يتهدد الخطر مرةً جديدة "رئة العالم". إذ أفاد "المعهد الوطني لأبحاث الفضاء" في البرازيل، المؤسسة البحثية التابعة لـ"وزارة العلوم والتقنية والابتكار" في البرازيل، بأن البيانات التي رصدها تشير إلى زيادة الحرائق المدمرة في منطقة غابة الأمازون بمعدلات صادمة بلغت حوالى 28 في المئة بالمقارنة مع ما كانت عليه في العام الماضي.
وسجل هذا المعهد 6803 حرائق في غابات الأمازون المطيرة الشهر الماضي، بالمقارنة مع 5318 حريقاً في الشهر نفسه من عام 2019.
وقد رُصِدَت هذه الزيادة الهائلة قبل حلول "الموسم التقليدي" لاندلاع الحرائق في المنطقة الذي يبدأ عادةً في شهر أغسطس (آب)، في وقتٍ تضاعفت المخاوف من أن تشهد البرازيل طفرةً أخرى مماثلة لتلك التي شبت خلال أغسطس 2019. وآنذاك، وثق معهد البحوث اندلاع 30900 حريق، فكانت الحصيلة الأعلى في إثني عشر عاماً.
وفي تحليل أجرته مجموعة تابعة لـ"منظمة السلام الأخضر في البرازيل" غير الحكومية المدافعة عن البيئة، تبين أن عدد الحرائق المستعرة في غابات الأمازون في 30 يوليو (تموز) الفائت تجاوز الألف حريق، ما يشكل أعلى رقم ليوم واحد خلال هذا الشهر منذ 2005.
في ذلك الصدد، وصفت آن ألينكار مديرة القسم العلمي في "معهد الأمازون للأبحاث البيئية في البرازيل" في تصريح أدلت به إلى وكالة "رويترز"، تلك الظاهرة بأنها "مؤشر يدعو إلى الهلع". ونبهت أيضاً إلى أنه "يمكن أن نتوقع من الآن أن يكون أغسطس شهراً عصيباً، وسبتمبر (أيلول) أسوأ أيضاً".
وتأتي هذه الزيادة الحادة في عدد الحرائق، وسط قلقٍ محلي ودولي من دعوات الرئيس اليميني القومي جايير بولسونارو إلى تمهيد الأراضي في منطقة الأمازون البرازيلية عِبْرَ حرق الأشجار، بذريعة الدفع قدماً بالتنمية الاقتصادية.
وتوازياً، اتهم ناشطون مدافعون عن البيئة الرئيس بولسونارو بالمسؤولية عما يحصل، بسبب دعواته إلى فتح الأدغال الاستوائية أمام الحطابين لقطع الأشجار بشكلٍ غير قانوني، ودفعه عمال المناجم والمضاربين إلى القضاء على الغابات، وذلك انطلاقاً من رؤيته الهادفة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية في المنطقة.
في المقابل، رد الرئيس البرازيلي على منتقديه بأن خططه لاعتماد التعدين والأنشطة الزراعية في المحميات الخاضعة لرعاية السلطات، شكلت وسيلة في انتشال المنطقة من الفقر. لكن في 16 يوليو، حظرت الحكومة إشعال النيران في أراضي بانتانال الرطبة وفي غابة الأمازون لمدة أربعة أشهر.
وإضافةً إلى ذلك، أصدر بولسونارو في مايو (أيار) الفائت أمراً بحشد وحداتٍ من الجيش البرازيلي للعمل على تنسيق الأنشطة المدافعة عن البيئة في منطقة الأمازون. من جهة أخرى، أشار خبراء إلى أن معدل ارتفاع الحرائق يدل على أن استجابة الحكومة لم تكن فاعلة، محذرين من احتمال أن يؤدي موسم الجفاف المرتقب هذه السنة إلى نشوب حرائق أكثر عدداً من العام الماضي.
وفي المقابل، أوضح كارلوس نوبري الباحث في "معهد الدراسات المتقدمة" في "جامعة ولاية ساو باولو"، أن مؤشر إزالة الغابات ظل مرتفعاً هذه السنة حتى يوليو، بالمقارنةً بالعامين الماضيين. وقال "يمكننا أن نستخلص من خلال البيانات المتوافرة حتى نهاية يوليو، مدى المحدودية في فاعلية التدابير التي اتخذتها الحكومة للحد من الحرائق وإزالة الغابات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في نفسٍ مماثل، اعتبر كارلوس ريتل، أحد كبار الزملاء في "معهد دراسات الاستدامة المتقدمة" في ألمانيا، في تصريحٍ إلى وكالة "أسوشيتد برس"، أن الاتجاهات في منطقة الأمازون مثيرة للقلق. وأشار إلى أن "الاتجاه هذه السنة يتمثل في أن يكون الموسم أكثر جفافاً من 2019، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في انتشار رقعة الحرائق".
وعلى نحوٍ مماثل، أكدت منظمة "حماية الأمازون" غير الحكومية، عبر وكالة "رويترز"، أنها رصدت نشوب 62 حريقاً كبيراً خلال العام الحالي، بداية من 30 يوليو.
وكذلك أوضح مات فينر الذي يرأس مشروع رصد الحرائق التابع لتلك المنظمة غير الحكومية، أن عدداً من تلك الحرائق اندلع بعد 15 يوليو، عندما دخل قرار حظر إشعال النار في الغابات حيز التنفيذ، ما يشير إلى أن هذا القرار لم يجرِ التقيد به بالكامل.
واستطراداً، أفاد فينر بأن معظم الحرائق الكبيرة التي تشير المستويات المرتفعة من الجزيئات الصلبة في دخانها إلى وجود كمياتٍ كبيرة من الكتل الحيوية المحترقة، اندلعت في مناطق أُزيلَتْ الغابات منها أخيراً، في حين لم يُعثر على أيٍ من تلك المواد في الغابات البِكر.
وفي العادة، يعمد المجرمون إلى انتزاع أخشابٍ قيمة من الأدغال، قبل إضرامهم النيران في الأراضي بهدف زيادة قيمتها عبر تخصيصها للزراعة وتربية المواشي. وفي مقلب مغاير، تعتبر الحرائق الطبيعية نادرة جداً في مناطق غابات الأمازون.
وفي 2019، وصلت إزالة الغابات إلى أعلى مستوى لها في أحد عشر عاماً، إذ ارتفعت بـ25 في المئة إضافية في النصف الأول من 2020.
وفي تطور متصل، أكد علماء في "الوكالة الوطنية (الأميركية) للطيران والفضاء" ("ناسا")، في وقت سابق من هذا الشهر، أن ارتفاع درجات الحرارة السطحية في شمال المحيط الأطلسي في 2020، أدى إلى سحب الرطوبة من منطقة الأمازون في جنوبه.
وأوردت وكالة "ناسا" على موقعها الإلكتروني، أنه "نتيجة لذلك، تصبح المساحات الطبيعية الخضراء في الأمازون الجنوبية، جافةً وقابلة للاشتعال، ما يجعل الحرائق المفتعلة من قِبَلْ البشر وتمهيد الأراضي بقصد الزراعة وتجارتها، أكثر تزايداً وأوسع انتشاراً وأشد صعوبةً في السيطرة عليها".
(ساهمت وكالات أخبار في إعداد محتوى هذا التقرير)
© The Independent