بعد نحو ثلاثة أشهر من الإغلاق الذي تراوح بين كليّ وجزئي، عادت، اليوم الأحد، ميادين الحياة العامة في السعودية إلى التنفس مجدداً، إثر رفع منع التجوّل في جميع مناطق البلاد، ضمن الخطة التدريجية التي أعلنتها السلطات مايو (أيار) الماضي، للتعافي من الآثار الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا.
وأعلنت وزارة الداخلية السعودية، أمس السبت، في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية "واس"، رفع منع التجوّل بشكل كامل في جميع المدن، والسماح بعودة النشاطات الاقتصادية والتجارية، مع تأكيد التزام التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة. وشدد البيان على التزام تطبيق جميع البروتوكولات الوقائية الصادرة عن الجهات الحكومية بمختلف فروعها، لضمان عودة سلسة وآمنة بالقطاعين العام والخاص.
ولم تمنع إعادة فتح جميع النشاطات الاقتصادية والتجارية السلطات من تأكيد تطبيق العقوبات المقررة على الأفراد والمنشآت المخالفة القرارات والتعليمات المتعلقة بإجراءات الحدّ من انتشار فيروس، في خطوة لاقت ترحيب الشارع السعودي، وسط تأكيدات أخذ الحيطة والحذر، بينما تواصل البلاد تسجيل أعداد إصابات مرتفعة بفيروس كورونا رغم التراجع الطفيف خلال اليومين الماضيين.
ويبدو أن العودة إلى ما سمّتها الحكومة السعودية في خطتها الشهر الماضي بـ"الحياة الطبيعية"، لن تكون على مقاييس الواقع ما قبل تفشي الوباء، إذ تستلزم الظروف الجديدة للتعايش مع الفيروس اشتراطات وقائية عدة، أورد بيان الداخلية السعودية واحداً من أبرزها، وهو عدم إقامة تجمّعات بشرية، تضم أكثر من 50 شخصاً، مع خضوع جميع الإجراءات للتقييم والمراجعة من وزارة الصحة.
وعلى الرغم من تأكيد البيان تعليق العمرة والزيارة، فإنه لفت النظر إلى مراجعتها بشكل دوري في ضوء المعطيات الصحية، غير أن أمر استئنافها يبدو معقداً في ظل استمرار تعليق الرحلات الدولية والدخول والخروج عبر الحدود البرية والبحرية.
وعلى صعيد القطاع العام، ستكون عودة الموظفين والموظفات إلى مقرات أعمالهم بما لا يزيد على 75 في المئة من إجمالي الموارد البشرية في الجهة الحكومية، على أن يستمر تطبيق ما يُعرف بـ"الدوام المرن"، إذ يكون الحضور مقسّماً إلى ثلاث مجموعات خلال أوقات مختلفة.
وشملت التعليمات الجديدة استمرار الموظفين والموظفات من غير المشمولين بنسبة الحضور لدى الجهة الحكومية بالعمل وفق أسلوب العمل عن بُعد، وهم الفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة. وشددت السلطات على التزام جميع العاملين في مقرات العمل بالقطاعين العام والخاص البروتوكولات الوقائية، المنشورة على موقع المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها، وتطبيق العقوبات النظامية بحق المخالفين التدابير الاحترازية والإجراءات الوقائية.
قطاع الترفيه يستعد
ولم تقتصر عودة الملايين من المواطنين والمقيمين في السعودية إلى حياتهم الطبيعية على الوظائف أو النشاطات الضرورية، بل شملت قطاع الترفيه الذي على الرغم من نشوئه حديثاً، فإنه يحظى بمكانة جيدة لدى الأفراد الذين انقسموا ما بين مرحبٍ وداعٍ إلى التريث، الأمر الذي يبرر عدم تحديد الهيئة العامة للترفيه مواعيد فعالياتها، غير أنها استبقتها بدليل إرشادي نصّ على بروتوكولات جديدة لمدن الملاهي والمراكز الترفيهية وإقامة الفعاليات، استناداً إلى الإجراءات المتعلقة بالتوعية الصحية والتباعد الجسدي والمدة الزمنية للمخالطة وغيرها من المعايير التنظيمية والوقائية.
عودة دور السينما
لكن، الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع المعنية بتنظيم قطاع السينما في السعودية، أعلنت أمس السبت، عودة عروض الأفلام في صالات ودور السينما، في خطوة سترافقها بروتوكولات وقائية خاصة بالاشتراطات والإرشادات المتعلقة بالبيئة والعاملين والزوار والعملاء والترصد الوبائي والإبلاغ والمراقبة، وتضمّنت الإجراءات الجديدة تقليل الطاقة الاستيعابية إلى النصف لكل صالة عرض، ووضع ملصقات أرضية لأماكن الوقوف لمسافة لا تقل عن متر ونصف المتر إلى مترين بمناطق الانتظار، وأماكن بيع التذاكر، ودورات المياه، وتصميم الكراسي أو مناطق الجلوس بطريقة تضمن تطبيق التباعد الاجتماعي.
وحضّت الهيئة بعدما رمت الكرة في ملعب مشغلي دور السينما، على بيع التذاكر من المواقع الإلكترونية لتقليل التزاحم والتجمعات، كما ألزمتها تخصيص مداخل ومخارج معينة، مع وضع منظمين عند الأبواب للتأكّد من سلاسة عملية الدخول والخروج، وفي حالة تسجيل حالة مؤكدة بين أحد العاملين، تُغلق دار السينما ويُعلّق العمل، حتى تباشر الجهات المعنية تطهير الصالات وتهويتها، والتأكد من عدم وجود مصدر آخر للعدوى.
استئناف الحياة الرياضية
وأعلنت وزارة الرياضة السعودية، أمس، عودة نشاط الصالات والمراكز الرياضية، وسط إجراءات وقائية مشددة تشمل استحداث نظام حجز يومي، يسمح لعدد محدود من المستفيدين بالحجز والحضور فترة زمنية محددة، ومنع استخدام الأجهزة الرياضية بالتناوب، بينما وضعت إجراءات متعلقة ببيئة الملاعب، وخصّت بعض الرياضات الزوجية بتعليمات خاصة.
وعلى الرغم من استئناف نشاط الدوري السعودي لكرة القدم في أغسطس (آب) المقبل، فإن حضور الجماهير إلى الملاعب سيظل محظوراً إلى إشعار آخر، وبينما تستعد بعض الأندية لاستئناف تدريباتها، بقي مصير بعض اللاعبين الأجانب العالقين في بلدانهم مجهولاً وسط حظر السفر الدولي، لكن بعض الأندية اتجهت إلى إرسال طائرات خاصة لإحضار محترفيها، وفقاً لما تداولته وسائل إعلام محلية.
4 مليارات دولار لإنعاش السياحة
وعلى الصعيد السياحي، تبدو السياحة الداخلية هي الملاذ الوحيد بالنسبة إلى السعوديين، وسط تردي الأوضاع العالمية بسبب كورونا، إذ كشف وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب، عن أن 80 في المئة من المواطنين يرغبون في السياحة الداخلية، ووعد بإطلاق "البرنامج للجمهور بعد التنسيق مع وزارة الصحة والجهات المعنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن الخطيب استئناف النشاط السياحي في يونيو (حزيران) الحالي، وقال في تصريحات تلفزيونية، "المؤشرات الحالية إيجابية. السعودية مستعدة لإطلاق برنامج الصيف الذي سيكون ثرياً للسياحة الداخلية"، وأوضح أن بلاده "بادرت بتقديم مجموعة نشاطات للتحفيز المالي بقيمة إجمالية تزيد على 61 مليار دولار لحماية الوظائف والأعمال، وتخفيف العبء الاقتصادي للأزمة، واستفاد من ذلك القطاع السياحي المحلي باعتباره أحد القطاعات الاقتصادية المهمة، إذ شمل ذلك دعم 60 في المئة من رواتب الموظفين السعوديين في القطاع الخاص مدة ثلاثة أشهر".
ووسط استمرار مشروعات المدن السياحية الجديدة، مثل نيوم والقدية، لم تدفع السعودية فقط إلى استئناف نشاطات القطاع كما كانت عليه في السابق فحسب، بل أعلنت، اليوم الأحد، نيتها إطلاق صندوق للتنمية السياحية برأسمال أربعة مليارات دولار، عقب ترؤسها قبل أيام أعمال الاجتماع الطارئ للمجلس الوزاري العربي للسياحة لبحث التحديات التي تواجه القطاع، وسُبل تجاوز الجائحة.
وارتفع إجمالي الإصابات بفيروس كورونا في السعودية اليوم الأحد إلى أكثر من 157 ألف إصابة، وسجّلت أكثر من 100 ألف حالة تعافٍ، بينما بلغ إجمالي عدد الوفيات 1267 بعد تسجيل 37 وفاة.
وخففت السعودية إجراءاتها الاحترازية الصارمة في أواخر مايو (أيار) الماضي، عندما أعلنت خطتها التدريجية لاستعادة الحياة الطبيعية على ثلاث مراحل، بدأت بفك القيود المفروضة على بعض النشاطات الاقتصادية، وتخفيف قيود المواصلات داخلياً عبر السماح بالرحلات الجوية الداخلية، بينما شملت المرحلة الثانية تقليل ساعات حظر التجوّل، واستئناف نشاطات القطاعين العام والخاص تحت قيود مشددة، قبل أن تدشن البلاد، اليوم الأحد، مرحلة التعايش الكلي في معركتها المستمرة مع فيروس كورونا.