صعد المعدن الأصفر إلى أعلى مستوياته في تسع سنوات اليوم مع نمو الطلب الكبير على الملاذات الآمنة في ظل تصاعد التوترات الأميركية الصينية والتي وصلت إلي أوجها مع إمهال الولايات المتحدة، الصين 72 ساعة لإغلاق قنصليتها في ولاية هيوستن، بذريعة حماية الملكية الفكرية للشركات الأميركية. ورأت فيه الصين "استفزازاً سياسياً" قد يدفعها إلى اتخاذ خطوة ممثالة، في ظل تحضيرات لاحتمالات مواجهة عسكرية بين أكبير اقتصادين في العالم في بحر الصين الجنوبي مما سيؤثر في الاقتصاد العالمي ويدفع المستثمرين بقوة نحو الملاذات الأمنة وعلى رأسها الذهب.
وسجل السعر الفوري للذهب أعلى مستوى له منذ سبتمبر(أيلول) 2011 في المعاملات المبكرة عن 1865.53 دولار للأوقية (الأونصة)، وبلغ 1859.86 دولار بحلول الساعة 1527 بتوقيت جرينتش، مرتفعاً بنسبة 1 في المئة، ويقترب هذا من الإغلاق التاريخي البالغ 1875.25 دولاراً للأوقية في 2 سبتمبر 2011.
وزادت عقود الذهب الأميركية الآجلة 0.6 في المئة إلى 1856.90 دولاراً للأوقية.
المعدن الأصفر في المحافظ
حدد بنك لومبارد أودير السويسري الخاص سبب الاحتفاظ بالمعدن الأصفر الثمين في المحافظ. وشكلت رؤية البنك منعطفاً آخر في الجدل الدائر حول الدور الذي يجب أن يلعبه الذهب في إدارة الثروات .وبحسب البنك، غالباً ما تنشأ قضية الذهب عندما تبدو المخاطر أعلى من المعتاد، أو عندما تندلع المخاوف من تآكل قيمة الأموال "الورقية" الحكومية.
وبحسب تقرير البنك ارتفعت قيمة المعدن النفيس في الآونة الأخيرة عبر جميع العملات الرئيسية مع نمو الطلب العالمي على الاستثمار في المعدن الأصفر كأحد أفضل الملاذات الآمنة خلال تفشي أزمة كورونا.
ودعا البنك السويسري الخاص، المستثمرين إلى عدم إيلاء الكثير من الاهتمام للتغيرات في إنتاج الذهب والعرض. على عكس سوق النفط، وبخاصة في غياب وجود نقص في الذهب، فهناك ما يعادل حوالي 60 عاماً من الإمدادات فوق الأرض بالفعل، وهناك سوق كبير للذهب المعاد تدويره.
طبيعة الذهب في خضم الوباء
ويقول لومبارد أودير السويسري، إن التسهيل الكمي الضخم للبنك المركزي الأميركي - المعروف أيضاً بطباعة النقود - وتأثير الوباء العالمي يخلقان الكثير من المخاطر في ذهن المستثمر، حتى إذا اتضح أن الأموال الجديدة للبنك المركزي يتم مسحها قبل ظهور المشاكل. هذه هي الأصول الكلاسيكية "الملاذ الآمن". يبقى النقاش: الوقت الذي قد يرغب فيه الشخص في الوصول إلى الذهب قد يكون الوقت الذي تحاول فيه الحكومات الاستيلاء عليه - كما حدث خلال الثلاثينيات في الولايات المتحدة.
يرفض الذهب بعناد ترحيله كفئة أصول مهمة، ويقول كبير مسؤولي الاستثمار، ستيفان منير عن قطاع الذهب وحالة الاحتفاظ به: "تغيرت طبيعة سوق الذهب في خضم جائحة كوفيد19- إذ ينفق المستهلكون أقل ويتجه المستثمرون بشكل متزايد إلى المعدن الثمين كمحفظة متنوعة.
ومع اشتداد المخاوف بشأن فيروس كورونا في منتصف مارس(آذار)، سعى المستثمرون إلى السيولة، وارتبطت أسعار الذهب مؤقتاً بأصول أخرى وهبطت. بمجرد أن اتضح للمستثمرين أن العالم يواجه جائحة عالمية، ارتفعت الأسعار تماشياً مع برامج شراء الأصول المالية الضخمة للبنوك المركزية. تاريخياً، وقد يرتفع سعر الذهب عندما تنخفض قيمة الدولار.
الذهب أداة لتنويع المحافظ
عزّزت تدخلات البنك المركزي الأخيرة حالة الاحتفاظ بالذهب كأداة لتنويع المحافظ في هذه المستويات، لماذا تملًك الذهب في محفظة؟ مزيج من عائدات السندات الحكومية المنخفضة إلى السلبية بالإضافة إلى ضعف الدولار الأميركي، والأهم من ذلك، تسكين التضخم للبنك المركزي والذي يدعم الطلب المالي. استمرت هذه العلاقة بين الذهب والعوائد الحقيقية خلال العقد الماضي، بالإضافة إلى ذلك، بينما ينظر المستثمرون في الآثار المترتبة على الوباء على المدى الطويل، فمن المرجح أن ينظروا بجدية أكبر في تعرضهم للديون السيادية وملاءة الحكومات المدينة. هذا يزيد من جاذبية الذهب، والذي، حتى لو لم يولّد أيّ دخل ومكلف للتخزين، فهو لا ينطوي على مخاطر الائتمان.
تراجع التعدين على الذهب بسبب كورونا
كل هذه العوامل تخلق بيئة إيجابية لأسعار الذهب وتضيف إلى عوامل الجذب للمعادن الثمينة كتغطية للمحفظة. في الواقع، قد تثبت هذه البيئة المتكيفة المنخفضة الغلة ثباتاً تاريخياً على المدى الطويل. كتب بنك إنجلترا وصندوق النقد الدولي مؤخراً عن صدمة الأوبئة على الاقتصادات. تظهر كلتا الدراستين، اللتان تعملان مع أدلة تبدأ في القرن الرابع عشر، أن هذه الأحداث تميل إلى خفض أسعار الفائدة الحقيقية ليس لسنوات بل لعقود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معظم أسعار السلع هي التوازن بين العرض والطلب. ولكن في حالة الذهب، تكون التهديدات بالعرض مبالغاً فيها في بعض الأحيان. في عام 2019، انخفض المعروض من مناجم الذهب بنسبة 1 في المئة، وفقاً لمجلس الذهب العالمي. هذا العام، انخفض العرض بنسبة 3 في المئة في الربع الأول حيث أغلقت العديد من المناجم خلال أزمة كوفيد 19. إن الانقطاعات، التي اشتدّت في الربع الثاني، والمصافي المغلقة وسلاسل اللوجستيات الأكثر تعقيدًا أدت إلى تعقيد إمدادات سبائك الذهب والعملات المعدنية.
المجوهرات والبنوك المركزية
يأتي التفسير الأكثر إقناعاً لتحركات الذهب الأخيرة بحسب بنك لومبارد أودير، من مصادر الطلب المتغيرة. ويرى أن الطلب العالمي هو رصيد الإنفاق الاستهلاكي على الذهب المادي والاستثمارات المالية. ويضيف أنه تماشياً مع الانكماش الاقتصادي الواسع النطاق، انخفض الطلب على المجوهرات بشكل ملحوظ خلال الوباء. وانخفض الطلب من الصين الكبرى، التي استحوذت على 28 في المئة من المشتريات في عام 2019 كأكبر سوق في العالم، بنحو الثلثين في الربع الأول. الهند، ثاني أكبر سوق، لا تزال تدير الوباء مع الحجر العام. في ما تستهلك الصين والهند أكثر من نصف استهلاك العالم من الذهب المادي للذهب.
على النقيض من انخفاض الطلب الاستهلاكي، قام المستثمرون بزيادة مشتريات الذهب من خلال الوباء. شهد النصف الأول من عام 2020 شراء الصناديق المتداولة في البورصة رقماً قياسياً بلغ 734 طناً من الذهب بقيمة حوالي 39.5 مليار دولار، بزيادة قدرها 600 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي وأكثر من أي فترة سنة كاملة في التاريخ، وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي.
عكست البنوك المركزية اتجاهها في صافي مبيعات الذهب في 20 عاماً في عام 2010 في أعقاب الأزمة المالية، وظلت منذ ذلك الحين مشترين رئيسيين، وشكلت حوالي 45 في المئة من المعروض الملغوم في الأشهر الستة حتى يونيو(حزيران). ومع ذلك، أبطأت البنوك المركزية مشترياتها هذا العام من المستويات القياسية في 2018 و2019، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن روسيا أوقفت عمليات الشراء في أبريل(نيسان).
رفع المرونة
وقال البنك السويسري الخاص:" لقد قمنا بتكييف نهجنا الإستراتيجي لخلق عرض للعملاء مخصص للذهب. وقال إن المعدن الأصفر يواصل زيادة مرونة المحافظ وتعزيز التنوع في تخصيص الأصول. وأضاف أن النظرة المستقبلية إلى الذهب تعتمد على هذا التحول المستمر في التوازن من الاستهلاك المادي إلى الطلب المالي من المستثمرين. ويعتمد طلب المستثمرين إلى حد كبير على شكل الانتعاش الاقتصادي العالمي، وعلى وجه الخصوص، تطور العوائد الحقيقية. ورجح البنك إنه إذا ما استمرت البيئة ذات العائد المنخفض إلى السلبي تماشياً مع تباطؤ النمو العالمي بسبب الوباء، فمن المرجح أن يعوض هذا الطلب المالي ضعف الطلب الاستهلاكي على الذهب.
نتوقع أن تظل أسعار الذهب مدعومة، وأن يتم تداول حوالي 1600 دولار أميركي/ أوقية سنوياً من الآن، مع تحسن التوقعات للاقتصاد العالمي. سيكون الخطر على ذلك تعافياً اقتصادياً أقوى من المتوقع، ما يُقنع البنوك المركزية على مستوى العالم بأنها تستطيع أن تخفّض أو توقف إنفاقها التحفيزي الاستثنائي على الأصول بأمان. وهذا يعني أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيكون مستعداً عندئذ لزيادة أسعار الفائدة، على الرغم من أنه في عام الانتخابات، والظروف الحالية، لا يزال من الصعب تخيلها.