تواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية عاصفة ضخمة تجتمع فيها الأزمات الصحية، فيما تحاول السلطات أن تحتوي انتشار جائحة فيروس كورونا وأكبر تفشٍّ للحصبة في العالم بالإضافة إلى موجتين من تفشّي وباء إيبولا حالياً.
يؤدي التعطيل والاضطراب الناتج من جائحة كوفيد-19 إلى عرقلة وتأخير استجابة جمهورية الكونغو الديمقراطية للموجة الجديدة من تفشي وباء إيبولا بحسب تحذير المنظمات الإنسانية، فيما تواجه السلطات "سباقاً مع الزمن" في سعيها لاحتواء آخر وباء يضرب البلاد.
فقد أعلنت وزارة الصحة عن موجة جديدة من وباء إيبولا في مدينة مبانداكا الواقعة غرب البلاد يوم الاثنين- وهي الموجة الحادية عشرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ اكتشاف الفيروس للمرة الأولى في العام 1976- وأفادت عن وقوع أربع وفيات وإصابتين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتبعد مدينة مبانداكا، وهي مركز تجاري عديده 1.5 مليون نسمة ويقع على نهر الكونغو، مسافة 620 ميلاً عن مركز تفشي المرض الذي قضى فيه 2200 شخص داخل مقاطعة كيفو الشمالية القريبة من الحدود الأوغندية، حيث أعاق النزاع المسلّح جهود كبح انتشار المرض.
ويضاف تفشي المرض الأخير إلى ما وصفته منظمة الصليب الأحمر بـ"عاصفة كبرى" من الأزمات، إذ يصارع قطاع الخدمات الصحية المحدود أساساً في البلاد بالفعل من أجل مكافحة كوفيد-19، الذي أصاب أكثر من 3000 شخص وأوقع 71 وفاة، بالإضافة إلى أكبر تفشٍ للحصبة في العالم، أودى بحياة 6000 آلاف شخص إلى الحين.
وأشارت السلطات إلى أنّ الوباء الشرقي في كيفو الشمالية، المستمر منذ بداية العام 2018، بدأ بعد أسبوع واحد فقط من انتشاره في مبانداكا التي يمكنها نشر المرض مرة أخرى إلى ما بعد حدود المدينة لأنها مركز نقل وتجارة أساسي.
لذا من المهم للغاية أن يُطبّق برنامج احتواء فعّال من أجل كبح تقدّم الوباء، وبدأ العاملون الصحيون من الحكومة ومنظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بالفعل بمواجهة إيبولا في مبانداكا، ومن المتوقع أن يصل 20 خبيراً إضافياً من الهيئات الثلاث إلى المدينة هذا الأسبوع.
لكن من المنتظر أن تتعثر هذه العمليات وإطار تحرك السلطات الزمني بفعل الاضطراب الذي تسببت به القيود المفروضة جرّاء فيروس كورونا.
وفي هذا السياق، قال روبرت غصن، مدير العمليات الطارئة في الصليب الأحمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية للاندبندنت "يخلّف كوفيد-19 آثاراً واسعة النطاق وبالغة الخطورة. وفي البلدان الضعيفة مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، يتضاعف هذا الأثر".
وبموجب القوانين المفروضة في ظل الجائحة، يجب الحصول على موافقة خاصة من الحكومة تجيز السفر إلى مبانداكا، وقد أفادت اليونيسف بالفعل عن تأخير في عملية نقل مزيد من موظفيها إلى المدينة هذه.
وقال إدوارد بيغبيدير، ممثل اليونيسيف في جمهورية الكونغو الديمقراطية للاندبندنت عن المصاعب هذه "يجب أن أنقل الفريق من غوما ومناطق أخرى إلى مبانداكا لكن يتعيّن عليّ أن أحصل على موافقة اللجنة المختصّة بكوفيد من أجل السماح بذهابنا إلى هناك. وبعد ذلك، يجب الحصول على موافقة جهاز الجمارك الداخلي لأنّ الرئيس أغلق المحافظة".
كما حذّر السيد بيغبيدير من أنّ شروط إخضاع القادمين إلى المدينة لفحص كوفيد-19، وعلى الرغم من كونها ضرورية، تشكل عائقاً إضافياً يقيد استجابة العاملين في المجالين الإنساني والصحي للوباء.
وأضاف "يقتضي فحص الأشخاص الذين سنرسلهم إلى مبانداكا عدداً من الأيام. أعتقد أنه يجب فرض هذه الأحكام على القادمين الجدد إلى المدينة. لكن هذه المسألة تقيّد تحركاتنا وكلما تقيّدت حركتنا تزيد صعوبة تصرفنا بسرعة".
كما أثيرت المخاوف كذلك حول أثر كوفيد-19 في سلسلة الإمداد في البلاد مع تعليق الرحلات من وإلى جمهورية الكونغو الديمقراطية بهدف الحدّ من انتقال الفيروس القاتل.
وأُعيد إمداد مبانداكا نفسها بما يساوي 64 متراً مربعاً من معدات الوقاية الشخصية والمعقّمات والخِيم يوم الجمعة الفائت كجزء من مكافحة فيروس كورونا. ما يعني أنّ السلطات ستتمكن من تحويل هذه الإمدادات لمكافحة إيبولا. لكن بما أنّ حجم تفشي المرض في المدينة غير معروف بعد، على السلطات المحلية أن تكون مستعدة وقادرة على الإعداد للآتي، وفق تحذير الصليب الأحمر.
وقال غصن "لا شكّ في أنّ [انقطاع] سلسلة الإمداد ستمثّل تحدياً. لقد تحضّرنا لها إلى حدٍ ما، ولدينا بعض الإمدادات في البلاد بالفعل. لكنني أدعو البلاد والمنظمات إلى ألا يقتصر اهتمامها على الداخل. فهذا تحدٍ عالمي".
وأعلنت اليونيسيف أنها بدأت بإعادة تدريب وتحديث معلومات موظفيها في الميدان داخل مبانداكا، والعديد منهم كانوا موجودين في المدينة خلال تفشي المرض في العام 2018 وهم يمتلكون الخبرة بالتالي من أجل تقديم استجابة محلية للمرض. وقال السيد بيغبيدير إن هؤلاء الأشخاص سيرسلون إلى المجتمع المحلي من أجل رفع درجة التوعية حول المسألة ونشر المعلومات المتعلقة بإيبولا من خلال الراديو ومكبرات الصوت والملصقات.
وعلى الرغم من أنّ المرض يتسبب بمعدلات وفاة أعلى من تلك التي يتسبب بها كوفيد-19 -إذ يقتل إيبولا نحو 50 في المئة من الأشخاص الذين يصيبهم- وجدت دراسة جديدة أجراها الصليب الأحمر أنّ فيروس كورونا يشكّل مصدر خوف أكبر بكثير بالنسبة إلى بعض المجتمعات السكانية في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولذلك أصرّت المنظمات الإنسانية على أنّ التثقيف سيمثّل نصف المعركة في مكافحة الوباء.
وقال السيد بيغبيدير "يشكّل هذا الموضوع سباقاً مع الزمن بعض الشيء. أظن أنه لو تصرفنا بسرعة كافية وإن أتيحت لنا إمكانية الوصول إلى المجتمع المحلي بشكل كامل وإن أمّنّا كذلك مشاركته الكاملة، يمكننا القضاء على المرض فوراً".
"والخطر هو في أن تنتشر العدوى في كثير من أجزاء المدينة وأن تصل إلى القرى خارجها. ولذلك فالأسبوعان المقبلان مهمان للغاية كي نقضي عليها كلياً".
وقال السيد غصن "يبدأ انتشار الأوبئة بالمجتمعات المحلية وينتهي معها. وفكرة قدرتنا على إيقاف انتشار وباء داخل مجتمع ضدّ إرادة الناس غير مجدية. علينا أن نتحدث إلى السكان في مبانداكا وأن نتفاعل معهم. إن كانوا بحاجة للطعام والعمل كي يستمروا بحياتهم اليومية، كيف نكيّف رسالتنا مع حاجتهم؟ يجب تكييف الإجراءات الاحترازية مع حقيقة معيشتهم".
ويظهر تفشي وباء إيبولا في كيفو الشمالية بوضوح مدى تأثير جائحة فيروس كورونا في تعامل البلاد مع أزماتها الصحية الأخرى.
ففي أبريل (نيسان)، أعلنت جمهورية الكونغو الديمقراطية عن إصابة جديدة بإيبولا قبل 48 ساعة فقط من الموعد المرتقب لإعلانها نهاية تفشي المرض في كيفو الشمالية. ووفقاً للجنة الإنقاذ الدولية، التي تقود استجابة البلاد للفيروس من حيث الإصابة والوقاية، يعود هذا التراجع نسبياً إلى جائحة كوفيد-19.
وقالت كايت موغر، نائبة الرئيس الإقليمي لأفريقيا في لجنة الإنقاذ الدولية للاندبندنت "تأزّمت الاستجابة لإيبولا مع قدوم كوفيد-19. كنا على بعد يومين من الإعلان الذي كان مرتقباً عند نهاية الوباء، ثم ظهرت إصابة جديدة مؤكدة كشفت بعض الضعف في مراقبة الإصابات خلال الأسابيع الماضية".
"ويمكننا أن نعزو ذلك إلى الاختلاف الكبير في البروتوكول بالنسبة إلى فيروس كورونا في ما يعني جمع الناس وتدريبهم وطريقة رفع الوعي- وقد تأثّر تقديم لقاح إيبولا بذلك لأنهم عاجزون عن تقديمه لكثير من الناس في إطار هذه العملية".
وأضاف مدير الاستجابة للإيبولا في لجنة الإنقاذ الدولية بوري جاتا "تواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية ثلاث حالات طوارئ: انتشار كوفيد-19 السريع، واستمرار وباء إيبولا في كيفو الشمالية وتفشي الوباء الجديد في مبانداكا بالإضافة إلى أزمة إنسانية متواصلة".
"على المجتمع الدولي أن يتعاون مع المنظمات العاملة في الميدان وعلى حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية أن تضاعف جهودها وتزيد دعمها لمكافحة انتشار هذه الأوبئة وأن تصل إلى من هم بحاجة ماسّة للمساعدة الإنسانية. قد ينتشر إيبولا بسرعة وآخر ما تحتاجه جمهورية الكونغو الديمقراطية هو تفشي وباء جديد يُضاف إلى الأوبئة الموجودة أساساً التي تحاول أن تقضي عليها".
© The Independent