في 17 أغسطس (آب) 2019، وقّع المجلس العسكري ومكونات مدنية وثيقة دستورية كمرحلة أولى، تشكّلت على إثرها هياكل الحكومة الانتقالية عدا المجلس التشريعي، لإدارة المرحلة الانتقالية التي تمتد ثلاث سنوات تعقبها انتخابات عامة تنقل السلطة للمدنيين.
في هذه المناسبة الكبيرة، قال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في بيان له "الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية جاءا بهدف أن يقف الدم السوداني. قضايا العدالة وإنصاف الضحايا أحد أهم المهام التي تواجهنا ونعمل من أجلها".
وخرج السودانيون في مواكب كبيرة في هذه الذكرى، تحت مسمى "مواكب جرد الحساب"، مطالبين بالعدالة ومعاقبة المسؤولين عن ما أسموه "جريمة فض الاعتصام" التي حصلت في يونيو (حزيران) 2019.
اشتباكات مع الشرطة
دخلت الشرطة في اشتباكات مع المحتجين، وأطلقت الغاز المُسيّل للدموع لتفريقهم، وذلك عقب مطالبتهم بخروج رئيس الوزراء لتسلّم مُذكرة تحتوي على مطالبهم. الشرطة قامت بإطلاق الغاز المُسيّل للدموع وضرب المتظاهرين، على الرغم من البيان الذي أصدرته سلطات ولاية الخرطوم، بأنها ستعمل على حماية الموكب، وتأمينه حسب المسارات المُعلنة من قِبل المنظمين، حفاظاً على الحُريات والتعبير بِشكلٍ سلمي.
تجمع المهنيين ينتقد
انتقد تجمع المهنيين السودانيين تفريق التظاهرات بالقوة، وقال في بيان له "في مسلك غير مقبول قامت رئاسة مجلس الوزراء بإرسال أحد موظفيها لاستقبال مواكب جرد الحساب معتذراً بانشغال رئيس الوزراء، وحين عبّر الثوار عن رفضهم للتصرف تدخلت قوات من الشرطة والقوات النظامية باستخدام العنف ومحاولة تفريق المواكب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دعى التجمع للتصعيد بعد هذا الأمر، معتبراً أن مطالب الثورة واجبة النفاذ. وقال حسن فاروق السكرتير الإعلامي بتجمُع المهنيين لـ"اندبندنت عربية"، إن "الوضع غير مُرضٍ، وأكبر دليل خروج المتظاهرين إلى الشارع في مواكب (جرد الحساب)، الوثيقة الدستورية تم اختراقها، ولم تحقق سوى تعيين رئيس الوزراء، وتكوين المجلس السيادي، حتى المجلس السيادي أصبح يتجاوز صلاحياته، وتحوّل من مجلس تشريفي لمجلس تنفيذي، والسلوك القمعي لا يزال مُنتهجاً للتعامل مع المُحتجين، وهذا مؤشر خطير ومخطَّط، للانحراف عن مطالب الثورة الأساسية، وهي الحرية والسلام والعدالة".
في السياق ذاته، يقول فاروق "إزالة النظام السابق لم يتم بالصورة المطلوبة، بل هنالك اتجاه لإجراء مُصالحة مع الإسلاميين، وهنالك سعي واضح لإجهاض الثورة بواسطة المكوّن العسكري بمعاونة قوى الحُرية والتغيير، ما لا يعلمه هؤلاء أن الثورة مُستمرة والشارع متيقّظ".
غضب شعبي
المحتجون عبروا عن غضبهم بإغلاق الشوارع والمُطالبة بإسقاط الحكومة الانتقالية، التي لم تُلبِّ مطالبهم بعد مرور السودان بأزمة اقتصادية خانقة تفاقمت الآن.
هشام السر من لجان مقاومة بُري، أوضح لـ"اندبندنت عربية" قائلاً، "لم نكن نتوقع نتائج كبيرة من السنة الأولى، ولكن كنا نتوقع أن تتم محاسبة رموز النظام السابق على الأقل، حتى الآن لم يُحاسب أحد، ولم تتحقق أهداف الثورة بالصورة المطلوبة، ولم تخرج نتائج التحقيق في فض الاعتصام. موكب جرد الحساب تم قمعه، ولم يكن هنالك أي حق في التظاهر والتعبير السلمي، نحن نرجع للخلف".
وعن الوضع الاقتصادي يقول السر، "الحكومة الحالية كانت سبباً في زيادة التدهور الاقتصادي، فلا رقابة على السوق والتجار".
الشارع السوداني
انقسم الشارع السوداني إلى قسمين، الجزء الأكبر منه ناقم على الحكومة الانتقالية بعد تأييد كبير، والجزء الآخر يرى أن عاماً واحداً ليس كافياً لتحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
محمد عبد المعروف المعلم المدرسي، قال "الحكومة تبذل مجهوداً كبيراً لتحسين الأوضاع وتحقيق أهداف الثورة، ولكن مندسين من النظام السابق يعرقلون العملية السياسية، ويزرعون الفتن، ويتسببون في عدم الوصول لنتائج واضحة على الصعد كافة، لذلك واجبنا هو دعم الفترة الانتقالية حتى نهايتها، وعدم الحكم عليها بالإعدام بعد مرور عام فقط، لأن التخلص من النظام السابق، ومعالجة الآثار التي خلّفها يحتاج إلى مجهود كبير".
أما الكاتبة السودانية صفاء خليل تعلق على الأزمة الاقتصادية فتقول، إن "المحور الاقتصادي يعاني من أزمات حقيقية لأسباب كثيرة، كورونا فاقمتها، وتأثرت أغلب الدول الصديقة بها ما تسبب في تأخر عقد اجتماعات مهمة كانت ستنفذ برامج إسعافية للاقتصاد، بالإضافة للأوضاع السياسية الداخلية المُعقدة، التي نتج عنها تضارب السياسات المُتبعة، وحِزم الإجراءات الواجب اتباعها فيما يتعلق بالاقتصاد، وظهر ذلك من خلال أزمتي وزارة المالية والصحة، أيضاً دخول السودان في تسويات دولية مع (أميركا تحديداً) زاد الضغط على الوضع الاقتصادي، على الرغم من إعفاء بعض الدول ديونها على السودان، إلا أن التسويات الأميركية زادت الدين الخارجي ما يعني استمرار الاختناق الاقتصادي، وتعطيل تنفيذ البرنامج الإسعافي".
الشعب السوداني يواجه ضغطاً كبيراً، إما الصبر على حكومة حمدوك للعبور من الأزمات التي تحاصر البلاد، أو الخروج ورفض الحكومة الانتقالية في انتفاضة جديدة نهايتها غير معلومة.