لو اعتقدتُ للحظة أنه سيُجرى إنقاذ وظيفة بريطانية واحدة من خلال إنفاق نحو مليون جنيه إسترليني (مليون و250 ألف دولار أميركي) من أجل إعادة طلاء طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني بألوان علم المملكة المتحدة، أو لإعادة تشغيل اليخت الملكي "بريتانيا" بتكلفة تبلغ قرابة 150 مليون جنيه إسترليني (188 مليون دولار أميركي)، وهو مبلغ يُعدّ أكثر نفعاً للبلاد من وزارة التنمية الدولية التي أُغلقت أخيراً حسب قول بيني موردونت وزيرة الدفاع البريطانية، فكنت لأوافق بلا أدنى شك. قد تُعتبر التكلفة عالية، نعم، لكن على الأقل سيكون هناك شخص ما في مدنٍ مثل ولفرهامبتون أو داندي أو أولدهام، قادر على تأمين قوته اليومي.
لكن، هذا لن يحدث بالطبع. فالأفكار الأخيرة الهادفة إلى إعادة إطلاق "بريطانيا العالمية"، تظلّ في الواقع مشروعات سخية ومسرفة ومبذرة، وأشبه بألعاب عملاقة في الحقيقة، من النوع الذي كان بوريس جونسون يستمتع في "تبديد" الأموال عليه عندما كان عمدة مدينة لندن، كالحافلات والدراجات والجسور التي تحمل اسمه.
فلا حاجة إلى الصرف على الوجبات المدرسية المجانية للأطفال البريطانيين أو على المياه النظيفة في مالاوي. بل دعونا نقدّم يختاً جديداً إلى آل جونسون كي يستمتعوا بالإبحار على متنه في أرجاء حوض البحر الأبيض المتوسط، وهذا أمرٌ لم نسمع أيّ صرخة احتجاج عليه في أنحاء المملكة المتحدة.
وتبقى مخططات التباهي هذه بعيدةً تماماً عن هدف بناء أصول وطنية جديدة ذات قيمة، بحيث تتمحور حول فئة المسؤولين الأعلى مرتبة الذين يسعون إلى إمتاع أنفسهم. هؤلاء لن يفيدوا المصالح البريطانية بشيء.
فكما حدث في العام 2012 عندما وجد بوريس جونسون نفسه عالقاً على سلك التزحلق في "فيكتوريا بارك"، وهو يلوّح بقطعتي علم المملكة المتّحدة (ربما كانت تلك حيلة متعمّدة كجزء من خطة علاقاته العامة)، ستكون بريطانيا موضع سخرية، كما هي الحال مع طبقتها الحاكمة الراهنة.
إن الفكرة تستهدف، على ما أعتقد، إثارة الإعجاب لدى الأجانب. ففي عالم الأحلام المتعلّقة بالمستقبل، عندما يبحر اليخت الملكي الجديد "بريتانيا" ويدخل بشكل مهيب إلى ميناء هونغ كونغ في وقتٍ يقف فيه كلٌّ من بوريس جونسون وشريكته كاري سيموندز وابنهما ويلفريد لوري نيكولاس في مقدّمة المركب ملوّحين بأيديهم، سيكون الرئيس الصيني شي جين بينغ وأعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني بكاملهم هناك لتحيّتهم، من خلال تأدية انحناءة الاحترام الصينية وتقديم هدية استعادة حقوق الإنسان والحريات، ليس فقط لمواطني مقاطعة هونغ كونغ، بل لجميع مواطني المملكة الوسطى في الصين. ولا بدّ من أنهم سينبهرون، كأسلافهم، بالعظمة الفيكتورية لهذه القوة الآتية من وراء البحار. وربما سيقدّمون حتى "هواوي" هدية لصاحبة الجلالة. وقد يكون الأمير آندرو حاضراً لقبول تلك الهبة.
ويمكن أن تكون العودة على متن الطائرة الرسمية التي جرى تحديث ألوانها بطلاء مبهرج.
والسؤال المطروح هو: ما الاسم الذي يجب أن يُطلق على مهزلة تلك الطائرة الجديدة التي تشبه طراز الممثل المهرّج أوستن باورز Austin Powers؟ (الفيلم الساخر حول عميل الاستخبارات البريطاني Austin Powers).
هل يمكن أن تُسمّى "طائرة رئيس الوزراء المهرّج" Clown Force One؟ أو "حماقة بوريس" Boris’s Folly؟ أو "ثندربيرد 2"؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي إمكانهم أن يحطّوا في طريق العودة إلى بريطانيا بالعاصمة الألمانية برلين. وسيجد هؤلاء الألمان التقليديّون أنفسهم مذهولين، أو ربما مغمورين بكياسة البريطانيّين ونيّاتهم الحسنة، إلى درجة أنهم سيقومون على الفور باستبدال فخر صناعة سياراتهم الرسمية من نوع "مرسيدس" و"بي أم دبليو"، بسيارات "جاغوار" و"رانج روفر" الإنجليزية. وستشعر المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بأنها أكثر أماناً هي الأخرى، ففي نهاية المطاف، إن رئيس الوزراء وكبير مستشاريه دومينيك كامينغز قاما بنفسهما أخيراً باختبار التصادم لهذه السيارات البريطانية الفاخرة.
الدبلوماسية البريطانية كانت تتّسم لفترة ليست ببعيدة، بسمعة مرموقة ومشرّفة. فالممكلة المتّحدة كانت تعتبر وجهة رشيدة يقوم بإدارتها ساسة حكماء، وأمّة تقف مدافعة عن مبادئ التسامح بين سكّانها والسعي الدؤوب إلى تحقيق المصلحة الوطنية، بينما تتمتّع صناعاتها الحديثة ذات المستوى العالمي بسهولة الوصول إلى السوق المنفردة الأوسع على هذا الكوكب. كانت دولة ذات اهتمامات دولية وعطاءات سخيّة أخذت التزاماتها في العالم على محمل الجدّ، بما فيها التنمية الدولية. نحن نتمتّع بالتقاليد، لكن كل ذلك لا يحدّد هويتنا.
أمّا الآن، فنحن بتنا أشبه بتحفة أثرية تلفظ أنفاسها بينما تسعى إلى التحليق في محاولة للحفاظ على بهرجة القوّة والمكانة العالميتين، لكن من دون قوّة اقتصادية أو تأثير دبلوماسي لدعمها. ويشبه الأمر وضع "الإمبراطور" بوكاسا الحاكم السابق لجمهورية أفريقيا الوسطى المنكوبة بالفقر، عندما أنفق ثلث الناتج المحلي الإجمالي لبلاده على حفل تتويج سخيف.
في وضعنا الراهن، ومع الاقتراب السريع من أزمة بطالة كبيرة، لدينا مهرّج تعلّم سابقاً في مدرسة "إيتون كوليدج"، يقود بلادنا نحو الطفولة الثانية للإمبراطورية البريطانية، من خلال إلقاء خطابات فارغة تعد بضخّ زخمٍ لاستعادة تألقنا وعظمتنا، ونبقى آملين أن لا نسمع بقية العالم يهزأ بنا.
© The Independent