"لا يمكنُ لأي تحالفٍ عربي هدفهُ صدّ التمدد التركي أن يرى النورَ من دون مشاركة دمشق"، هكذا يعبر سُوريون وهم يترقبون انبلاج أي تحالفٍ من هذا النوع، بعدما فتحت أنقرة أبواب حدودها الجنوبية قبل سنوات لجيوشها تتقاطر على أجزاءٍ من الشمال السوري وتسيطر عليه.
الولادة العسيرة
فكرة ولادة التحالف وإن كان يلفحُه نوع من التأني، فإنه على جدول أعمال دول عربية تقف في مواجهة متزايدة مع أنقرة، وبات تشكيله ضرورة ملحّة كما يصف سياسيون في دمشق، لا سيما عقب إرسال الأتراك قوات وسلاحاً ثقيلاً ومسلحين سوريين، وصلوا إلى عمق الصحراء الليبية، مما زاد من تعقيد المشهد هناك.
في غضون ذلك، أثار أخيراً تصريح الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، خلال اتصال هاتفي، مع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى الواجهة مجدداً إعادة القوة العربية.
وورد فيه، "ستشهد المرحلة المقبلة مواقف عربية جماعية في مواجهة التدخلات التركية المرفوضة قطعاً في الشؤون الداخلية للدول العربية".
وجاء الاتصال على خلفية ما وصُف بالانتهاكات التركية على الأراضي العراقية، ما أدى إلى سقوط ضابطين عراقيين وسائق كضحية للهجوم.
الخطر التركي والإيراني
من جهة ثانية، يلتمس متابعون للمشهد السوري ألا يكون حديث أمين عام الجامعة، كنوع من التضامن السياسي على أهميته، من دون أفعال على الأرض في وقت يحين فيه تشكيل مقاومة عربية مسلحة في وجه التوغل التركي ليس لسوريا فحسب، بل لكل العرب بعد تنامي مخاطره، "وفرصة لدمشق من مشاركة تحالف مع دول عربية لا تضع أطماعها في المقام الأول كما تفعل القوات الأجنبية في الداخل السوري على تنوعها".
وعلى اختلاف أهداف القوات المتوضعة على الأرض السورية (الروسية والأميركية والإيرانية والتركية) حين وصلت بجيوشها منذ اندلاع الحرب الأهلية عقب الحراك الشعبي عام 2011، كان في جعبتها مصالح استراتيجية في المقام الأول دون أن تكترث هذه القوات بحمام الدم السوري طوال تسع سنوات من الحرب الداخلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى سياسيون من المعارضة الداخلية، أن النظرة إلى التحالف العربي الساعي إلى إعادة السيادة السورية في الشمال من منطلق عربي، هدفه كبح جماح الخطر التركي الذي يتلاقى مع الخطر الإيراني في التهديدات والنظرة الاستعمارية للمنطقة العربية.
المصالحة المعلّقة
في سياق متصل، يستبعد فريق سوري أن ترتسم خطوط هذا التحالف الجديد وملامحه "إن صدقت النوايا العربية، أو وضعت موضع التنفيذ" وبقيت التوترات بينها وبين دمشق التي عُلّقت عضويتها في الجامعة العربية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 مع الفشل في القمم العربية الأخيرة من التوصل إلى عودتها وآخرها مطالبة الجزائر بذلك.
في المقابل، استبعد البرلماني السوري أحمد مرعي، تشكيل تحالف عربي لصدّ التوسع التركي، وردَّ ذلك إلى العلاقة العربية مع دمشق، مبيناً أن الوقت لم يحن بعد لذلك، لأن الدول العربية ليس لديها الموقف ذاته من سوريا.
وقال في حديث سابق لنا، "كانت هناك قراءة عربية عن ضرورة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية كون الخطر التركي الداهم بات يشكِّل خطراً على السعودية والإمارات بعد سوريا".
من جانبها، تبرّر أنقرة التمدد في سوريا بغية ملاحقة ما وصفته بالإرهاب الذي يهدد حدودها، في إشارة إلى الأحزاب الكردية، ما دفعها إلى شن سلسلة عمليات عسكرية آخرها عملية أطلقت عليها "نبع السلام" في يناير (كانون الثاني) 2019، لاحقت فيها حزبي "ب ك ك" و"ي ب ك" في منطقة شرق الفرات، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
الحديد والنار
في هذه الأثناء، تشتد المقاومة ضد ما يصفه ناشطون احتلالاً تركياً لأراضٍ من الفرات والجزيرة، فيما تكثر العمليات العسكرية بشكل محدود تقتصر على استهداف لقياديين بسيارات مفخخة في معركة وصفت بـ"حرب المفخخات" آخرها اليوم، إذ لقي ثلاثةُ مقاتلين من فصائل مدعومة تركياً مصرعهم إثر انفجار سيارة مفخخة في قرية العدوانية، شمال غربي الحسكة.
في سياق متصل، تتحالف أنقرة مع قوى المعارضة السورية. ويعبّر الناشط الحقوقي، محيي الدين صطوف لـ"اندبندنت عربية"، عن ضرورة عودة الأراضي إلى السيادة السورية الشرعية وإلا ستكون وحدة سوريا وأراضيها في خطر بسبب المشروع التركي.
يقول، "حين خرجنا بتظاهرات ضد النظام كان هدفنا الكرامة وتحقيق العدالة والحرية، ولن نقبل بأقل من هذه المطالب، واليوم نحن أمام مشروع تتريك في مناطق وقرى تتبع لمحافظات حلب والحسكة والرقة، هي المطالب ذاتها، لكن الهواجس أكبر".
وبالرغم من سيطرة الجيش التركي على هذه المناطق بعمليات عسكرية تمتد لما يربو عن الألف بلدة وقرية في الشمال السوري يحكمها ولاة أتراك، فإن الكيان السياسي الذي تديره قوى سياسية من المعارضة السورية وتركيا في أنظمة من الجيش والإدارات المحلية وإدخال اللغة التركية، يعزز المخاوف أكثر من مخطط بعيد، يعيد ديمغرافية هذه المناطق وتتريكها.
ويحيل الناشط الحقوقي مخاوف السوريين من أبناء المنطقة إلى عدم تحديد أنقرة مدة للانسحاب من هذه الأراضي إلى "ذريعة محاربة الأحزاب الكردية التي تعدها خطراً على حدودها".
ويوضح، "لا بد من إعادة ترتيب الأوراق من جديد، والتلاحم العربي الكردي لدحر الخطر التركي بكل الأشكال".