خلُصت مراجعة حكومية في المملكة المتحدة، إلى أنّ الأشخاص الذين يعانون زيادة في الوزن أو البدانة معرَّضون بدرجة كبيرة لدخول المستشفى، أو الوفاة عند إصابتهم بفيروس كورونا.
وتأتي هذه النتائج القاسية في وقت دعا بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، إلى "صيف إنقاص الوزن"، و يكشف الوزراء عن خطط ترمي إلى معالجة مشكلة البدانة في المملكة المتحدة.
وكان خبراء لدى "الصحة العامة في إنجلترا" (بي إتش إي) قد وجدوا في سياق مراجعة لدراسات سابقة حول السمنة، أنّ أصحاب الوزن الزائد، الذين يتراوح مؤشر كتلة الجسم (BMI) لديهم بين 25 و29.9، يُعتبرون أكثر عرضة لمواجهة مضاعفات سيئة والحاجة إلى تلقي العلاج في المستشفى، في حال أُصيبوا بفيروس كورونا.
واستنتج الباحثون أنّ الأشخاص الذي يتراوح مؤشر كتلة الجسم لديهم بين 30 و35 يصبح خطر وفاتهم عند إصابتهم بكوفيد- 19 أعلى بنسبة 40 في المئة، فيما يرتفع الخطر نحو الضعف في حال تخطى مؤشر كتلة الجسم مستوى 40، وذلك مقارنة بالمرضى الذين يتمتّعون بوزن صحيّ.
وانتهت المراجعة إلى أنّه على الرغم من أن مؤشر كتلة الجسم يصل إلى 40 أو يزيد على ذلك لدى 2.9 في المئة فقط من سكان المملكة المتحدة، فإن هؤلاء يمثلون نحو 8 في المئة من المصابين الذين يتلقون العلاج في وحدات العناية المركزة نتيجة وصولهم إلى مراحل شديدة الحدة من المرض بسبب كوفيد 19.
ولفتت المراجعة إلى أنه على الرغم من أنّ الوزن لا يؤثِّر بشكل ملموس في خطر الإصابة بفيروس كورونا، ففي مقدور الدهون الزائدة أن تلحق الضرر بالجهاز التنفسي، ومن المحتمل أن تخلّف آثاراً سلبية في الالتهابات وعمل الجهاز المناعي، ما يجعل المريض لقمة سائغة للفيروس الفتاك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول البروفيسورة سوزان جيب، أستاذة "النظام الغذائي وصحة السكان" في جامعة "أكسفورد" البريطانية، التي تولّت عملية تحكيم النظراء التي خضعت لها المراجعة، "أعتقد أنّ ذلك قد أوضح أنّ البدانة لا تمثّل فحسب المشكلة الصحية المزمنة التي طالما عرفناها، ولكنها في الواقع باتت حالياً مشكلة أكثر إلحاحاً بالنسبة إلى المصابين بكوفيد".
وذكرت البروفيسورة جيب أن "كل كيلوغرام" يخسره الأشخاص من وزنهم يُخفض خطر دخولهم إلى المستشفى بسبب فيروس كورونا، مشيرة إلى أنّه من "الواضح جداً" إلى حد ما كلما ازداد الوزن ارتفعت المخاطر.
وأضافت جيب أنه حتى بالنسبة إلى أولئك الذين يعانون زيادة طفيفة في الوزن، ممن يبلغ مؤشر كتلة الجسم لديهم 25، فإن الأمر يستحق "القيام بشيء ما"، للسيطرة على وزنهم. وأوصت بأنه "إذا كان مؤشر كتلة الجسم لديك أعلى من 25، فأنت من الأشخاص الذين يجدر بهم أن يحاولوا إنقاص وزنهم. وإذا كان مؤشر كتلة الجسم لديك في المستوى الصحي أصلاً، عليك أن تتجنّب زيادة الوزن."
إلى ذلك، بيّنت الدراسة أنّ مبيعات محال السوبرماركت من أنواع الـ "سناك" أو الوجبات السريعة، والكحول، شهدت ارتفاعاً، ما قد يعكس حقيقة أنّ المتاجر والحانات والمقاهي كانت موصدة أثناء الإغلاق الذي استلزمته مواجهة "كوورنا" ما حمل الناس على الاستعانة بالوجبات غير الصحية والمشروبات في المنزل.
واللافت أنّه على الرغم من الزيادات في مبيعات الدراجات ومعدات التمارين الرياضية، يبدو أنّ المستويات الإجمالية للنشاط في البلاد انخفضت خلال الجائحة، بحسب ما ذكرت الدراسة.
في سياق متصل، قالت الدكتورة أليسون تيدستون، كبيرة اختصاصيي التغذية في هيئة "الصحة العامة في إنجلترا" إن "من الصعب إنقاص الوزن، بل والأكثر صعوبة الحفاظ عليه، لهذا السبب يعجز الناس عن تحقيق ذلك بسهولة بمفردهم.
من شأن خسارة الوزن أن تؤدي إلى فوائد صحية كبيرة، ويمكنها أيضاً أن تسهم في الحماية من المخاطر الصحية لـكوفيد- 19".
واعتبرت تيدستون أن "الدواعي التي تستلزم اتخاذ إجراءات فعلية من أجل التصدي للبدانة لم تكن في أيّ وقت أقوى مما هي عليه الآن".
وفي مقابلة أجراها معه برنامج "توداي" الذي يبثّه "راديو 4" التابع لـ "هيئة الإذاعة البريطانية" ( بي بي سي) السبت الماضي، قال البروفيسور جون نيوتن، مدير قسم "تحسين الصحة" في "الصحة العامة بإنجلترا"، إنّ ثمة مخاطر واضحة حالياً تتصل بكون المصاب بفيروس كورونا يعاني من زيادة الوزن.
وأوضح البروفيسور نيوتن أن "احتمال دخولك إلى المستشفى يرتفع، ويُرجّح أن تحتاج إلى تلقي العلاج في وحدة العناية المركزة، ونعلم أيضاً أنّه (الوزن الزائد) يفاقم خطر وفاتك، ويسهم في مختلف أشكال التفاوت التي شهدناها (بالمقارنة بالمرضى من أصحاب الوزن العادي)".
وأضاف "مع تقدّم الناس في السن، تزداد البدانة، وكلما تقدّمت في العمر تكون عاقبة كوفيد أكثر سوءاً. بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون في مجتمعات فقيرة، ترتبط البدانة بذلك إلى حد كبير، وتعكس بعض الآثار التي يتركها الحرمان في تداعيات كوفيد، وليس كلها... كذلك بين مجموعات إثنية شتى، فالبدانة تختلف كثيراً من مجموعة إثنية إلى أخرى في هذا البلد، وربما يفسر ذلك بعض الاختلاف في التداعيات بالنسبة إلى المجموعات الإثنية، وليس كله".
ولدى سؤاله عمّا إذا كانت البدانة تمثّل العامل الوحيد الأكثر أهمية المرتبط بالفيروس، أجاب نيوتن "هذه مبالغة على الأغلب، نعلم أن كون المريض يعاني زيادة في الوزن ومصاباً بالبدانة المفرطة، من شأنه أن يجعل حالته أسوأ إذا أصيب بفيروس كورونا".
في هذه الأثناء، دعا رئيس الوزراء يوم الجمعة الماضي، إلى "صيف لإنقاص الوزن"، وذلك في وقت سابق على موجة ثانية محتملة من إصابات "كورونا" قد تشهدها البلاد في الشتاء المقبل. وكشف عن أنّه قد تخلّص شخصياً "من حوالي ستة كيلوغرامات" من وزنه، منذ أن أُدخل المستشفى بسبب كورونا".
ومن المتوقع على نطاق واسع أن الوزراء سيكشفون قريباً عن حملة لمكافحة البدانة في المملكة المتحدة، فيما تصف هيلين واتلي، وزيرة الرعاية الاجتماعية، أيضاً البدانة بـ"أحد أكبر التحديات الصحية التي نواجهها في البلاد، إن لم تكن أعظمها".
وقالت واتلي لبرنامج "بريكفاست" الذي تبثه "بي بي سي" يوم الجمعة الماضي، إنّ نصف البالغين في البلاد يعانون من الوزن المفرط، وواحداً من كل خمسة أولاد يكون مصاباً بالسمنة عندما يتخرج في المدرسة الابتدائية.
ورحبت مجموعات الصحة العامة بالقيود التي أُفيد بأن المقترحات الجديدة ستدعو إلى فرضها على "الإعلانات والترويج المستمرين للأطعمة غير الصحية". بيد أنّ عدداً من الأطباء نبّهوا إلى أنّ جهوداً حكومية "حازمة ومستدامة" باتت ضرورية لمحاربة مشكلة البدانة، لاسيما بعد إطلاق وعود سياسية بقيت حبراً على ورق في السابق.
في هذا الصدد، قالت كارولين سيرني، من "التحالف الصحي للبدانة" إن "ثمة أدلة قاطعة على أنّ عمليات الإعلان عن الوجبات السريعة تؤتي ثمارها... لذا، عندما تهيمن إعلانات الأطعمة والمشروبات غير الصحية على التلفزيون في وقت ذروة المشاهدة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بينما تكافح الأمة للحفاظ على وزن صحيّ، فإن ذلك يعتبر مشكلة".
وتعرب سيرني عن اعتقادها بأنّ "تحفيز صناعة الأغذية على تقليل كمية السكر والدهون والملح من منتجاتها" سوف "يعود بالخير على الجميع".
ليس بعيداً عن ذلك، قال البروفيسور دام بارفين كومار، من "الرابطة الطبية البريطانية" إنّ "الحكومات المتعاقبة أحجمت عن إرساء نُظم فاعلة لفترة طويلة جداً"، مضيفاً "علينا أن نضع إستراتيجية شاملة ومدعومة بموارد كافية للتأكد من أنّ صحة الأمة تمثل، من الآن فصاعداً، الأولوية".
ويعتقد تام فراي، رئيس "المنتدى الوطني للبدانة"، أنّ المقترحات غير كافية، وأنّ ثمة حاجة إلى "نهج شامل يحوي كل شيء في الحياة يؤثِّر في البدانة".
لكنّ الوزراء واجهوا رد فعل عنيفاً من قبل صناعتَي الأغذية والإعلان، اللتين فتحتا جبهة جديدة في المعركة بين الصحة العامة والاقتصاد، في المملكة المتحدة.
في هذا المجال، وصف "اتحاد الأغذية والمشروبات" المقترحات بأنّها تمثِّل "صفعة على وجه" صناعة تكافح أصلاً في خضم هذا الوباء. وقال رئيس الاتحاد تيم ريكروفت "يمكن أن نرى حظراً على الترويج لأغذية كصلصة الخردل والنعناع قبل أيام من إطلاق حملة وزير المالية "تناولوا الطعام خارج المنزل كي تقدموا المساعدة"... يمكن أن تكون لدينا مسابقة "إعداد المخبوزات البريطانية العظيمة" التلفزيونية في وقت لا يُسمح ببث إعلانات تروّج لقوالب الحلوى".
أما ستيفن وودفورد، الرئيس التنفيذي لـ"جمعية الإعلانات" البريطانية، فقال "نعتقد أنّ على الحكومة أن تركِّز على مسائل تجدي نفعاً، وليس على أمور تعتبر مبادرات تستأثر بالعناوين الرئيسة التي تدفع الصناعة ثمنها في الواقع، ما يعني أنّ الوظائف ستختفي وسيلحق الضرر بالازدهار".
(أسهمت "برس أسوسييشن" في إعداد التقرير)
© The Independent