يؤكد السفير البريطاني لدى لبنان كريس رامبلينغ أن المنطقة والعالم في حاجة اليوم، ومع الانتقال إلى مرحلة الانفتاح، إلى التعامل مع التداعيات المرتقبة لجائحة كورونا، لا سيما على المستوى الاقتصادي. ويقول في حديث إلى "اندبندنت عربية"، إن هذه الجائحة شكلت صدمة صحية ولكن الأهم اقتصادية، آملاً في أن تشكل القمة العالمية للتغير المناخي المزمع عقدها العام المقبل مناسبة لتقييم هذه المرحلة والعمل من أجل مواجهتها، خصوصاً أنها المحطة الدولية الأولى على هذا المستوى لبريطانيا وهي خارج الاتحاد الأوروبي.
أمضى السفير رامبلينغ عامين في لبنان، بعد أعوام عدة تقلب فيها في السلك الدبلوماسي في عدد من دول المنطقة، مثل مصر والاْردن وليبيا والقدس. وهو ينظر بواقعية عندما نسأله إلى أين تذهب المنطقة، وليس بتشاؤم على حد ما يقول. إذ يجيب بأن كورونا بيّنت كم هو صعب وضع التوقعات، عندما يحصل أمر ويطيحها، حتى لو كان يمكن أن يكون جيداً بقدر ما هو سيّء.
لا يقلل رامبلينغ من التعقيدات التي يشهدها العالم وتترك أثرها على المنطقة، لا سيما مع التراجع الحاد في أسعار النفط. كما أن "ثمة تغيرات ديموغرافية بدأنا نشهدها على مستوى عدد من الدول، وفوق كل ذلك، هناك تحديات أمنية تفرضها المخاوف من عودة المجموعات الإرهابية مثل داعش، فضلاً عن تحديات سياسية نتيجة الضغوط المتنامية في المنطقة، لا سيما في ضوء الاتفاق النووي والوضع الفلسطيني، والسوري واليمني". ويرى أن ثمة "الكثير من الأسئلة الإقليمية التي تحتاج إلى الأجوبة والمعالجات. فصحيح أن جائحة كورونا قد فاقمت هذه الأوضاع، لكن لا يمكن إغفال أنها كانت قائمة قبلها. وأبرزها اليوم تأمين الممرات التجارية الآمنة، والعمل على معالجة التراجع الحاد في أسعار النفط".
هي سنة صعبة بالنسبة إلى الدبلوماسي البريطاني، لكنها لا تمنع الجهود المبذولة على مستوى المملكة في الاستمرار في التزاماتها تجاه المنطقة، مع الاعتراف بأن الدول العربية مدعوة بدورها إلى تحمل مسؤولياتها وعدم الاتكال على الدعم الخارجي كما كان يظن البعض في السابق.
لبنان مدعو إلى تنفيذ التزاماته
في الملف اللبناني، لا يخفي رامبلينغ قلقه من المسار التراجعي الذي يشهده لبنان، وكان بدأ منذ أعوام وتفاقم مع تفشي كورونا. ويقول "نرى اليوم هذا المسار المقلق، وهو يستمر بالحصول، فلبنان يعاني من مشكلات سياسية وأمنية واقتصادية جدية، ولكن التراجع الجدي والمقلق اليوم هو على المحور الاقتصادي والاجتماعي، حيث النمو بات انكماشياً وارتفعت معدلات الفقر والبطالة. وإذا نظرت إلى لبنان كدولة ووطن، فأنا أرى أن هذا الأمر يؤثر في شكل مباشر في كل فرد من أفراد المجتمع. لقد كنا واضحين جداً في رسائلنا بأن الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها في لبنان أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى إذا كان للبنان أن يستجيب لهذه الأزمة الاقتصادية الحادة والانضمام إلى مسار الانتعاش. ونتوقع من الحكومة وصندوق النقد الدولي الاتفاق على إطار واضح قبل البرنامج. ومع ذلك، يبقى أن التمويل الخارجي لن يتدفق، ولن يكون منتجاً للشعب اللبناني، في غياب تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة من قبل السلطات اللبنانية".
الإصلاحات أولاً
يرى رامبلينغ أن السبيل الوحيد لوقف هذا التراجع هو إرساء الإصلاحات المطلوبة داخلياً قبل الخارج. فالمجتمع الدولي يقول هذا الكلام منذ زمن طويل، ونحن، في المملكة، مع التزامنا الكامل دعم لبنان، نردد هذا الكلام، وموقفنا كأسرة دولية واضح ومستمرون به، ولكن لا يمكن الاستمرار من دون إصلاحات، وهذا ما أدى إلى ما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وما دفع الناس إلى النزول إلى الشارع.
يرحب رامبلينغ بقرار الحكومة طلب الدعم من صندوق النقد الدولي، فهذا تقدم جيد في رأيه، وخطوة مهمة. إذ وضعت لها هدفاً، يؤمل أن تستمر فيه، ولكن لا بد من أن يترافق مع الخطوات الإصلاحية. ويقول "نحن نشجع كافة الأفرقاء اللبنانيين على تقديم المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبار آخر، وهذا هو الأهم. كذلك على القطاعات الخاصة والمصرفية والمجتمع المدني وغيرها أن تنظر إلى هذه المصلحة لأن البلد لن يخرج من أزمته طالما هناك فريق ينظر إلى مصلحته الخاصة، وإلا سنظل نرى مزيداً من التراجع".
لبنان في حفرة
وعن الخيارات التي طرحها الأمين العام لـ"حزب الله" لجهة التوجه شرقاً في تعاملات لبنان الاقتصادية، والتهديد بالرد على العقوبات بالقتل، قال "لا أعرف ماذا وراء كلامه، لكن على اللاعبين المحليين أن يتفادوا هذا النمط من التخاطب، وهذا النوع من المعادلات. في نظره، الصورة الإقليمية حاضرة دائماً على المشهد اللبناني في كلامه… ولبنان للأسف في حفرة لن يخرج منها إذا لم ينظر اللبنانيون إلى مصلحتهم الوطنية. وإذا لم يتحقق هذا الأمر، فإن الوضع سيستمر بالتفاقم ولا أستطيع التنبؤ بأي اتجاه ستسير". لكن بالتأكيد المشكلات القائمة لم يعد بالإمكان حلها من دون قيادة جديدة قادرة على مواجهة التحديات، وفقه.
لا يفوت رامبلينغ الفرصة لتجديد التأكيد أن الدعم مهم جداً لمؤسسات الدولة والجيش والقوى الأمنية والمؤسسات التعليمية، كاشفاً عن البرنامج القائم مع وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية لدعم المجتمعات المضيفة، فضلاً عن المساعدات المقدمة للاجئين السوريين. ويرى أن هناك الكثير من العمل المطلوب إنجازه لحل المشكلات ووحدها الحكومة هي القادرة على معالجتها.
ولكن هل تدعم المملكة الحكومة؟ يشير إلى عدة لقاءات ومشاورات عقدها مع رئيس الحكومة حسان دياب وفريقه وفريق السفارة تناولت مجمل الأوضاع، لافتاً إلى أن ثمة أموراً نتفق معها عليها وأمور أخرى لا نوافق عليها. لكن لبنان بلد نريد أن نستمر بالتعاون معه، وسنستمر في العمل مع حكومته لنرى إلى أين يمكن الوصول، ولكننا واضحون في شأن ما نوافق وما لا نوافق عليه. وإذا كان لبنان يريد فعلاً استعادة مسار التعافي والازدهار، فهناك الكثير لنقوم به معاً.
تطبيق العقوبات
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عن الضغط الأميركي المتزايد على لبنان من خلال العقوبات وآخرها قانون قيصر، يؤكد الدبلوماسي البريطاني أن "هذا الموضوع تناولته المملكة المتحدة مع الحلفاء. ثمة أمور نتفق عليها، واُخرى لا تحظى بالتوافق بل نختلف في مقاربتنا لها مع شركائنا الدوليين. نحن لا نفرض عقوبات مثل الولايات المتحدة ولكننا نعمل معاً في أمور عدة".
وأضاف "نحن ملتزمون دعم لبنان كما فعلنا دائماً على مر العقود، حيث بلغ دعمنا العام الماضي أكثر من 200 مليون دولار أميركي في مجالات عدة ولدعم التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية. والقانون الجديد يطال سوريا وليس لبنان، كما أن الولايات المتحدة تعبر دائماً عن دعمها للدولة والشعب اللبناني. لست في صدد شرح السياسة الأميركية ولكن نحن التزامنا واضح ونتكامل مع شركائنا الغربيين أو في دول الخليج، والجميع حريص على أن يجد لبنان طريقه".
مع توسيع مهمات اليونيفيل
هل يتفق رامبلينغ مع القراءة القائلة بأن تحميل "حزب الله" مسؤولية خرق القرار الدولي 1701 يرمي إلى توسيع صلاحيات القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان "اليونيفيل"، ودفع الحكومة اللبنانية إلى تبنيه خلافاً لقرار الحزب؟ يجيب بأن القوات الدولية تقوم بعمل مهم جداً، وتتولى تطبيق القرارات الأممية، والمملكة المتحدة ملتزمة تطبيق هذه القرارات ولكننا نتعامل مع الوقائع وليس مع الفرضيات أو القراءات المختلفة، ويجب أن نبحث دائماً عما يمكن القيام به لدعم مهمات هذه القوات. صحيح أن المنطقة تتمتع بالاستقرار ولكن هذا لا يلغي الضغوط التي تتعرض لها. والمجتمع الدولي يجب أن يستمر في بذل الجهود من أجل الحفاظ على الاستقرار. المحادثات قائمة دائماً على هذا المستوى في مجلس الأمن، والاختلافات في الرأي موجودة ولكن الأهم الاعتراف بأن هناك عدم استقرار يجب أن يعالج.
نفوذ "حزب الله"
ألا يعيق تمدد نفوذ "حزب الله" على مستوى السلطة، رئاسة وحكومة، حصول لبنان على الدعم الدولي لصون استقراره السياسي والأمني، ودعمه اقتصادياً، وهل الدعم الاقتصادي مشروط حصراً بالإصلاحات أو أيضاً بالموقف السياسي للبنان من خارج نفوذ الحزب؟ يؤكد رامبلينغ أن المملكة المتحدة تدعم لبنان وشعبه. ويقول "في العام الماضي اتخذ قرار حظر "حزب الله" بمجمله ليشمل الجناح السياسي. وهذا جزء مهم من سياستنا. أحد أسباب القرار هو أننا رأينا أنهم يعملون ولعدة سنوات في جميع أنحاء المنطقة، في مخالفة مباشرة لسياسة النأي بالنفس، وزعزعة لاستقرار المنطقة. وهم قالوا بأنفسهم أن ليس هناك تمييزاً. وهذا يزعزع استقرار البلد أيضاً".