تم إيقاف عدد من المشروعات التي من شأنها إنقاذ الأرواح خارج المملكة المتحدة قبل إلغاء الوزارة المعنية بتقديم المساعدات الدولية، ما يقوض المحاولات الهادفة إلى منع فيروس كورونا من نشر الفوضى في البلدان الأكثر فقراً في العالم.
وكشفت "اندبندنت" أن "وزارة التنمية الدولية" البريطانية جمَّدت المنح المخصصة لبعض البلدان الفقيرة، على الرغم من أنها هيأت نفسها قبل هذا القرار لإنفاق مليارات الجنيهات الإسترلينية من ميزانيتها، وهذا قبل إلغائها تماما في سبتمبر (أيلول) المقبل.
من جانبهم، يرى الكثير من مسؤولي المؤسسات البارزة في إعانة البلدان الفقيرة أن هذه المبادرة تكشف الأجندة الحقيقية وراء إعلان بوريس جونسون، وهذه تتمثل في تحويل الرساميل المخصصة لمكافحة الفقر إلى تعزيز سياسات الحكومة التجارية والخارجية الهادفة إلى المواجهة مع قوى دولية أخرى مثل مقاومة روسيا.
وحذر هؤلاء من العواقب الوخيمة المترتبة عن هذه الخطوة على البلدان النامية في العالم، حيث يهدد كوفيد-19 بوقوع كارثة إنسانية كبيرة بسبب ضعف منظوماتها الصحية وظروف العيش القاسية فيها.
وفي هذا الصدد، قالت مسؤولة كبيرة في إحدى منظمات الغوث، التي تواجه فقدان 250 ألف جنيه إسترليني من التمويل المخصص لإنجاز عمل في دولة ملاوي، إن "الأفراد سيموتون أو يُدفَعون أكثر إلى حافة الفقر بسبب ذلك".
وأضافت جو هوك، المديرة الإدارية لمنظمة "تيموا" Temwa، "إذا أُوقف التمويل عن البلدان الأكثر فقراً في العالم وسط الجائحة فإن ملايين الناس سيتضررون بشدة من دون شك".
وردد لوري لي، الرئيس التنفيذي لمنظمة "كير انترناشونال" Care International (الرعاية الدولية) هذا النقد قائلاً، "إذا أردنا أن نجعل الأولوية لمكافحة فيروس كورونا وإنقاذ حياة البشر، فإن وزارة التنمية الدولية DfID ستكون آخر مصدر تمويل يمكن منعه. بدلاً عن ذلك، يبدو أنها ستكون الأولى".
كذلك أفاد سايمون أوكونيل، المدير التنفيذي لمنظمة "مرسي كوربس" (فيلق الرأفة) Mercy Corps، التي تكافح فيروس كورونا في 40 بلداً، بأن "هذا هو أسوأ وقت لاتخاذ قرار سريع وخطير كهذا، ويتم على ضوئه إيقاف التمويلات ذات الأهمية القصوى بفضل البيروقراطية والسياسة".
ويشار إلى أن وزارة التنمية الدولية DfID تواجه تقليصات هائلة في ميزانيتها لأن المملكة المتحدة تكرس 0.7 في المئة من ناتجها القومي للمساعدات الخارجية، وبتقلص الاقتصاد على صعيد المملكة المتحدة بنسبة تصل إلى 15 في المئة هذه السنة (بسبب جائحة فيروس كورونا) فإن ميزانيتها التي تبلغ عادة 14 مليار جنيه إسترليني ستتقلص هي الأخرى بشكل كبير.
غير أن الاستهداف اقتصر على تمويل وزارة التنمية الدولية فقط، التي تلعب دوراً أساسياً في مكافحة الفقر، في حين أن الـ27 في المئة من الميزانية المكرسة لتقديم المساعدات الخارجية من قبل الوزارات الأخرى بقيت من دون تغيير.
وهذا التمييز يتوافق مع تنويهات رئيس الوزراء بوريس جونسون الواضحة عن نواياه حين أعلن "دمج" وزارة التنمية الدولية بوزارة الخارجية الثلاثاء الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال جونسون في هذا الصدد متشكياً في مجلس العموم، "نحن نمنح زامبيا معونة مماثلة لما نقدمه لأوكرانيا، على الرغم من أن الأخيرة مهمة للأمن الأوروبي. نحن نعطي عشر مرات أكثر لتنزانيا من ستة بلدان في منطقة البلقان الغربية، التي هي الآن مستضعفة أمام التدخل الروسي".
وعلى ضوء هذا التغيير، أصبح دومينيك راب، وزير الخارجية البريطاني هو المسؤول عن تخصيص المعونات. وهذا ما جعله يقول إن "الإعانة هي جزء من السياسة الخارجية". في حين دعا وزير آخر إلى إنفاقها على بناء سفن حربية جديدة.
وتعتبر "تيموا" Temwa واحدة من بين ما لا يقل عن 30 جمعية خيرية صغيرة، تحصل على منح من دورة التمويل المباشر الرابعة التي تقدمها المملكة المتحدة، لكنها الآن أُوقفت.
ففي رسالة كتبها مستشار حكومي، اطلعت عليها "اندبندنت"، جاء ما يلي، "أصدرت وزارة التنمية الدولية دليلاً يتطلب منا وقف التوقيع على أي ترتيبات للمنح خاضعة للمساءلة حتى إشعار آخر".
بل حتى قبل صدمة وقف التمويل، كان المسؤولون في منظمات الإغاثة شديدي الانتقاد للمملكة المتحدة على فشلها في منع كوفيد-19 من الوصول إلى البلدان الأشد فقراً في العالم.
وفي هذا السياق أشاروا إلى أن المبلغ الضئيل الذي أنفق على رد سريع لم يتجاوز 18 مليون جنيه إسترليني من عطاءات تبلغ قيمتها 200 مليون إسترليني تم تسليمها، بينما مُنعت تلك التخصيصات حتى عن منظمات صغيرة كان لديها برامج مهيأة للتنفيذ.
بدلاً عن ذلك، فإن التمويل طُلب من متبرعين عالميين، وعادة يتميز تنفيذ عمليات كهذه من خلال هذا المصدر ببطء شديد. حسبما ذكر مسؤولون في منظمات للإغاثة، وهذا ما أثار المخاوف لديهم من أن المال لن يصل إليهم حتى نهاية هذه السنة.
وقال لي، الرئيس التنفيذي لمنظمة "كير انترناشونال"، معقباً، "هناك قلق من أن المال لن يصل إلى المعنيين المباشرين وإلى الخطوط الأمامية بالسرعة المنشودة، إذا كنا نريد منع تفشي فيروس كورونا".
وبما يخص مستقبل وزارة التنمية الدولية حذر "لي" قائلاً، "بوضع من هو في أعلى القائمة ومن هو في قاعها على أساس سياسي، سيُستخدم دمجها (بوزارة الخارجية) كفرصة لتحويل المال بعيداً عن مهمة تخفيف الفقر في العالم".
أما ستيفاني دريبر، الرئيسة التنفيذية لجمعية "بوند" (الرابطة) الخيرية Bond، التي تمثل أكثر من 400 منظمة تنموية خارج المملكة المتحدة فقالت، "مع دفع كوفيد-19 ملايين من الناس ليقعوا ثانية في مطب الفقر، نحن في أشد الحاجة إلى معالجة حالات النقص في التمويل".
وكشف استطلاع، قامت به جمعية "بوند" أخيراً، أن 83 في المئة من الأفراد العاملين في منظماتها مقتنعون بأن الإجراءات الطارئة، مثل توفير الماء النقي والصرف الصحي الأولي ومعالجة الجوع، تبقى غير ممولة بشكل هائل.
وكان على أكثر من نصف الجمعيات الخيرية الأصغر حجماً أن تواجه الجائحة من دون مال إضافي.
في المقابل، قال متحدث باسم الحكومة البريطانية، "مثلما قال رئيس الوزراء، ستظل مساعدة المملكة المتحدة على تقليص الفقر عالمياً مركزية لـ"مكتب الكومنولث والتنمية" Foreign, Commonwealth and Development Office الجديد.
وأضاف، أن "الحكومة تبقى ملتزمة بإنفاق 0.7 في المئة من دخلنا القومي على تقديم الإعانة، المثبتة في قانون. ومع ما هو متوقع في انخفاض الناتج القومي الإجمالي هذه السنة، فإن التزامات الإنفاق على المعونات الخارجية تتم مراجعتها في شتى الوزارات".
© The Independent