ملخص
يعود الطموح الروسي في الحصول على قاعدة بحرية في ليبيا إلى عام 1945 وتحديداً في مؤتمر بوتسدام، حين حاول خلال ذلك الوقت زعيم الاتحاد السوفياتي جوزيف ستالين افتكاك الوصاية على إقليم طرابلس آنذاك، لكنه فشل.
بدأت آثار سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد تتبلور على أرض الواقع، وبخاصة أن سوريا كانت تشكل نقطة الوصل الرئيسة لمصالح روسيا في القارة السمراء عبر البوابة الليبية. وكانت تقارير دولية تحدثت عن تحرك قطع السلاح الروسي من سوريا إلى ليبيا مما أثار قلقاً أميركياً، وبخاصة أن المعلومات تشير إلى مطالبة موسكو حليفها قائد القوات المسلحة في الشرق الليبي خليفة حفتر بميناء بحري داخل الشرق الليبي المطل على الضفة الجنوبية للمتوسط، حيث تتمركز قوات لـ"حلف شمال الأطلسي".
"بوتسدام"
ويعود الطموح الروسي في الحصول على قاعدة بحرية في ليبيا إلى عام 1945 وتحديداً في مؤتمر بوتسدام، حين حاول في ذلك الوقت زعيم الاتحاد السوفياتي جوزيف ستالين افتكاك الوصاية على إقليم طرابلس في ليبيا (كانت ليبيا مقسمة آنذاك إلى ثلاثة أقاليم هي طرابلس وبرقة وفزان)، لكنه فشل في ذلك على رغم نجاحه في جعل ليبيا واحدة من أهم أسواق الأسلحة الروسية، وبخاصة بعد سقوط نظام الملك إدريس السنوسي عام 1969 إثر انقلاب قاده العقيد معمر القذافي.
ووضع الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين ليبيا نصب عينيه كهدف استراتيجي منذ أول لقاء له مع القذافي عام 2008 بعد قطيعة طويلة، إذ عمل على إحياء العلاقات الروسية الليبية عبر دخول الشركات الروسية إلى ليبيا وتوفيره كميات هائلة من السلاح لنظام القذافي مقابل الحصول على موارد الطاقة، حتى وصل الأمر بموسكو إلى إلغاء ديون ليبيا البالغة نحو 5 مليارات دولار مقابل حصولها على عقود في مجال النفط والغاز والأسلحة ومد شبكة للسكك الحديد.
هدف بوتين
ووعد القذافي روسيا عام 2008 بإمكانية إقامة قاعدة بحرية في بنغازي (شرق) التي تطل على الضفة الجنوبية للمتوسط حيث تتمركز قوات "الأطلسي". وهو هدف مهد له بوتين الطريق منذ سقوط نظام القذافي عام 2011 مستغلاً الفراغ الدبلوماسي الأميركي في ليبيا للامتداد أكثر، إذ استطاعت روسيا التمركز في الشرق الليبي عبر عدد من القواعد العسكرية على غرار قواعد الجفرة وبراك الشاطئ والخروبة والقرضابية المحاذية لمدينة سرت والخادم. وحرصت على تدريب عناصر أمنية لها من طريق مجموعة "فاغنر" أو ما يعرف حالياً بالفيلق الأفريقي الروسي، الذي أسهم في تعزيز وجود موسكو داخل أفريقيا انطلاقاً من القواعد العسكرية الروسية في الشرق الليبي.
طبرق
وقال الباحث في الشأن العسكري الليبي العقيد عادل عبدالكافي إن "جميع العيون تتجه حالياً نحو ميناء بنغازي أو ميناء طبرق باعتبارهما القادرين على احتضان قاعدة بحرية روسية بحجم قاعدة طرطوس، وبخاصة أن ميناء طبرق يعد من أهم الموانئ البحرية في أفريقيا ويبلغ عمقه 15 متراً عند الرصيف"، مؤكداً أن "ذلك فعلاً هو ما تم التلميح إليه في شهر يونيو (حزيران) عام 2020 عندما زار الطراد "فارياغ" والمدمرة "مارشال شابوشنيكوف" الروسيين مدينة طبرق الساحلية واستقبلهما ضباط البحرية الليبية". ونوه عبدالكافي بأنه "على رغم أن ميناء طبرق مؤهل جداً من ناحية العمق لكن هناك خللاً يحول دون تحول جزء منه إلى قاعدة بحرية روسية، باعتباره يعد ميناء لتصدير النفط"، موضحاً أن "وجود قطع عسكرية بحرية روسية في منطقة حساسة كميناء طبرق لن ينجح لأنه سيهدد ناقلات النفط".
البومبة
ورجح المتحدث ذاته أن يكون "خليج البومبة" أكثر ملاءمة لاستضافة القاعدة البحرية الروسية وبخاصة أن المسافة الفاصلة بين البومبة وميناء طبرق تقدر بـ200 كيلومتر، فضلاً عن أنه (خليج البومبة) يلقب بـ"صرة ليبيا البحرية" على اعتبار أنه يتوسط ميناءي طبرق وبنغازي.
واستدرك عبدالكافي أن "الوجود الروسي في الموانئ البحرية الليبية سيكون على مراحل وليس دفعة واحدة"، مؤكداً أن "ليبيا تبقى الأقرب إلى احتضان القاعدة البحرية الروسية على اعتبار أنها أهدت الوجود العسكري لروسيا على أراضيها منذ أعوام عبر التمركز في القواعد الجوية كالقرضابية والخادم والخروبة، وبخاصة قاعدة الجفرة التي تتوسط الغرب والشرق الليبي والقريبة من حقول النفط.
وقال عبدالكافي إن "بعضاً يستبعد قدرة خليج البومبة على استيعاب القطع البحرية الروسية نظراً إلى عدم توافر رصيفه البحري على العمق المناسب، إلا أن ذلك لا يعد مشكلة بالنسبة إلى روسيا التي تمتلك المعدات اللازمة لتوسيع أحواض السفن في حال لم يتوافق خليج البومبة مع استيعاب القطع البحرية الروسية". وشدد على أن "خليج سرت مؤهل جداً أيضاً لاحتضان القاعدة البحرية الروسية لأنه يشكل موقعاً استراتيجياً مهماً جداً، ولكن هناك عاملاً غير مساعد للوجود الروسي والمتمثل في تمركز عناصر رئاسة أركان وزارة الدفاع التابعة لحكومة طرابلس، إضافة إلى قوات مصراتة التي لن تقبل بذلك، زد على ذلك الوجود التركي في المنطقة الغربية الذي سيعارض أيضاً وجود روسيا قربها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحلفاء
وتابع عبدالكافي "إذا استطاعت روسيا تجاوز حلفاء أميركا (فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا) في شأن إقامة قاعدة بحرية في ليبيا، ستكتمل قواعد اللعبة بالنسبة إليها بإرساء قاعدة بحرية كانت مهدت لها منذ أعوام"، موضحاً أن "لدى روسيا ممرات عدة في البحر الأحمر باتجاه السودان وأيضاً على شواطئ البحر المتوسط، لكن أهمية ليبيا تكمن في موقعها الاستراتيجي لأنها مقابلة لقواعد حلف شمال الأطلسي في جنوب المتوسط".
وأبرز أن "إقامة قاعدة بحرية روسية في ليبيا أمر مرشح بقوة، تليه محطة تزويد بحري كخطة ’باء‘ تمر عبر البحر الأبيض المتوسط نحو البحر الأحمر"، متابعاً أن "روسيا استغلت حالة الفراغ الدولي في ظل تنامي حرب غزة، وخطت خطوات استباقية عدة للتمدد في ليبيا وتعزيز وجودها في دول الساحل والصحراء الأفريقية، وكونت قوات أمنية لتدريب عناصر لدمجها في الفيلق الأفريقي الروسي الذي من المتوقع أن يصل عدد أفراده إلى 45 ألف مقاتل"، مبيناً أن "روسيا الآن في مرحلة اكتمال وجودها العسكري في ليبيا بإنشاء قاعدة بحرية أو الذهاب نحو قاعدة تزويد بحري، في حال ضغطت الولايات المتحدة على حليف روسيا خليفة حفتر وطالبته بإلغاء اتفاقات سبق وأبرمها مع نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف خلال زياراته التي قام بها إلى ليبيا، على اعتبار أن وجود قاعدة بحرية روسية في ليبيا يزيد من تهديد مصالح الطاقة على الأراضي الليبية، حيث سيخنق عملية التصدير إلى أوروبا وهو هدف روسي، إضافة إلى إمساك روسيا بناصية اليورانيوم والألماس والذهب في بقية الدول الأفريقية انطلاقاً من ليبيا، حيث أصبحت روسيا المستحوذ الرئيس عليها".
واعتبر عبدالكافي أن "وجود قاعدة بحرية روسية في ليبيا يهدد سلامة السواحل الليبية وقواعد حلف الأطلسي في جنوب المتوسط، فإقصاء روسيا لقواعد ’الناتو‘ هناك يشير إلى حدوث مواجهة مسلحة بين روسيا وبقية الدول الغربية في حال تصاعد العمل العسكري بينها، إذ أضحت ليبيا تشكل تهديداً لتلك الدول بسبب الوجود الروسي على أراضيها".
وعود القذافي
من جهة أخرى عزا عميد كلية العلوم السياسية بجامعة نالوت إلياس الباروني "الحديث عن قرب احتضان الشرق الليبي لقاعدة بحرية روسية إلى المتغيرات الدولية وآخرها سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد، فروسيا تغلغت داخل ليبيا بعد عام 2014 عندما تحالفت مع حفتر وحاولت دعمه للسيطرة على الوضع الليبي، كنوع من العقاب للولايات المتحدة التي اختلفت معها في ما يتعلق بمصير القذافي عام 2011".
ونوه بأن "روسيا بدأت في إرسال رسالة للولايات المتحدة من خلال دعمها الأسد سابقاً، وهو دعم لم يطل كثيراً بسبب الصراع الأوكراني"، مضيفاً أنه "من هنا كانت صفقة التنازل عن سوريا منذ أعوام مقابل كسبها لليبيا كبوابة أفريقيا، وبدأ على أثره التوسع الروسي في ليبيا عبر تشكيل قواعد عسكرية تأميناً لمصالح روسيا في أفريقيا".
وقال الباروني إن "استضافة ليبيا قاعدة بحرية روسية تأتي نتيجة وعود سابقة من قبل القذافي تتعلق بشراء الأسلحة ودخول الشركات الروسية في مجال البنية التحتية مقابل تنازل روسيا عن ديون ليبيا عام 2008" وهي ديون أكد الباروني أنه "نجم عنها التغلل روسي في ليبيا".
ورأى عميد كلية العلوم السياسية في جامعة نالوت أن "التغيير في سوريا سيرتد سلباً على الملف الليبي، إذ إن روسيا لا يمكنها أن تفقد مصالحها في سوريا وليبيا خلال وقت واحد، إذ ستحقق روسيا حلماً يراودها منذ أعوام طويلة يتمثل في إنشاء قاعدة بحرية في ليبيا مما دفعها إلى دعم حفتر لبسط نفوذه. ومحاولتهم التنازل عن سوريا مقابل بقائهم في ليبيا لتهيئة سيف الإسلام القذافي للوصول إلى السلطة، خدمة للمصالح الروسية في ليبيا وكامل المنطقة الأفريقية".