أودُّ أن أقدِّم الشكر من صميم قلبي لنايجل فاراج، لأنه أتاح لي فُرصة للضحك كنتُ في أمسِّ الحاجة إليها يوم أمس.
عندما تكون صناعة الترفيه الحيِّ لدينا في حالٍ من الشلل، نجد فنانين مُخضرمين من أمثال فاراج يعودون إلى الصدارة، فيُنوِّعون أداءهم، ويُقدِّمون محتوى ثرياً على الإنترنت. نشر فاراج صورةً لزورق مطاطي يحمل عدداً من البالغين برفقة طفلين أو ثلاثة ممن أنقذتهم قوَّات حرس الحدود، مع تعليقٍ يقول فيه: "غزوٌ صادمٌ على ساحل كنت". وأثارت كلماته هذه مشاعر العنصريين الفارغين من الساخطين الذين يملؤهم الحقد والاستياء ويُلقون بمسؤولية عللهم كلها على كاهل مجموعة قليلةٍ من المساكين اليائسين الذين حطمتهم ظروفهم المعيشية الجائرة، إلى درجة لم يعودوا يعبأون بتعريض حياتهم للخطر أو فقدان أحد أطرافهم من أجل الوصول إلى ملاذٍ تلقوا تطمينات مؤكدة بأنهم سيُعاملون فيه كبشر.
برافو نايجل. فمن خلال تغريدةٍ واحدةٍ صغيرة، استطعت أن تسخر من كلِّ "وطني" تنهشه مشاعر الكراهية، كلما شاهد مبادراتٍ عفوية إنسانية الطابع ترمي إلى إغاثة المحتاجين. والحال هنا يتعلَّق بإنقاذ بعض الأطفال من الغرق في مياه المحيط.
تعليق نايجل فاراج لم يكن في الواقع من قبيل المزاح، الأمر الذي يجعلني أشعر ببعض من الذنب؛ لأنني أجد ما يقوله مُضحكاً للغاية. فعلى الرغم من كل شيء، هو أيضاً إنسان ويستحق بعض الشفقة. تخيَّل فقط أنه إذا كنتَ تضطلع بدورٍ أساسي في تحقيق هدفٍ ضخم مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكنتَ قادراً على إقناع عشرات الأشخاص بالتصويت على مغادرة المملكة المتحدة للكتلة الأوروبية، لأنك جعلتهم يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي مسؤولٌ عن تدفق أعداد اللاجئين إلينا (في بريطانيا) الذين وفرنا ملاذاً لهم (وبالمناسبة هو فعل بذلك. فقد أخبرني شريك إحدى الصديقات أنه صوَّت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لأنه كان يعتقد أن هناك "عدداً كبيراً من اللاجئين الصوماليين عندنا". ماذا يسعني أن أقول؟ قد يكون في استطاعتك انتقاء أصدقائك، لكن لا يمكنك اختيار عائلاتهم).
والواقع أن التكتيك الدنيء في الكذب الذي استخدمه فاراج لم يكن مستساغاً ومقبولاً لدى الجميع بالتأكيد. لكن إذا ما وضعنا الأخلاق الأساسية جانباً للحظة، فإن أحداً لا يمكنه أن ينكر أن الرجل شرع في تحقيق شيءٍ ضخم، وقد نجح في ذلك.
تصوَّروا أنه ما زال في المقابل غير راضٍ حتى الآن، وأنه ما زال عاقداً العزم على الإجهاز على اللاجئين. مسكين هذا الرجل. نحن في خضم وباء فتَّاك. إلا أن العزل الذاتي داخل فقاعة برفقة بعض أفراد العائلة والأصدقاء كما يفعل الجميع، لا يروق له. بل عليه أن يُسرع مندفعاً مع طاقم تصوير أملاً في العثور على أسرةٍ من المهاجرين لتصويرها، أو التقاط صورةٍ لطفل لاجئ على متن زورق إنقاذ. حتى إن المحترم تجول في أحد فنادق برمينغهام التي تُؤوي اللاجئين، باحثاً عن أحدهم وهو يتناول قطعةً من البطاطا من صحون الطعام الذي تدفع الحكومة البريطانية ثمنها.
غير أن فاراج ما لبث أن اكتشف أن سلوكياته التهريجية لم تعُد تُؤخذ على محمل الجد كما كان معهوداً من قبل. فخلافاً لبعض رسائل الكراهية الصادرة عن حساباتٍ مجهولةٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، يعتبر معظم الناس أن هذا القارب الصغير الذي وصل إلى شواطئنا، يعكس مأساةً إنسانية ولا يُشكِّل إهانةً لحقوق الإنسان في بريطانيا.
إلى ذلك، دفع مقطع فيديو بثَّه فاراج يُظهر لاجئين أثناء جولة لهم في أنفيلد (ملعب لكرة القدم في ليفربول)، سكان ليفربول إلى الرد عليه بسيل من الشتائم البذيئة. وجاء في أحد أكثر تلك التعليقات تهذيباً "نعتني هنا ببعضنا بعضاً، وهذا ما يجعل مدينتي رائعة. فإذا كان ذلك لا يعجبك لك، إياك أن تقترب منها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فاراج ليس أول شخص تخدعه كراهيته ويظن مخطئاً أن التغييرات الخارجية ستُخفِّف من وطأة هذه المشاعر عليه. ففي رأيي، أنه حتى لو أُبعد جميع اللاجئين عن البلاد بعد ظهر هذا اليوم، سيكون هنالك حتماً شيءٌ آخر سيؤجج غضبه. وإذا طُرد عصر اليوم كل الأشخاص ممن يختلف لون بشرتهم عن بشرته، وينطقون بلغة مختلفة عن لغته، سيجد فاراج مجموعةً أخرى من الناس لتوجيه إصبع الاتِّهام إلى أفرادها قائلاً: "إنهم هم! هم المسؤولون! هؤلاء المتسلِّلون إلى أراضينا هم الذين يدمِّرون كل شيء بالنسبة إلينا، فيما يتجوَّلون ويستنشقون هواءنا النقي الذي أدفع ثمنه بضرائبي، ويعوقون مداخل الأرياف ما يحول دون وصول منتجات أبقارنا البريطانية إلى رفوف متاجر "ليدل" (تشتري نحو ثلثي الألبان والأجبان ولحوم البقر، من مزارعين بريطانيين)".
لا شك في أن "معضلته" تلك تنبع من الإعجاب المفرط الذي يُكنُّه له أولئك الذين يُعانون من خللٍ مُماثل. فتحت عنوان "الوطنية"، يصفِّقون لفاراج لمطاردته بعض إخوتهم في الإنسانية، لكن الوطنيين الحقيقيين هم أولئك الذين يقدمون العون لمراهقٍ عانى في عبوره الصحارى والبحار بمفرده، والذي كانت القناة الإنجليزية بالنسبة إليه المحطة الأخيرة لرحلة اليأس التي قام بها. إن الوطنيين الحقيقيين هم من يحترمون وطنهم، ولا يرضون مُطلقاً أن يروا طفلاً يُعاني على أرضه.
لكن عندما يُواجَه أنصار فاراج بردِّ فعلٍ عنيف من جانب أشخاص يتَّسمون بالشفقة، أو لنسمِّهم "عاديِّين"، فإنهم يُسارعون برفع أصواتهم قائلين "ضعوا هؤلاء الأطفال إذاً في منازلكم!". ولفتني ردُّ أحد الأشخاص "العاديين" (للأسف لم أكن أنا) على تعليق قرأته على "تويتر" مؤكداً "يمكنك أن تُبدي تعاطفاً مع مريضٍ مصابٍ بداء السرطان، من دون الحاجة لأن تفتح قسماً لعلاج الأورام السرطانية في بيتك".
لا أريد طبعاً أن تتوافد أعدادٌ من الناس إلى هنا على متن زوارق مطاطية. وليس هناك من يُريد ذلك أيضاً، لكن عصابات التهريب الإجرامية تستغل هؤلاء الأشخاص لتنقضَّ عليهم، وتسلبهم كل قرشٍ في حوزتهم لتضعهم على هذه القوارب المُتهالكة. إنها تلك الجماعات الغامضة من المُتآمرين هي التي يتعيَّن علينا وضعها عند حدِّها. إن العبور الآمن والشرعي إلى المملكة المتحدة يُعدُّ سمةً حضارية. تماماً كأي جولةٍ تُنظم للاجئين في أحد ملاعب كرة القدم أو أي مبادرات إنسانية لتقديم وجبات الطعام لهم. وفي الخلاصة، إن نايجل فاراج وأمثاله لا يمتُّون بصلة إلى "الوطنيين". إنهم مجرد خونة للثقافة والقيم البريطانية.
© The Independent