توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD أن يعاني الاقتصاد البريطاني من أكبر انكماش على مستوى الدول المتقدمة هذا العام، ورجح الأمين العام للمنظمة أنجل غاريا، أن يصل الركود إلى نحو 11.5 في المئة هذا العام أو حتى 14 في المئة إذا ما اجتاحت البلاد موجة جديدة من فيروس كورونا.
وأشارت المنظمة في تقريرها لشهر يونيو (حزيران) الحالي، إلى أن التوقعات بالنسبة إلى المشهد الاقتصادي العالمي يسودها عدم اليقين، ووصف تقرير المنظمة جائحة "كوفيد-19" بالأزمة الصحية العالمية غير المسبوقة في الذاكرة الحية، قائلاً بأنها تسببت في أشد ركود اقتصادي منذ ما يقرب من قرن من الزمان، وتتسبب في أضرار جسيمة لصحة الناس ووظائفهم ورفاههم.
وتركز النظرة العامة لتقرير المنظمة على سيناريوهين محتملين على حد سواء، أحدهما تحدث عن موجة ثانية من الإصابات، مع عمليات الإغلاق المتجددة، قبل نهاية عام 2020، والأخرى التي يتم فيها تجنب تفشٍ كبير آخر للفيروس.
وأشار إلى أن إجراءات الإغلاق التي اتخذتها معظم الحكومات أسهمت في إبطاء انتشار الفيروس وخفض عدد القتلى، لكنها جمدت أيضاً النشاط التجاري في العديد من القطاعات، ووسعت عدم المساواة، وعطلت التعليم وقوضت الثقة في المستقبل.
موجة ثانية من كورونا
ولفت أحدث تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن الطريق إلى الانتعاش الاقتصادي لا يزال غير مؤكد للغاية، وأن العالم عُرضة لموجة ثانية من الإصابات. وتقول المنظمة إن تعزيز أنظمة الرعاية الصحية ودعم الأشخاص والشركات للمساعدة على التكيف مع عالم ما بعد كورونا سيكون حاسماً.
وقال لورانس بوني، كبير الاقتصاديين في المنظمة، إن الآفاق الاقتصادية والاجتماعية في العقد المقبل تعتمد على السياسات القائمة اليوم. وأضاف أن الانتعاش لن يكتسب قوة من دون ثقة، وأن التعافي لن يحصل من دون تعاون دولي. ودعا حكومات العالم إلى اغتنام الفرص لبناء اقتصاد أكثر عدلاً واستدامة، معتبراً أن الازدهار يأتي من الحوار والتعاون على المتسويين المحلي والعالمي.
وذكر تقرير المنظمة أن انتشار وباء كورونا هز جميع أنحاء العالم بطريقة غير عادية، مما يهدد الصحة ويعرقل النشاط الاقتصادي ويضر بالرفاهية والوظائف. وتتحرك معظم أنظمة الرعاية الصحية في جميع دول العالم بسرعة كبيرة للتعامل مع تأثير الجائحة بشكل فعّال للتقليل من انتشار الفيروس وشراء الوقت لتقوية أنظمة الرعاية الصحية. ولفت إلى أن تفشي كورونا أجبر الحكومات على إغلاق قطاعات كبيرة من النشاط الاقتصادي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انهيار النشاط الاقتصادي
وأضاف أن الحكومات والبنوك المركزية وضعت سياسات واسعة النطاق لحماية الأشخاص والشركات من عواقب التوقف المفاجئ للنشاط، فقد انهار النشاط الاقتصادي عبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أثناء الإغلاق، بنسبة تصل إلى 20 إلى 30 في المئة في بعض البلدان وهي صدمة استثنائية. وتم إغلاق الحدود وانخفضت التجارة. في الوقت نفسه، نفذت الحكومات تدابير دعم سريعة وكبيرة ومبتكرة لتخفيف الضربة، ودعم العمال والشركات، حيث تم تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والمالي بسرعة قياسية.
ومع تصاعد الضغط المالي، اتخذت البنوك المركزية إجراءات قوية وفي الوقت المناسب، ونشرت مجموعة من السياسات التقليدية وغير التقليدية تتجاوز تلك المستخدمة في الأزمة المالية العالمية، ما منع الأزمة الصحية والاقتصادية من الانتشار إلى أزمة مالية.
وقال تقرير المنظمة إنه طالما لم يكن هناك لقاح أو علاج متاح على نطاق واسع، سيستمر صناع السياسة في جميع أنحاء العالم في السير على حبل مشدود، وسيكون الإبعاد الجسدي والاختبار والتتبع والعزل الأدوات الرئيسة لمكافحة انتشار الفيروس. وشدد على ضرورة تطبيق اختبارات التتبع والعزل في العالم، والتي قال بأنه لا غنى عنها لاستئناف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. لكن القطاعات المتضررة من إغلاق الحدود وتلك التي تحتاج إلى اتصال شخصي وثيق، مثل السياحة والسفر والترفيه والمطاعم والإقامة لن تُستأنف كما كانت من قبل. ونوهت المنظمة إلى أن الإبعاد الجسدي والعزل والتتبع قد لا تكون إجراءات كافية لمنع تفشي الفيروس مرة أخرى.
في مواجهة هذا الارتياب غير العادي، يقدم هذا المنظور الاقتصادي سيناريوهين محتملين: سيناريو يستمر فيه الفيروس في التراجع ويبقى تحت السيطرة، وآخر تنفجر فيه موجة ثانية من العدوى السريعة لاحقاً في عام 2020.
وهذه السيناريوهات ليست شاملة بأي حال من الأحوال، لكنها تساعد على تأطير مجال الاحتمالات وشحذ السياسات للسير في مثل هذه الأراضي غير المعلومة. كلا السيناريوهين واقعيان، حيث لا يعود النشاط الاقتصادي ولا يستطيع العودة إلى طبيعته في ظل هذه الظروف. وبحلول نهاية عام 2021، ستتجاوز خسارة الدخل أي ركود سابق على مدار المائة عام الماضية خارج زمن الحرب، مع عواقب وخيمة وطويلة الأمد على الأشخاص والشركات والحكومات.
القدرات المالية للدول وجائحة كورونا
وقد سرّع الوباء التحوّل من "الاندماج الكبير" إلى "تجزئة كبيرة"، فقد ظهرت قيود تجارية واستثمارية إضافية، حيث يتم إغلاق العديد من الحدود عبر مناطق كبيرة ومن المرجح أن تظل كذلك، على الأقل جزئياً، طالما استمر تفشي الفيروس. وتتباين الاقتصادات في الدول اعتماداً على وقت ومدى تعرضها للإصابة بالوباء، واستعداد نظام الرعاية الصحية لديها، وتخصصها القطاعي، وقدرتها المالية على معالجة الصدمة.
كما اهتزت اقتصادات الأسواق الناشئة بسبب الأزمة، وتراجعت أسعار السلع، وهددت التدفقات الكبيرة لرأس المال، والتحويلات الهابطة، وأنظمة الرعاية الصحية الضعيفة ونسبة كبيرة من العمال غير النظاميين، قدرتهم الصحية والاقتصادية والاجتماعية على الصمود.
في كل مكان، أدى الإغلاق إلى تفاقم عدم المساواة بين العمال، مع أولئك القادرين على العمل عن بعد بشكل عام مؤهلين تأهيلاً عالياً، في حين أن الأقل تأهيلاً والشباب غالباً ما يكونون في الخط الأمامي، غير قادرين على العمل أو الاستغناء عنهم، مع تفاقم الآثار بسبب عدم المساواة في الوصول إلى التواصل الاجتماعي الحماية.
الديون المرتفعة والفشل التجاري
وحذر تقرير المنظمة من أن مستويات الديون الخاصة مرتفعة بشكل غير مريح في بعض البلدان، وأن مخاطر الفشل التجاري والإفلاس تلوح في الأفق. وقال إنه ستكون هناك حاجة إلى سياسات استثنائية (السير على الحبل المشدود) نحو الانتعاش. وحتى لو ارتفع النمو في بعض القطاعات، سيظل النشاط العام صامتاً لفترة من الوقت. ويمكن للحكومات أن توفر شبكات الأمان التي تسمح للأفراد والشركات بالتكيف، لكنها لا تدعم نشاط القطاع الخاص والعمالة والأجور لفترة طويلة. وسيتعين على رأس المال والعمال في القطاعات والشركات الضعيفة التحرك نحو التوسع، فمثل هذه التحولات صعبة، ونادراً ما تحدث بسرعة كافية لمنع أعداد الشركات المتعثرة من الارتفاع واستمرار فترة البطالة.
زيادة الاستثمار في التقنيات الرقمية والخضراء
وأشار التقرير إلى أن الحكومات ستحتاج إلى تكييف الدعم ومرافقة التحول، مما يسمح بعمليات إعادة هيكلة سريعة للشركات، وتوفير دخل للعمال في الفترات الفاصلة بين الوظائف، وتدريب أولئك الذين تم تسريحهم والانتقال إلى وظائف جديدة، والحماية الاجتماعية لأكثر الفئات ضعفاً. لقد طالبنا سابقاً بزيادة الاستثمار العام في التقنيات الرقمية والخضراء لتعزيز النمو المستدام على المدى الطويل ورفع الطلب على المدى القصير، وهذا الأمر أكثر إلحاحاً اليوم مع تضرر الاقتصادات بشدة، وستشكل سياسات الانتعاش اليوم الآفاق الاقتصادية والاجتماعية في العقد القادم، والسياسات النقدية المتكيفة للغاية والدين العام الأعلى ضرورية، وسيتم قبولها طالما أن النشاط الاقتصادي والتضخم منخفضان والبطالة مرتفعة. ومع ذلك، ينبغي أن يكون الإنفاق الممول بالدين موجهاً بشكل جيد لدعم الفئات الأكثر ضعفاً والاستثمار الضروري للانتقال إلى اقتصاد أكثر قوة، ويجب أن يكون الدعم العام شفافاً وعادلاً.
قواعد شفافة لدعم الشركات
ودعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى ضرورة أن يكون مصدر دعم الشركات من الحكومات بقواعد شفافة، مع خسارة أصحاب السندات والأسهم الخاصة عندما تتدخل الحكومة، بحيث لا تكون مكافآتهم على المخاطرة مفرطة. يجب أن يصاحب تحسين العلاقات بين صاحب العمل والموظف الدعم العام المستمر للعمال والشركات، مما يمهد الطريق لتماسك اجتماعي أقوى وفي نهاية المطاف يحدث انتعاش أقوى وأكثر استدامة.
وأوضحت أنه لن يكتسب التعافي زخماً من دون مزيد من الثقة والتعاون العالمي، ويجب تعزيز الثقة على المستويين الوطني والدولي. لقد ارتفعت معدلات ادخار الأسر في معظم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مع عدم اليقين المرتفع وارتفاع البطالة التي تعوق الاستهلاك. كما تعطل الاضطرابات التجارية وما يرتبط بها من تهديدات لسلاسل التوريد الحد الضروري من عدم اليقين لاستئناف الاستثمار. إن التعاون العالمي لمعالجة الفيروس عن طريق العلاج واللقاح واستئناف أوسع للحوار متعدد الأطراف سيكون عاملاً أساسياً للحد من الشك وفتح الزخم الاقتصادي.
وحث التقرير المجتمع الدولي على ضرورة التأكد من أنه عندما يتوفر لقاح أو علاج يمكن توزيعه سريعاً في جميع أنحاء العالم، وإلا سيبقى التهديد قائماً. وبالمثل، فإن استئناف الحوار البنّاء بخصوص التجارة من شأنه أن يرفع ثقة الأعمال ويفتح شهية الاستثمار.