حذّر خبراء في المملكة المتّحدة من أن اليمينَ المتطرّف في بريطانيا أصبح ينتهج بشكلٍ علني سياسةً عنصريةً أشدّ صرامةً في أعقاب ردود الفعل على الاحتجاجات الدولية الداعمة لحركة "حياة السود مهمّة" Black Lives Matter.
وجاء في تقريرٍ صادر عن مجموعة "أمل لا كراهية" Hope Not Hate تمكّنت صحيفة "الاندبندنت" من الاطّلاع عليه حصرياً قبل إصداره، أن أعواماً من هيمنة طومي روبنسون (ناشط يميني بريطاني مناهض للإسلام) وشخصياتٍ أخرى ركّزت على المسلمين، فتحت المجال أمام تنامي نزعة القومية البيضاء.
ووجد التقرير أن نمو جماعة "البديل الوطني" Patriotic Alternative الجديدة التي تدعو صراحةً إلى طرد السكّان غير البيض من المملكة المتّحدة، يشير إلى "منعطف نحو سياساتٍ عنصرية أكثر علانية".
وأشار مؤلّف التقرير سايمون مردوخ إلى أن ناشطي اليمين المتشدّد في بريطانيا أصبحوا "أكثر تطرّفاً من الناحية الإيديولوجية". ولاحظ أن زيادة عبور قوارب المهاجرين عبر القناة الإنجليزية والغضب ممّا تُسمى "ثقافة الإلغاء"، كان لهما تأثيرٌ في هذا المنحى.
ورأى الباحث أن "ردّ الفعل الأقوى كان على حركة "حياة السود مهمّة". وبرز استعداد أكبر اليوم لمناقشة مسألة العرق بشكلٍ عام عبر جماعات أقصى اليمين في البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاحتجاجات الكبيرة التي أعقبت مقتل الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد على يد الشرطة في مدينة مينيابوليس في مايو (أيار) الفائت، أثارت موجةً من العنصرية والغضب لدى الجماعات اليمينية المتطرّفة عبّرت عنها على شبكات التواصل الاجتماعي.
الادّعاءات بأن المتظاهرين كانوا ينوون استهداف تمثال ونستون تشرشل وغيره من المعالم الأثرية في لندن بعد هدم نصبٍ تذكاريٍ لتاجر رقيق في بريستول بلغت ذروتها، وتمثّلت في قيام الجماعات التي تدّعي "الدفاع" عن تلك المعالم باحتجاج عنيف.
وقد تعرّضت قوى الشرطة وصحافيّون للهجوم، فيما بدا بعض المتظاهرين يؤدّون التحية النازية على أثر اشتباكاتٍ محدودة في أماكن أخرى في المملكة المتّحدة، حيث التُقطت صور متظاهرين متطرّفين وهم يرفعون شارات "القوّة البيضاء" White Power ورسم حرف W بيد وحرف P بالأخرى ويصيحون: "لماذا لا تعودون أدراجكم إلى أفريقيا؟".
وأوضح مردوخ أن الجماعات المهيمنة في أقصى اليمين البريطاني والناشطين في فلكها مثل روبنسون، قاموا بالتركيز على الإسلام في الأعوام الأخيرة، وتركوا ممارسة العنصرية العلنية لحركات "الفاشيّين المتطرّفين" مثل جماعة "العمل الوطني" National Action (تابعة للنازيّين الجدد) التي كانت بريطانيا قد أدرجتها ضمن المنظّمات الإرهابية المحظورة.
لكن تنامي ظاهرة "حركة الهوية" (يمينية متطرّفة) على مستوى أوروبا برمّتها، وانتشار نظرية المؤامرة التي تدّعي أنه يجري "استبدال" الأشخاص ذوي البشرة البيضاء بآخرين من غير البيض، كانا سبباً مباشراً في ارتفاع حدّة ردود الفعل في أوساط الحركات المتطرّفة في المملكة المتّحدة.
وأوضح معدّ البحث أنه إلى جانب "التحرّك الذي قام به أناسٌ سبق أن ركّزوا فيه على مسائل أخرى مثل الإسلام، هناك أيضاً مجموعة من الشباب البريطانيّين المنضمّين إلى اليمين المتطرّف، الذين يتبنّون أفكاراً فاشيةً تقليدية ذات طابع متطرّف، وأشدّ تعبيراً عن القومية البيضاء والمعاداة للسامية".
وحذّر مردوخ من أن مجموعة الشباب الناشئة تنشط على شبكات الإنترنت ويمكنها الوصول إلى شرائح أوسع من المجتمع أكثر ممّا تمكّن من تحقيقه "الحرس القديم" في "الجبهة الوطنية" National Front وأنصار "الحزب القومي البريطاني" BNP.
وكانت حركة "البديل الوطني" قد تشكّلت العام الماضي على يد مدير الدعاية السابق في "الحزب القوميّ البريطاني" مارك كوليت، الذي تمكّن من اجتذاب ناشطين من مختلف أطياف اليمين المتطرّف في المملكة المتّحدة. وأثار تنامي هذه الحركة مخاوفَ من أنها قد توحّد الفصائل المتنافسة على حلبة اليمين المتطرّف الممزّق في بريطانيا.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، رفع أفرادها في جميع أنحاء المملكة المتّحدة لافتاتٍ دعائية بعنوان: "حياة البيض مهمّة"، تعبيراً عن تضامنها مع "اليوم الدولي للشعوب الأصلية في العالم"، ويخطّط زعماؤها لعقد مؤتمر وطنيٍ ثالث في سبتمبر (أيلول) المقبل.
وتزعم حركة "البديل الوطني" على موقعها الإلكتروني أن "السكّان الأصليّين في بريطانيا" يتعرّضون لخطر الانقراض، وتدعو إلى إجراءاتٍ متطرّفة لحماية "السكّان الأصليين في المملكة المتّحدة". وتقول إنها قد تطالب بـ "وقفٍ كاملٍ" للهجرة، والعمل على إعادة الأشخاص "المتحدّرين من أصول مهاجرة إلى أوطان أجدادهم".
وتدّعي حركة "البديل الوطني" أن الأطفال في بريطانيا يتعرّضون لـ "دعايةٍ" مناهِضة للسكّان البيض ومؤيّدة لأفراد مجتمع الميم LGBT (المثليّين والمتحوّلين جنسياً ومزدوجي الجنس). وتقوم الحركة بدعم وتأييد التعليم المنزليّ ليتسنى لها استخدام رزمتها الخاصّة من المواد التعليمية التي تعزّز نشرَ روح الكراهية والأفكار البغيضة في ما يتعلق بـ "التاريخ والثقافة".
ولفتَ الباحث سايمون مردوخ إلى أن هذه المجموعة قد حظيت بدعمٍ من شخصيات كانت ناشطةً في السابق في جماعات النازيّين الجدد، وغيرهم من الذين كانوا منضوين في حركاتٍ "أكثر اعتدالاً".
ونبّهَ إلى أن حركة "البديل الوطني" الناشئة، "تحاولُ أن تصوّر الأفكار الفاشية المتطرّفة للغاية بأكبر قدر ممكنٍ من الودّية" عبر استخدام مصطلحاتٍ مستترة. لكن تقرير منظّمة "أمل لا كراهية" لاحظ أن المحادثات والدردشات الخاصّة المتداولة عبر الإنترنت بين أعضاء الحركة اليمينية، كانت "مليئةً بالأفكار التي تؤيّد العنصرية المتطرّفة، وتنكرُ وقوع محرقة اليهود (هولوكوست)، وتؤازرُ بشكل علنيّ وصريح الفاشية".
وأضاف التقرير أن العقيدة المعادية للسامية هي من صميم مبادئ حركة "البديل الوطني" التي دأبت على نشر نظريّات مؤامرة تدّعي أن اليهود يسعون إلى تنسيق محاولات "استبدال" السكان البريطانيّين البيض.
وقد جاء في أحد منشورات شخصٍ من مؤيّدي الحركة، اطّلعت عليه صحيفة "الاندبندنت"، أن "الشعب البريطانيّ هو من أصل أبيضَ وأن أفراده ليسوا من ذوي البشرة البنّية أو السوداء ولا من أصول آسيويّة أو يهودية".
وتوصّل تقرير منظّمة "أمل لا كراهية" إلى أن حركة "البديل الوطني" لديها صلاتٌ مع مجموعة Hundred Handers (حركة يمينية متطرّفة ناشطة في دولٍ عدّة) تتّخذ من المملكة المتّحدة مقرّاً لها، وتحرّض الناس على توزيع ملصقاتٍ عنصرية في جميع أنحاء العالم ترفع شعاراتٍ منها: "الحضارة الغربية هي حضارة بيضاء"، و"أوقفوا الهجرة، وباشروا في إعادة التوطين".
ولفتَ الباحث مردوخ إلى أن الحركة على ما يبدو تسعى إلى الاستفادة من أزمة جائحة "كورونا" للّعب على أوتار "الشعور بالانفصال عن الجذور" لدى فئات أقصى اليمين البريطاني. وأضاف بأن "حملة "حياة السود مهمّة"، والعناصر المناهضة للحكومة في ما يتعلّق بفيروس "كورونا" والانكماش الاقتصادي، كلّها عوامل شكّلت معاً مادّةً استغلالٍ دسمة بالنسبة إلى أنصار الحركة اليمينية الجديدة"، لكنه قال إن "هؤلاء يفتقرون إلى وضوحٍ في الرؤية في ما يتعلّق بالمسار الذي ينوون التزامه".
وتابع أنه "على الرغم من المبالغة الكبيرة من جانب حركة "البديل الوطني" في تقدير حجمها وتأثيرها، فإنها قد تكون المجموعة القادرة على توحيد مناصري اليمين المتطرّف المشرذم والمتهالك في المملكة المتّحدة، من خلال استقطاب جيلٍ من الناشطين الشباب". وخلص مردوخ إلى التنبيه من أن "هؤلاء يمكن أن يشكّلوا تهديداً حقيقياً للبلاد نظراً إلى آرائهم المتطرّفة".
© The Independent