تشير أصابع الاتهام إلى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بعد تصاعد الأحداث خلال الأيام الماضية على خلفية حل نقابة المعلمين، إذ شهدت معظم المحافظات سلسلة احتجاجات متواصلة وتتهم الحكومة، الجماعة بقيادة وتأجيج الأزمة في وقت تتوالى فيه المطالب بإقالة حكومة عمر الرزاز مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وتقول مصادر لـ"اندبندنت عربية" إن "الحكومة الحالية لا يمكنها أن تقوم بإجراء الانتخابات النيابية المقبلة في ظل التوتر في الشارع، وإن المرحلة المقبلة تتطلب حكومة جديدة قادرة على احتواء الموقف ونزع فتيل الأزمة لإنجاح الانتخابات".
وتدلل المصادر على ذلك بحجم الهتافات الغاضبة التي طالت الرزاز وطالبت بإقالته، بعد ما نجحت تيارات حزبية بتحويل التظاهرات إلى احتجاجات شعبية ناقمة على الحكومة.
كانت الحكومة الأردنية استعادت جزءاً من شعبيتها بعد عدة إجراءات اتخذتها مع بدء جائحة كورونا في البلاد، لكنها لاحقاً جوبهت بالعديد من الانتقادات تحت وطأة الظروف الاقتصادية.
ووفقاً لنص المادة 74 من الدستور، فإن "الحكومة التي يُحل مجلس النواب في عهدها تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها".
يشار إلى أن حكومة الرزاز تحمل الرقم 101 منذ إعلان استقلال إمارة شرق الأردن عام 1921 والثامنة عشرة في عهد الملك عبدالله الثاني، وشهدت هذه الحكومة أربعة تعديلات على فريقها الوزاري منذ تشكيلها.
تدخلات خارجية
وثارت انتقادات داخلية في الأردن في أعقاب أزمة حل نقابة المعلمين، بسبب ما اعتبره مراقبون تدخلاً سافراً من قبل وسائل إعلام محسوبة على تركيا وقطر في الأزمة، حيث خصصت قناة "تي آر تي" التركية الرسمية ساعات على الهواء لتغطية الأزمة واستضافت أحد المعارضين الأردنيين في الخارج، مما أثار حفيظة الحكومة الأردنية ومواطنين أردنيين على حد سواء. كما بثت وكالة أنباء الأناضول الرسمية تقارير بهذا الشأن اعتبرت منحازة لنقابة المعلمين وضد الحكومة الأردنية، كما دخلت قناة الجزيرة في قطر بدورها على خط الأزمة عبر تقارير يومية مكثفة.
يأتي ذلك وسط اتهامات لجماعة الإخوان المسلمين بإذكاء الأزمة عبر سيطرتها على النقابة، وقيادة التظاهرات التي طالت معظم المدن الأردنية، وتطورت لاحقاً إلى اشتباكات مع رجال الأمن وأعمال شغب وخلفت إصابات في صفوف المتظاهرين ورجال الأمن على حد سواء. كما وجهت اتهامات للجماعة بمحاولة" أقلمة" وتدويل الأزمة الداخلية.
لكن المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين عبدالحميد الذنيبات دعا الملك عبدالله الثاني إلى التدخل واحتواء الأزمة الحاصلة بين نقابة المعلمين والحكومة، داعياً إلى تفكيك الأزمة وتجنب التوتر والصدام. ويرفض الذنيبات الاتهامات الموجهة للجماعة ويصر على أن الأزمة بين النقابة والحكومة "مطلبية"، وأن جماعته لا علاقة لها بكل ما يحدث.
أزمة مركبة
وإذا ما أقيلت حكومة الرزاز، فإنها لن تكون المرة الأولى التي تقال فيها حكومة أردنية بسبب احتجاج الشارع، حيث أقيلت حكومة هاني الملقي في أعقاب تظاهرات حاشدة في الشارع الأردني صيف عام 2018، وقبل ذلك وتحديداً في عام 2011 أقليت حكومة سمير الرفاعي بعد تردي الأوضاع الاقتصادية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن مراقبين يرون أن الأزمة مركبة وصعبة، وأن الحديث عن إقالة الحكومة الحالية قد يبدو مستحيلاً، لأنه سيعد انصياعاً لضغوط الشارع التي تقوده تيارات حزبية على رأسها جماعة الإخوان المسلمين، التي وجدت ضالتها في هذه الأزمة لاستعادة شعبيتها المفقودة، بخاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، وذلك على الرغم من القرار القضائي الأخير الصادر عن محكمة التمييز والقاضي بحل الجماعة.
من بين هؤلاء الكاتب ماهر أبو طير المقرب من القصر الملكي، والذي يرى في الظروف المختلفة التي يمر بها الأردن سبباً لصعوبة رحيل حكومة الرزاز. ويقول أبو طير "قد يكون التجاوب مع شعارات المطالبة بالرحيل، مستحيلاً، كون التجاوب قد يتم تفسيره انصياعاً لجهات لا يراد الخضوع لضغطها. كما أن عمّان قد لا تحتمل رحيل حكومتين متتاليتين، أمام شعارات الشارع".
يرى أبو طير أن رحيل الحكومة إن حدث فستتم تغطيته بحل مجلس النواب، ولاعتبارات دستورية، وليس تحت ضغوط أي طرف يريد رحيل الحكومة، في هذه الفترة الحساسة جداً، وإنما للتخلص من الطاقة السلبية في البلد، وإنهاء التوتر والاحتقان الداخلي.
الحكومة تتوعد
من جهته، توعد وزير الداخليّة سلامة حمّاد بعدم التهاون مطلقاً مع كلّ من يتعرّض لرجال الأمن والأجهزة المختصّة، أثناء تأديتهم واجبهم الرسمي.
وحذّر حمّاد من وجود أشخاص تضرّرت مصالحهم الخاصّة والحزبيّة بسبب إجراءات فرض سيادة القانون وتطبيق العدالة؛ مشيراً إلى التغرير ببعض الشبّان للمشاركة في الوقفات الاحتجاجيّة غير السلميّة والمخالفة لشروط السلامة العامّة في ظلّ الأوضاع التي نعيشها بسبب جائحة كورونا.
يذكر أنه في 25 يوليو الماضي، قرر النائب العام في عمّان وقف عمل نقابة المعلمين وإغلاق مقراتها لمدة عامين، وتوقيف أعضاء مجلسها على ذمة قضايا تحقيقية.
كما قرر أيضاً إصدار مذكرات إحضار بحق أعضاء مجلس نقابة المعلمين، وعرضهم على المدعي العام، لاستجوابهم عن جرائم مسندة إليهم. وتقرر توقيفهم على ذمة التحقيقات التي شملت اتهامات بتجاوزات مالية وإجراءات تحريضية.
كما شمل القرار منع النشر والتداول والتعليق في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بهذه القضايا المنظورة، باستثناء الجهة الرسمية المصرح لها بذلك.