يحتفل محرك البحث الشهير غوغل اليوم بذكرى الميلاد الـ141 لرائدة تحرير المرأة في مصر هدى شعراوي، حيث تغيرت صباح اليوم أيقونته لتُزيّن بصورتها، وخلفها نماذج مختلفة لسيدات آخريات حصلن على كثير من حقوقهن بفضلها، وغيرها من النساء، اللاتي حملن شعلة النضال لرفع كثير من الظلم، الذي كان واقعاً على النساء في عصور ماضية، ليبدأن المسيرة ولتكملها من بعدهن نساء آخريات في مصر والعالم العربي حتى يومنا هذا.
ولدت نور الهدى محمد سلطان الشعراوي في مدينة المنيا بصعيد مصر في 23 يونيو (حزيران) عام 1879، وتوفيت في 12 ديسمبر (كانون الأول) عام 1947. وتعد رائدة حركة تحرير المرأة في مصر، وواحدة من الناشطات المصريات اللاتي شكلن تاريخ حركة النضال النسوية المصرية من نهايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين.
الحياة المبكرة
هي ابنة محمد سلطان باشا، رئيس مجلس النواب المصري الأول في عهد الخديوي توفيق والسيدة إقبال ذات الأصول القوقازية. وبعد وفاة والدها وهي في سن صغيرة نشأت مع أمها وأخيها في القاهرة، تحت وصاية ابن عمتها علي شعراوي، الذي أصبح الوصي الشرعي والوكيل على أملاك أبيها المتوفى، الذي قامت أسرتها بتزويجها له بعد سنوات رغم فارق العمر الكبير بينهما.
ولأنها كانت ابنة لأسرة من الطبقة العليا، فقد حصلت على دروس في اللغة العربية والفرنسية والتركية وأتمت حفظ القرآن الكريم في التاسعة من عمرها، كما تلقت دروساً في البيانو كعادة بنات الطبقة الراقية، إلا أنها كانت دائماً تعاني تمييزاً كبيراً في المعاملة يحصل عليه أخوها الأصغر لمجرد كونه ذكراً، مما شكّل لها بداية لإدراكها للتميز الواقع ضد النساء في المجتمع الشرقي، الذي اكتمل بحرمانها من كثير من الحقوق والأشياء المحببة لها بعد زواجها دون داعٍ مثل إكمال دروسها ولقاء الصديقات وعزف البيانو، ولم تجد في ذلك إلا تعنتاً ليس له علاقة بالدين أو أخلاق وتقاليد المجتمع.
رحلة أوروبا
سافرت هدى شعراوي إلى أوروبا لتعود مبهورة بنمط حياة المرأة الأوروبية الذي وجدته يختلف تماماً عن حال نظيرتها في الشرق. وتعرفت خلال هذه الرحلة على قيادات فرنسية نسوية لتحرير المرأة، وشجعها هذا الأمر على أن تحذو حذوهم وتحاول نقل أفكارهم إلى مصر.
وقالت، في مذكراتها التي نشرتها دار الهلال في كتاب عن زيارتها لمدارس البنات في باريس، "توجهت لزيارة المدارس الصناعية والتدبير المنزلي للبنات وسرني جداً ما رأيته وأحزنني. سررت لهم وحزنت علينا. فرحت لتقدمهم وتكدرت لتأخرنا. يلزمنا جيل بطوله وعرضه لنحصل على درجتهم إذا مشينا وحذونا حذوهم، ولكن وأسفاه من أين لنا لنتحصل على هذه الروح الحية؟ نثبت في عملنا ونثابر عليه لنصل إلى هذه الدرجة من الكمال".
الانطلاقة الحقيقية للحركة النسوية
تعتبر بدايات القرن العشرين مرحلة الانطلاقة في تاريخ الحركة النسوية بمصر، حيث شهدت الإرهاصات الأولى للوعي النسوي لدى سيدات مثل هدى شعراوي وأخريات على رأسهن نبوية موسى وسيزا نبراوي وملك حفني ناصف حيث شكلن الرعيل الأول من قائدات حركة تحرير المرأة من العادات البالية والمطالبة بحقوقهن المشروعة.
وكانت البداية في انخراط النساء من الطبقات العليا في العمل الخيري وإنشاء الجمعيات لمساعدة المحتاجين التي من خلالها فتح المجال نحو أدوار جديدة تقوم بها النساء شكّلت نواة لقيام جهود منظمة للحركة النسوية.
وبالتواكب مع ذلك بدأت النساء على استحياء في نشر مقالات بالصحف تتناول دور المرأة وسعيها للحصول على حقوقها في التعليم والعمل والميراث إلى جانب عدم تعرضها للظلم في أمور الزواج والطلاق ومحاولة تصحيح مفاهيم مغلوطة تم إلصاقها بالدين دون سند حيث أشرن إلى أن الإسلام يكفل للمرأة الاستقلال التام في التصرف بأملاكها وحقها في البيع والشراء دون تصريح من أحد والاشتراك في أي عمل مالي أو تجاري مثل الرجال إلا أن هذا لا يطبق على أرض الواقع.
وأنشأت هدى شعراوي مجلة "الإجيبسيان"، التي كانت تصدرها باللغة الفرنسية، كما أنشأت بعض الجمعيات الفكرية التي تقدم لقاءات ثقافية للنساء، وكان هذا أمراً جديداً على المجتمع الشرقي. وكانت غالبية مقدمات المحاضرات من النساء الأجانب لعدم جرأة السيدات المصريات على التقدم للحديث أمام جمع من الناس حتى أن هدى شعراوي نفسها تحدثت علناً للمرة الأولى عام ، 191، وكانت في سن الأربعين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دور النساء في الكفاح الوطني
أواخر فترة الحرب العالمية الأولى أسس زعماء الحركة الوطنية حزب الوفد المصري وتصاعدت وتيرة الأحداث السياسية بنفي سعد زغلول إلى الخارج وعملت هدى شعراوي بجانب زوجها، الذي عين نائباً لرئيس حزب الوفد، من خلال حشد النساء والمساعدة في تنظيم أكبر مظاهرة نسائية وخرجت النساء للمرة الأولى في مظاهرات حاشدة منددة بنفي سعد زغلول ليتم بعدها تأسيس لجنة الوفد المركزية للسيدات وانتخبتها رئيسة لها.
في الذكرى الرابعة للمظاهرة الأولى للنساء، التي وافقت 16 مارس (آذار) 1923 دعت شعراوي لجنة الوفد المركزية للسيدات إلى إنشاء جمعية نسوية مستقلة لدعم المرأة والمطالبة بحقوقها، وبالفعل تم تأسيس الاتحاد النسائي المصري، الذي أصبحت أول رئيسة له، ويعتبر نواة كل الكيانات والجمعيات المطالبة بحقوق المرأة في العالم العربي.
ذاعت الأخبار عن الدور الذي بدأت المرأة المصرية في القيام به فيما يتعلق بالأحداث السياسية حتى أن صفية زغلول، زوجة سعد باشا زغلول التي يطلق عليها (أم المصريين)، قد وصلتها هذه الأنباء لترسل إليهم برقية من باريس بتاريخ 28 يناير (كانون الثاني) 1920 تقول فيها، "تأثرت تأثرا عميقاً، أرجو أن تُعدّوني ضمن الشقيقات المصريات اللاتي أعطينكن التفويض للتكلم باسمهن، كانت ساعة مباركة تلك التي وجدتنا مستعدات للمطالبة باستقلال بلادنا رغم كل المخاطر التي تحيط بها، وما كنا لنستطيع أن نعيش في مصر وهي محتلة بعدما ضحى أولادنا الأبرياء بأرواحهم لأجل أن تكون حرة إلى الأبد".
خلع النقاب
عام 1921 وأثناء استقبال المصريين لسعد زغلول العائد من منفاه اتخذت هدى شعراوي قراراً وخطوة جريئة في وقتها، حيث قامت بخلع النقاب علانية أمام الناس. وجاء في مذكراتها، "رفعنا النقاب أنا وسكرتيرتي سيزا نبراوي، وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلم الباخرة مكشوفتي الوجه، وتلفتنا لنرى تأثير الوجه الذي يبدو سافراً للمرة الأولى بين الجموع فلم نجد له تأثيراً أبداً لأن كل الناس كانوا متوجهين نحو سعد متشوقين إلى طلعته".
مؤتمرات دولية
مثلت هدى شعراوي ورفيقاتها مصر في العديد من المحافل والمؤتمرات الدولية، التي توالى ظهورها ليس فقط في مصر، وإنما في العالم أجمع والتقت العديد من كبار الشخصيات في سعيها للحصول على حقوق المرأة وعرض قضاياها حيث عقد أول مؤتمر دولي للمرأة في روما عام 1923، وكان معها نبوية موسى، وسيزا نبراوي صديقتها وأمينة سرها.
وكتبت تقول في مذكراتها، "كان من بين ما حققه مؤتمر روما الدولي أننا التقينا موسوليني ثلاث مرات، وقد استقبلنا وصافح أعضاء المؤتمر واحدة واحدة، وعندما جاء دوري وقدمت إليه كرئيسة وفد مصر عبر عن جميل عواطفه ومشاعره نحو مصر، وقال إنه يراقب باهتمام حركات التحرير في مصر".
بينما عقد المؤتمر النسائي الدولي الثاني عشر بإسطنبول في 18 أبريل (نيسان) 1935، وتكوّن من هدى شعراوي رئيسة وعضوية اثنتي عشرة سيدة، وانتخبها المؤتمر نائبة لرئيسة الاتحاد النسائي الدولي، والتقت في هذا المؤتمر كمال أتاتورك الذي قال إنهن شكلن نموذجاً شجع النساء من كل البلاد على المطالبة بالتحرر.
عقبات ومعارك
خاضت هدى شعراوي وكل الداعيات إلى حصول المرأة على حقوقها المشروعة الكثير من المعارك حيث اختزل كثير من الناس دورها على دعوتها لتحرر المرأة من الحجاب، وهو ما لم يحدث، حيث دعون إلى خلع غطاء الوجه، الذي كان يسمى وقتها "البرقع"، وظهرت في كل صورها تقريباً مرتدية غطاء للرأس كاشفة وجهها فقد كانت دعوات تحرر النساء آنذاك تركز على حق المرأة في التعليم والميراث والعمل وحصول المرأة على حقوقها العادلة فيما يتعلق بأمور الزواج والطلاق والقضاء على التمييز ضد النساء بشكل عام.
وبعد مرور أكثر من قرن من الزمان حصلت المرأة بالطبع على كثير من الحقوق، إلا أنها لا تزال في كثير من المجتمعات تناضل، لاستكمال الحصول على كثير من حقوقها المشروعة وتسير على هَدي المناضلات الأوائل في عالم الحركة النسوية .