تسابق الحكومة الجزائرية الزمن لوضع حد للاحتجاجات المتفرقة التي تشهدها بعض المناطق على امتداد البلاد، والتي يبدو أنها من إرث نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وعجّلت جائحة كورونا بظهورها، وقد أربكت حسابات السلطات التي كانت تستعد لمعالجتها بعيداً من الضغط.
احتجاج شعبي وتخوّف حكومي
وتتخوف حكومة عبد العزيز جراد، من توسع رقعة الوقفات الاحتجاجية وخروجها عن السيطرة مع استمرار الأزمة الصحية، التي زادت من حجم المشكلات التي تركتها الحكومات المتعاقبة للنظام السابق، خصوصاً في ظل وقوف جهات وراء إشاعة أفكار وأحكام غير بريئة بأن "كورونا خرافة"، مصحوبة بانتقادات للحكومة على ضعف تسيير الأزمة وعدم تجهيز خطة اقتصادية لمساعدة المتضررين من الإغلاق، الأمر الذي أسهم في تهاون المواطنين بعدم احترامهم إجراءات الوقاية والحجر، وكانت النتيجة ارتفاع عدد المصابين والمتوفين وسط ضغط رهيب على المستشفيات والعيادات الصحية، خلق صدامات عنيفة بين المواطنين والأطقم الطبية، بلغت حد تسجيل إصابات استدعت فرض عقوبات جديدة لحماية مهنيي قطاع الصحة، في مشهد يوحي بأن هناك من يدفع إلى الانفجار.
الوضع الذي عاشته الجزائر، دفع الرئيس تبون إلى انتقاد تراخي بعض المواطنين مع وباء كورونا، وقال إن البعض يريد إيهام غيرهم بأن الوباء مجرد خرافة مختلقة لأغراض سياسية. وعلى الرغم من التغيير الوزاري الأخير الذي حاول من خلاله الرئيس إعطاء نفس جديد للطاقم الوزاري، فإن استمرار الاحتجاجات على تدني مستوى الخدمات ونقص التجهيزات الطبية وتدهور القدرة الشرائية وتوسع دائرة المعوزين جراء الغلق، وتأخر تحويل الأجور، وتوقف عجلة التنمية وارتفاع فواتير الكهرباء والغاز والماء، يكشف عن تخبط الحكومة.
مشكلة إعادة الثقة للمواطن
ويعتبر رشدي شياحي، الأستاذ في الإعلام، في تصريح ل"اندبندنت عربية"، أنه على الرغم من التطمينات التي تقدمها الحكومة للمواطن الجزائري، فإن هذا الأخير بحكم التجربة التي عايشها في العقدين السابقين، لم يعد يصدّق الوعود الحكومية ولا يثق في تطمينات الساسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال إن هذا العبء الثقيل الموروث عن سياسات فاشلة، يصعب التخلص منه بسهولة لرأب الصدع وإعادة الثقة للمواطن من جديد، مضيفاً أنه يفترض أن يكون الرئيس تبون الذي كان وزيراً في حكومات سابقة، على دراية بمكامن الخلل ومدركاً بأن إصلاح ما أفسدته النخب السياسية ليس بالأمر السهل.
ويرى شياحي، أن حكومة عبد العزيز جراد تسابق الزمن من أجل احتواء الاحتجاجات الاجتماعية ومواجهة التحديات الاقتصادية التي وُرثت عن حقبة الحكم السابقة، لكن تواجهها تحديات كبيرة بسبب الوضع الراهن الذي زادته إجراءات مواجهة الوباء التاجي تعقيداً، إذ يشكل رهاناً حقيقياً للحكومة التي أعلنت في ما مضى إحصاءها لمناطق الظل، وأخذت على عاتقها مسؤولية سياسية وأخلاقية للنهوض بها لا سيما في الجنوب الكبير، مشيراً إلى أن القرارات والتوصيات التي خرج بها اجتماع تبون بأعضاء الحكومة قبل أيام لإقرار خطة انعاش اقتصادي، هي اعتراف بضرورة العمل على تغيير الخريطة الاقتصادية كلياً، والتحرر من التبعية للمحروقات بتشجيع الصناعات التحويلية ودعم المؤسسات الناشئة واستغلال مناجم جديدة بمختلف القطاعات.
تبون وطاقم حكومته يسارعون الزمن
وعقد تبون الأحد المنصرم، مجلساً وزارياً اقتصادياً اجتماعياً لمواجهة الضغوط، وتم وضع خطة انعاش اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تقليل الاعتماد على قطاع الطاقة، وفتح الاقتصاد أمام المستثمرين الذين يحجمون عن المشاركة بسبب البيروقراطية وغياب الحوافز. وخصص 20 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد بعد كورونا، وقال إن هذه الخطة يجب أن تحافظ على الطابع الاجتماعي للدولة وصيانة القدرة الشرائية للمواطن خصوصاً الطبقة المستضعفة. وتابع أنه سيجري الكشف عن مزيد من تفاصيل الخطة بعد موافقة الحكومة النهائية في الأيام المقبلة، قبل طرحها على رجال الأعمال لمناقشتها.
في غضون ذلك، يعقد الوزير الأول عبد العزيز جراد السبت المقبل، اجتماعاً لإنشاء لجنة حماية ستُكلف بتقييم الآثار الناجمة عن جائحة كورونا على الاقتصاد، يحضره مختلف الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين.
جائحة كورونا خلطت الحسابات
ويقول الإعلامي المهتم بالشأن الاقتصادي الطاهر سهايلية، في حديث ل "اندبندنت عربية"، إن الغموض والضبابية من السمات والصفات التي يتميز بها النظام الجزائري في شتى المجالات، مبرزاً أن السلطة الحالية لم تتضح لمساتها بعد في التغيير، فممارسات النظام السابق لا تزال تعيشها الجزائر الجديدة. وتابع أنه ربما خلطت جائحة كورونا أوراق السلطة الحالية وحساباتها، لكن يبدو أنها في وضع صعب وغير قادرة على الدفع بعجلة التنمية نحو الأمام وإحداث تغييرات في منهجية العمل والتسيير داخل المؤسسات. وختم قائلاً "حتى لا نكون متفائلين لحد السذاجة، لا يمكن أن تكون سياسة السلطة ناجحة طالما الجبهة الداخلية ضعيفة، ولا يوجد إجماع داخل الطبقة السياسية على مشروع اقتصادي واضح المعالم".