن المدينة عصية على الكراهية، يشجع العمدة على مزيد من مبادرات الاندماج التي تقوي النسيج المجتمعي بعد أحداث الشغب التي تفجرت في البلاد قبل أشهر، كما يؤكد أن قطاع الأعمال قاوم بقوة كل الأحداث التي مرت على بريطانيا بعد "بريكست".
سألت عمدة لندن صادق خان إن كان يشعر بالخوف وعائلته بعد مرور ثلاثة أشهر على أحداث الشغب التي أشعلها اليمين المتطرف في البلاد، فرد بأن العاصمة البريطانية لا تتساهل مع الكراهية، وأن التنوع مغروس في نسيجها الاجتماعي، بدا رده دبلوماسياً مغلفاً بالغموض، ولكنه متفائل بسكان المدينة في الوقوف ضد أي تطرف يظهر أو يكبر فيها.
يقول خان في حوار مع "اندبندنت عربية" إن العنف والفوضى اللذين استمرا في المدن والبلدات مدة أسبوع خلال الصيف كانا مروعين، فلا مكان في المجتمع البريطاني للعنصرية والإسلاموفوبيا ومعاداة السامية التي شهدتها البلاد حينها بفعل مزيج من تحريض اليمينيين المتطرفين وانتشار معلومات مضللة عبر الإنترنت".
بحسب خان، استهداف المسلمين والأقليات العرقية في تلك الأحداث جعل كثيراً من أبناء تلك التجمعات يشعرون بالقلق على أمنهم، لكنه فخور بأن سكان لندن تجمعوا آلافاً من جميع الخلفيات تضامناً مع الجالية المسلمة واللاجئين وقدموا رسالة واضحة في الوحدة.
التكامل الاجتماعي هو السبيل إلى الخلاص من التطرف ونشجع مبادرات الاندماج
يرى عمدة لندن أن أسرع طرق التخلص من التطرف تكمن في تعزيز التكامل المجتمعي، ومواطن الضعف في هذا المجال تصعب على الناس الذين ينتمون إلى خلفيات مختلفة فهم بعضهم بعضاً، مما قد يؤدي إلى غياب الثقة وانتشار القلق ونمو سياسات الانقسام في المجتمع، ومن هنا يعتقد أنه يتوجب على المدن اتخاذ خطوات استباقية لبناء تكامل مجتمعي أقوى، وهذا يعني "أننا نحتاج إلى تشجيع وتسهيل مبادرات الاندماج بقدر ما نستطيع لتعزيز الروابط المجتمعية وجسور الثقة بين الناس من خلفيات متعددة".
أهمية الاندماج بالنسبة للعمدة تكمن في أنه يساعد في تعزيز الثقة ويتيح للمجتمعات الازدهار من خلال خلق الفرص أمام الناس للتعايش معاً، كما يمكن من خلاله "بناء مدن أكثر لطفاً وتعاطفاً، والتأكد من أن تنوعنا المتزايد يقوي نسيجنا الاجتماعي بدلاً من أن يؤدي إلى تآكله".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الكراهية والتطرف
في سياق الحديث عن التعايش السلمي توقفنا عند جرائم الكراهية التي ارتفعت في لندن كثيراً منذ هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وسألنا العمدة إن يعتقد أن جماعات الإسلام الراديكالي استخدمت حرب غزة لتعزيز حضورها في العاصمة البريطانية.
وفقا لصادق خان كان العام الماضي صعباً جداً بالنسبة إلى كثير من سكان المدينة، وخصوصاً الذين لديهم عائلات وأصدقاء في إسرائيل أو غزة أو الضفة الغربية أو لبنان وعموم الشرق الأوسط، وقد شعر بحزن شديد لرؤية تداعيات العنف في تلك المنطقة تظهر في شوارع لندن من خلال ارتفاع عدد جرائم معاداة السامية والمسلمين.
يؤمن خان بأن جماعات متطرفة استغلت تلك الحرب "لنشر رواياتها البغيضة وتأجيج نار التحيز في البلاد" مما أثار قلق اللندنيين وجعل كثيراً منهم يخشون على أمنهم، لكنه قاد الجهود في الصفوف الأمامية لضمان عدم تسامح الشرطة مع جرائم الكراهية واستثمر مبالغ قياسية في شرطة العاصمة لمكافحتها، فأنفق ملايين الجنيهات الاسترلينية لمواجهة العنصرية والكراهية بكل أشكالها، ودعم مجموعات العمل الشعبي المناهضة للتطرف والإيديولوجيات الراديكالية.
في لندن لا نتسامح مطلقاً مع العنصرية والإسلاموفوبيا ومعاداة السامية وأي شكل من أشكال الكراهية، قال العمدة، وأضاف أنه يفخر بأن اللندنيين منفتحون ومتنوعون ومرحبون بجميع الأديان والخلفيات، وشدد على أن ذلك "منغرس بعمق في نسيج المدينة العظيمة، وهذا السبب في أن أولئك الذين يسعون إلى تقسيم المجتمع لن يفوزوا أبداً".
اقتصاد العاصمة
الأمن والاقتصاد متلازمان في جميع المدن وخصوصاً العواصم، وقد أشارت تقارير عدة أخيراً إلى هجرة الأثرياء من بريطانيا إلى دول أوروبية وكأن لندن باتت أقل جاذبية بالنسبة إلى الأغنياء والاستثمار الأجنبي عموماً.
يرد خان على هذا الوصف بالقول إن لندن كمدينة رائدة وقيادية عالمياً لا تزال محرك الاقتصاد البريطاني، وهو ملتزم ببذل كل جهد لضمان بقائها قبلة جاذبة للاستثمار، فيواظب على دعم العاصمة كوجهة مثالية للأعمال في التوسع والاستثمار محلياً ودولياً، ويشير في هذا السياق إلى قمة الاستثمار الدولي التي استضافتها لندن مؤخرا واستقطبت من خلالها أكثر من 63 مليار جنيه استرليني كاستثمارات في رأس المال.
يقول العمدة إنه التقى أخيراً في نيويورك مع كبار قادة قطاع الأعمال عالمياً، من بينهم مسؤولون في شركات مثل "مايكروسفت" و"أمازون" و"سيلزفورز"، استمع لهم وأعلن لاحقاً أنه للمرة الأولى في تاريخها ستعقد قمة "كونكورديا" الأوروبية في لندن العام المقبل، لتجمع مئات من صانعي السياسات المحلية والإقليمية والدولية وتناقش فرص الاستثمار والشراكة على امتداد العاصمة البريطانية.
في 2025 ستكون لندن أول مدينة أوربية تستضيف الحدث العالمي SXSW الذي يحتفي بالمبدعين في مجالات مختلفة، مما يمثل "فرصة رائعة أمام فئات واسعة من المبدعين للقاء قادة وأرباب الأعمال، كما يشكل إضافة كبيرة للموسيقى البريطانية العالمية والمشهد الإبداعي في البلاد والفعاليات المعروفة عالمياً"، على حد تعبيره.
الشركات الناشئة جمعت استثمارات بأكثر من 20 مليار دولار منذ بداية 2023
يقر خان بأن شركات في لندن عانت نتيجة لأحداث وقعت خلال السنوات الأخيرة مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ثم جائحة كورونا وبعدها الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن قادة الأعمال في العاصمة "أظهروا مقاومة كبيرة للعاصفة وثابروا للتغلب على آثارها، وبفضلهم استمرت لندن في نمو اقتصادي مستدام وخلق فرص العمل وجذب الاستثمار الدولي".
على سبيل المثال جمعت الشركات الناشئة في لندن أكثر من 20 مليار دولار من استثمارات رأس المال منذ بداية 2023، بما فيها أكثر من 8 مليارات خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، وهذا يمثل وفق العمدة، عودة لمستويات ما قبل الجائحة وتجاوزا للتراجع العالمي الحاد الذي أصاب هذا القطاع خلال الوباء.
وينوه خان إلى أن خطة النمو الجديدة للعاصمة سوف تخلق أكثر من 150 ألف فرصة عمل حتى 2028 وترفع مستويات المعيشة لسكان لندن من أجل الوصول إلى "اقتصاد يلائم الجميع"، إذ تجد الشركات الدعم الذي تحتاج إليه، ولا تكون الفرص والإنجاز رهن العرق أو الجنس أو الإعاقة الجسدية أو الدين أو الخلفية الثقافية أو الطبقة الاجتماعية.
بالإشارة إلى "بريكست" لطالما كان عمدة لندن مؤيداً للاتحاد الأوروبي، فسألناه إن كان يدعم إجراء استفتاء جديد على العضوية الأوروبية في المملكة المتحدة.
يقول خان إنه مثل معظم سكان لندن، أراد البقاء في الاتحاد الأوروبي، وقد قاد حملة جادة من أجل ذلك في الفترة التي سبقت الاستفتاء.
ويرى العمدة أن الحكومة السابقة أساءت إدارة مفاوضات "بريكست" مع الاتحاد الأوروبي، وقامرت بمستقبل الاقتصاد وسبل عيش البريطانيين، حيث لم يصوت الناس على الخروج "لجعل أنفسهم أكثر فقراً، أو لمشاهدة أعمالهم تعاني، أو ليعيشوا نقصاً في موظفي خدمات الصحة العامة أو لرؤية الشرطة تواجه اضطرابات مدنية أو ليجدوا الأمن القومي يتعرض للخطر".
يتطلع خان اليوم إلى دعم الحكومة الجديدة في سعيها لإصلاح العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو يعتقد أن من خلال القيادة السياسية القوية يمكن تأمين صفقة أفضل للبلاد.
في لندن وحدها يودي الهواء السام بحياة نحو 4 آلاف شخص سنوياً
إلى جانب جهوده في دعم الاقتصاد، يسجل في إنجازات عمدة لندن مشروع "أوليز" (Ulez) البيئي الذي أثار جدلاً واسعاً منذ تطبيقه عام 2019 ثم توسعته في 2021، فكيف يقيم هذا المشروع اليوم وهل في جعبته خطط بيئية جديدة للعاصمة؟
يفتخر خان بأن لندن اليوم "مدينة قيادية حول العالم بقضايا الاستدامة والبيئة"، صحيح أن توسعة مشروع "أوليز" ليشمل كامل لندن لم تكن سهلة ولكنها كانت عملية صحيحة تماماً برأيه، فالوصول إلى هواء نظيف ليس أمراً ثانوياً، وتلوث الهواء مشكلة بيئية عالمية كبيرة ولها عواقب وخيمة،على حد قوله.
يشير خان إلى أنه في لندن وحدها يودي الهواء السام بحياة نحو 4 آلاف شخص سنوياً، ويسبب أمراضاً تغير حياة الناس، مثل السرطان وأمراض الرئة والربو والخرف لدى كبار السن إضافة إلى "تقزم" الرئتين عند الأطفال.
وبرنامج "أوليز" جعل 95 في المئة من المركبات التي تتحرك بشوارع لندن اليوم تتوافق مع المعايير البيئية، ولا تسجل مخالفات إلا بحق أقل من ثلاثة في المئة بالمتوسط من المركبات، كذلك تظهر البيانات أن "أوليز" يعمل في لندن بصورة أفضل من المتوقع، وجودة الهواء تتحسن بصورة أسرع من بقية مدن إنجلترا، إذ إن انبعاثات الكربون في العاصمة انخفضت بصورة كبيرة عام 2023 مقارنة بما كانت عليه الأوضاع قبل تطبيق البرنامج.
بعيدا عن "أوليز" تمتلك العاصمة اليوم أكثر من 21 ألف نقطة شحن للسيارات الكهربائية تعادل ثلث إجمالي شبكة شحن هذه السيارات في عموم المملكة المتحدة، وقد أكد خان التزامه بزيادة هذا العدد إلى 40 ألفاً بحلول 2030.
في السياق ذاته أشرف خان على رفد النقل العام في العاصمة بأكثر من 1700 حافلة خالية من الانبعاثات السامة، أما بقية الباصات فهي تتوافق مع المعايير البيئية الأوروبية، وعلى رغم ذلك يمضي العمدة نحو تحويل جميع باصات العاصمة إلى "خضراء" تماماً بحلول عام 2030، مما سيوفر ما يقدر بـ5 ملايين طن من الكربون.
مول خان كذلك زراعة أكثر من نصف مليون شجرة في أنحاء لندن، وهذا يشمل نحو 48 ألفاً في موسم الزراعة 2022-2023 ومشروعين رئيسين لإنشاء الغابات وخلق 85 هكتاراً إضافياً من المساحات الخضراء المتاحة للجمهور.
إضافة إلى هذا يدعم صندوق العمدة للتمويل الأخضر، والبالغ قيمته نحو 500 مليون جنيه استرليني، المشاريع منخفضة الكربون والمستدامة والبنية التحتية التي تحتاج إليها لندن لمعالجة الطوارئ المناخية، وفي المحصلة يقول خان "إن تمكن الملايين في لندن من استنشاق هواء أنظف من السابق هو شيء يعتبره دائماً أحد أعظم إنجازاته كرئيس للبلدية".