يواصل قادة الاتحاد الأوروبي اجتماعات القمة الأوروبية في بروكسيل السبت، بعد فشل مباحثات استمرّت أكثر من 12 ساعة الجمعة في التوصل إلى اتفاق على تفاصيل خطة إنعاش اقتصادي لدول منطقة اليورو، للتعافي من أزمة وباء فيروس كورونا (كوفيد 19). وفي ضوء الخلافات الحادة حول القضايا المطروحة، لا يتوقع أن تنتهي القمة باتفاق، وعلى الأرجح سيحتاج القادة الأوروبيون إلى الاجتماع مجدداً قبل نهاية الشهر الحالي.
لا تقتصر المناقشات على خطة الإنقاذ بقيمة 857 مليار دولار (750 مليار يورو) التي أعلنتها المفوضية الأوروبية في مايو (أيار) في شكل منح وقروض لدول منطقة اليورو، لدعم اقتصاداتها في مواجهة تبعات أزمة وباء كورونا. إنما تشمل أيضاً مناقشة الميزانية الأوروبية من 2021 إلى 2027، والدول التي تريد الاستثناء من مساهمتها فيها، لأنها تدفع أكثر من غيرها في ميزانية الاتحاد، ولا تحصل على منافع منها.
وحتى الساعات الأولى من صباح السبت لم يتمكّن القادة الأوروبيون، الذين يلتقون للمرة الأولى وجهاً لوجه منذ فبراير (شباط) الماضي، من التوصّل حتى لحل وسط لمسألة حجم حزم الدعم والشروط المرتبطة بها، ناهيك بقواعد توزيعها. أمّا بالنسبة إلى الميزانية الأوروبية، فعلى الأغلب ستحتفظ ألمانيا والدنمارك وهولندا والسويد والنمسا بالاستثناءات الحالية، لمساهماتها في الميزانية، لأنها تدفع أكثر من غيرها.
شرق وغرب وشمال وجنوب
وشهدت الاجتماعات سجالات حادة أظهرت انقسامات متعددة داخل الاتحاد الأوروبي، مع مطالبة دول أوروبا الشرقية والوسطى، مثل المجر وبولندا ورومانيا بأن لا تفرض دول الاتحاد الغنية شروطها عليها بإجحاف. ولم يقتصر الخلاف على تكتلات شرق وغرب أوروبا، بل إنّ دول الجنوب مثل إيطاليا وإسبانيا المتضررة بشدة اقتصاديّاً من وباء كورونا لا تُخفي غضبها من تشدد دول الشمال، مثل هولندا والسويد في المطالبة بقيود صارمة على إنفاق المنح والقروض المقدّمة ضمن حزم خطة الإنعاش الاقتصادي.
ويشعر القادة الأوروبيون بالضغط للاتفاق على حجم حزم الإنقاذ الاقتصادي وطريقة توزيعها وشروطها، بعدما طالبت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد بضرورة الاتفاق عليها بسرعة، وإلا فإنّ التعافي الاقتصادي الأوروبي سيتضرر بشدة.
ويرتبط الاتفاق بحجم خطة الإنعاش بتفاصيل توضح كم من الحزمة سيكون في شكل قروض وخطوط ائتمان للشركات؟ وكم سيكون في شكل منح لا ترد؟ وأيضاً قواعد توزيع المنح والقروض على الدول الأوروبية المختلفة، والشروط المرتبطة بالمخصصات.
حسب الخطة التي أعلنت الشهر قبل الماضي فإنّ نحو ثلثي حزمة الدعم ستكون في شكل منح للدول الأكثر تضرراً من أزمة وباء كورونا، على أن يكون الثلث في شكل قروض ميسّرة. وتقترح المفوضية الأوروبية أن يكون حجم المنح عند 570 مليار دولار (500 مليار يويو)، بينما تعترض النمسا ومعها هولندا ودول من شمال أوروبا على ذلك، وتضع شروطاً قاسية للموافقة على النسبة الأقل عند 354 مليار دولار (310 مليارات دولار)، للمنح التي طرحتها المفوضية الأوروبية في البداية.
شروط وقيود
تقود هولندا الموقف المعارض تقديم المنح للدول المتضررة بشدة من دون قيود صارمة، وتطالب بحق الفيتو على تقديم المنح لدول لا تقوم بإصلاحات هيكلية جذرية في اقتصاداتها، وهو ما تعارضه الدول المتضررة، وتعتبره إجحافاً يشبه الشروط القاسية التي ارتبطت بخطط إنقاذ أوروبية سابقة، كما حدث مع اليونان وغيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحتاج المفوضية الأوروبية إلى اتفاق قادة دول الاتحاد، لتتمكّن من الاقتراض من الأسواق، لتمويل خطة الإنعاش تلك بمئات المليارات. وبدا رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل مستعداً للتوصّل إلى حلول وسط، حتى بتخفيض حجم المنح من خطة الإنعاش بنحو 114 مليار دولار (100 مليار يورو)، وتقسيم المنح على دفعات يكون بعضها مرتبطاً بمدى تنفيذ الحكومات التي تتلقاها إصلاحات اقتصادية واسعة.
لكن، رئيس الوزراء الهولندي مارك روته يصرّ على أن يكون لكل بلد الحق في إيقاف المنح، إذا رأى أنها لا تنفق بشكل صحيح. وتوجد أربعة أعضاء في الاتحاد الأوروبي تتفق مع هولندا بدرجة أو بأخرى، تسمّى "الدول المقتصدة"، أي التي لا تحتاج اقتصاداتها إلى دعم خارجي قوي، لتلافي آثار وباء كورونا، وهي هولندا والنمسا والسويد والدنمارك.
وطرح رئيس المجلس الأوروبي، ليلة الجمعة (السبت)، اقتراحاً لحل وسط، يتضمّن الإبقاء على 30 في المئة من المنح المقدّمة لما بعد العام المقبل، على أن يكون توفيرها مرتبطاً بأداء الاقتصاد خلال هذا العام والعام المقبل 2021.
لكن، بعض الدول تطالب أيضاً بربط المنح بسياسات الحكومات من ناحية سيادة القانون وحرية الإعلام. وهنا شعرت المجر وبولندا بأنهما يمكن أن تتضررا من هذه الشروط، للحصول على المنح والقروض من خطة الإنعاش الأوروبية.
ويعكس فشل القمة الأوروبية في الاتفاق على خطة الإنعاش الاقتصادي، وتقسيمها وطريقة إنفاقها، مدى التباين الحاد بين دول المجموعة، واحتمالات انعكاس ذلك على شكل انشقاقات، وليس فقط تأخّر الانتعاش الاقتصادي. في الوقت الذي قدّرت فيه المفوضية الأوروبية انكماش اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي 8.3 في المئة هذا العام، مقابل تقديرات سابقة بانكماش 7.4 في المئة.