في إطار المؤشرات الصادمة التي يواجهها الاقتصاد العالمي بالوقت الحالي بسبب تداعيات ومخاطر فيروس كورونا، ومن قبلها التوقعات السلبية التي بدأ الحديث عنها خلال الربع الأخير من العام الماضي، يغرد الذهب ليصبح أكثر الملاذات الآمنة التي حققت مكاسب قياسية من الأزمات المجتمعة حالياً.
وتجاوز سعر الذهب حاجز 1900 دولار للأوقية للمرة الأولى منذ 2011، ليتمكن من تحقيق أعلى تسوية في تاريخه نهاية جلسة الجمعة الماضية. وأخيراً، تكاتف عدد من العوامل لدعم سعر المعدن النفيس، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من تسجيل أعلى مستوى في تاريخه كونه الملاذ الآمن في أوقات التوترات والاضطرابات.
وكان الذهب قد سجل مستوى قياسياً مرتفعاً عند 1910.73 دولار للأوقية يوم 5 سبتمبر (أيلول) من عام 2011، لكنه تجاوز أمس الأول، حاجز 1900 دولار للأوقية للمرة الأولى منذ 2011 قبل أن يسجل تسوية قياسية للجلسة نفسها.
الصدام الأميركي – الصيني يزيد مكاسب الذهب
بالإضافة إلى أزمة كورونا وتداعياتها، فإن هناك أموراً أخرى تدفع المستثمرين نحو المعدن النفيس باعتباره أحد أهم الملاذات الآمنة، وعلى رأسها تفاقم العلاقات بين أكبر اقتصادين حول العالم نحو الأسوأ. وتشير وحدة أبحاث "مباشر"، إلى أن العلاقات الأميركية الصينية تشهد منحنى جديداً، عندما قررت بكين اتخاذ تدابير انتقامية رداً على طلب واشنطن بإغلاق القنصلية الصينية في مدينة هيوستن الأميركية، حيث أعلنت الصين الأمر نفسه لكن بمدينة تشنغدو الصينية.
ولم يكن هذا الصراع هو الأول من نوعه الذي يثير القلق بين صفوف المستثمرين ويدفعهم لتفضيل الأصول الآمنة، حيث ينخرط كلا البلدين في مشاحنات تجارية وأخرى سياسية حول تقييد الحريات بمدينة هونغ كونغ وثالثة تتعلق بالتسبب في تفشي فيروس "كوفيد-19" عالمياً.
وأضفى تصاعد هذه الصدامات بين أكبر اقتصادين حول العالم مزيداً من الوقود في الطلب على الملاذ الآمن، الأمر الذي يعزز جاذبية المعدن، ليكون عند مستوى مرتفع جديد في غضون تسعة أعوام. وعلاوة على ذلك، يوجد المزيد من العوامل الدافعة لسعر الذهب مثل ضعف العملة الأميركية، التي تتداول قرب أدنى مستوياته في 22 شهرا،ً فضلاً عن تدابير التحفيز عالمياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستفاد الذهب من الأداء الضعيف للدولار، حيث يقف مؤشر الدولار الرئيس، الذي يتبع أداء الورقة الأميركية مقابل 6 عملات رئيسة عند أدنى مستوياته منذ أواخر سبتمبر 2018.
ومع حقيقة أن المعدن الأصفر يعتبر بمثابة أداة تحوط ضد التضخم وانخفاض قيمة العملة، فإن المستثمرين يلجأون إليه في ظل حزم التحفيز وضخ السيولة الهائل من جانب البنوك المركزية والحكومات حول العالم، وهو ما يفسر سر مكاسبه رغم صعود أسواق الأصول الخطرة.
وقبل أيام، أقر دول الاتحاد الأوروبي الـ27 عضواً أخيراً صفقة تاريخية للتحفيز عبر ما يسمى بـ"صندوق التعافي" بقيمة 750 مليار يورو (960 مليار دولار)، في حين أن الولايات المتحدة تبحث تمرير حزمة تحفيزية جديدة.
ويعتقد مجلس الذهب العالمي أن استخدام المستثمرين للذهب كاستراتيجية تحوط في المحفظة الاستثمارية عزز أداءه خلال النصف الأول من العام الحالي، ومن المرجح أن يدعم التدافع نحو الملاذ الآمن في بقية العام الحالي.
الذهب يسجل هذا المستوى قريباً
وبحسب التقرير الأسبوعي لـ"بنك أوف أميركا"، فإن صناديق الاستثمار المتداولة للذهب شهدت تدفقات استثمارية داخلة بقيمة 3.8 مليار دولار في الأسبوع حتى 22 يوليو (تموز) الحالي، لتكون ثاني أكبر زيادة أسبوعية على الإطلاق.
ويشهد الذهب اتجاهاً صعودياً في الآونة الأخيرة مدفوعاً بالمخاوف حيال الضربة الاقتصادية من فيروس كورونا، وسط علامات متزايدة على أن استمرار الوباء لفترة طويلة يعطل الانتعاش الاقتصادي.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد العالمي 4.9 في المئة خلال العام الحالي بفعل تداعيات كورونا، التي من شأنها أن تكون أكبر وتيرة منذ فترة الكساد العظيم.
وكل ما سبق يؤكد الحقيقة الثابتة تاريخياً والمتمثلة في أن الذهب يعتبر بمثابة مخزن جيد للقيمة، بالنظر إلى التجربة خلال الأزمة المالية العالمية قبل عقد مضى.
ومنذ بداية 2020 وحتى الآن، بلغت مكاسب الذهب نحو 25 في المئة أو ما يعادل 381 دولاراً، مع حقيقة أن سعر المعدن النفيس كان يبلغ 1523 دولاراً للأوقية نهاية عام 2019. وشهد الذهب مكاسب للمرة السابعة على التوالي في الأسبوع المنتهي أمس الأول، وهي أطول موجة مكاسب أسبوعية منذ 2011.
وفي مذكرة بحثية حديثة، توقع بنك "سيتي غروب"، أن يسجل الذهب مستوى قياسياً مرتفعاً جديداً في غضون من 6 إلى 9 أشهر مقبلة. ويرى البنك الأميركي، أن أسعار الذهب تستفيد من السياسة النقدية التيسيرية وانخفاض العوائد الحقيقية والتدفقات القياسية الداخلة لصناديق الاستثمار المتداولة. ويعتقد أن الذهب سيتجاوز 2000 دولار للأوقية في غضون من 3 إلى 5 أشهر، وأضاف، "أنها مسألة وقت فحسب".
وفي الوقت نفسه، رفع بنك "غولدمان ساكس" احتمالات صعود الذهب إلى مستوى 2000 دولار للأوقية في غضون عام. وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن يصل سعر الذهب لـ5 آلاف دولار للأوقية في غضون من 3 إلى 5 سنوات المقبلة على خلفية المخاوف التضخمية جراء طباعة البنوك المركزية للأموال.
ووفقاً لتقرير حديث لوكالة "بلومبرغ إنتليجنس"، من المرجح أن يستمر صعود الذهب حتى 2021 وسط تزايد المخاطر الجيوسياسية في ظل بيئة من معدلات الفائدة المنخفضة لفترة أطول. في الوقت نفسه، رفعت مجموعة "يو بي إس" توقعاتها على المدى القريب لسعر أوقية الذهب عند 2000 دولار بحلول نهاية سبتمبر المقبل.