بعد لبنان، دخلت الشركة البترولية الحكومية الجزائرية "سوناطراك" في جدال مع تونس، حيث هددت بخفض كميات الغاز المخصصة لها في إطار صفقة تربط البلدين، ما دفع الطرف التونسي وبهدف احتواء الوضع إلى إصدار بيان "متناقض".
"منع" الغاز الجزائري عن تونس؟
كشفت مصادر إعلامية جزائرية عن اتصال الرئيس التونسي قيس سعيد، بنظيره عبد المجيد تبون، ليشكو قرارات اتخذتها "سوناطراك" إزاء المؤسسة التونسية للكهرباء والغاز (الستاغ)، وعدم تفهمها المصاعب التي تعانيها تونس، والتي تحول دون دفع الفواتير المتأخرة.
أضافت المصادر أن "سوناطراك" قلقة من تراجع قدرة "الستاغ" على تسديد ديونها، الأمر الذي دفع سعيد إلى التواصل مع نظيره الجزائري من أجل التدخل وتفهم الصعوبات المالية الكبيرة التي تعانيها بلاده، تجنباً لانقطاعات التيار الكهربائي، وما يتبعه من احتقان شعبي قد يفجر الشارع التونسي.
توضيح تونسي
من أجل توضيح الأمور وتهدئة الأوضاع، سارعت وزارة الطاقة والمناجم التونسية إلى إصدار بيان أكدت فيه عدم وجود أي إشكال في التزود بالغاز الجزائري وفق الاتفاقيات السارية بين البلدين، وأن كل ما يروج حول إمكانية توقف الجزائر عن ضخ الغاز إلى تونس غير صحيح.
وذكرت أن تونس طلبت من الأشقاء الجزائريين خلال يونيو (حزيران) الماضي، رفع كمية الغاز لتعويض النقص الحاصل في الإنتاج المحلي، وأنه "تم التواصل بين وزيري الطاقة في البلدين، وكذلك على المستوى الدبلوماسي، وكان تفهم وتعاون الأشقاء الجزائريين إيجابياً جداً".
وأضافت الوزارة التونسية أن "الستاغ"، قامت بتسديد الجزء الأكبر من ديونها تجاه "سوناطراك" منذ منتصف أغسطس (آب)، مشيدة بعمق العلاقة الوثيقة بين البلدين وبالتعامل الإيجابي من الأشقاء الجزائريين في ملف الطاقة وغيره.
وبلغت ديون "الستاغ" غير المسددة لـ"سوناطراك"، مع نهاية مايو (أيار) الماضي، حوالى 764 مليون دولار.
شح الموارد المالية
يعتقد المحلل الاقتصادي مراد ملاح، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن شح الموارد المالية للجزائر جعل شركة "سوناطراك" تبادر إلى تخفيض كميات الغاز الموجهة إلى تونس، كنوع من الضغط لاسترداد المستحقات المالية غير المدفوعة والمستحقة منذ فترة لدى الشركة التونسية للكهرباء والغاز. وهو ما من شأنه الضغط على تونس، على اعتبار أن 97 في المئة من الكهرباء التي تنتجها مصدرها الغاز الجزائري، الذي يمثل أكثر من 55 في المئة من واردات تونس من الغاز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أن "سوناطراك" بقرارها ربما لم تراع مستوى العلاقات السياسية والتاريخية وحسن الجوار بين البلدين، و"من الصعب جداً الجزم بأن القرار يجب أن يتم إخضاعه لهذه المعطيات والاعتبارات في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد الجزائري وحاجة الخزينة العامة لكل مورد مالي من العملة الصعبة"، مؤكداً أن "العلاقات الجزائرية التونسية أكبر من أن يعكرها تعثر سداد ديون الشركة التونسية للكهرباء والغاز".
ودعا إلى التنبيه إلى أن المشهد برمته يقع تحت طائلة الصدمة الكبرى المزدوجة التي أحدثها كورونا داخلياً وخارجياً، إذ إن إجراءات الغلق وتراجع الطلب جعل الحكومات أمام إجبارية امتصاص الصدمة الاقتصادية على حساب موازنتها المالية، وهنا يتقاطع البلدان في تراجع مداخيلهما المالية.
مخاوف من العتمة
تتزايد المخاوف في تونس من دخول البلاد في عتمة، جراء انقطاع التيار الكهربائي، في ظل الإضرابات المتواصلة لعمال المنشآت النفطية، بالإضافة إلى عدم قدرتها مالياً على استيراد مزيد من الوقود من الخارج لتشغيل محطات الكهرباء، حيث أكد المستشار في وزارة الطاقة والمناجم التونسية، حامد الماطري، أن بلاده خسرت 50 في المئة من إنتاج الغاز الطبيعي، الذي تعتمد عليه شركة الكهرباء الحكومية، فارتفع الطلب على الواردات الجزائرية، بينما ليس لدى تونس الإمكانات المالية لاستيراد مزيد من الغاز نتيجة تراكم الديون المستحقة لشركة "سوناطراك".
ووقعت منذ شهرين "سوناطراك" و"الستاغ" اتفاقاً يقضي بتجديد عقد شراء وبيع الغاز الطبيعي لمدة ثماني سنوات إضافية (حتى عام 2027)، واتفقتا على "إمكانية تمديد هذا العقد مرة أخرى لمدة عامين آخرين". كما تضمن الاتفاق زيادة في كمية الغاز بنسبة 20 في المئة بداية من عام 2025، استجابة للارتفاع المتوقع للاستهلاك في هذه السوق الإستراتيجية.
من لبنان إلى تونس
عاشت شركة "سوناطراك" مواجهة ساخنة منذ أسابيع، مع شركة كهرباء لبنان، فيما يعرف بفضيحة "الفيول المغشوش"، التي أدت إلى توقيف موظفين في الشركتين. وكشف القضاء اللبناني عن تلقي موظفين رشاوي لإدخال وقود مغشوش، وتلاعب آخرون بالتقارير المخبرية، وكادت الأمور أن تؤدي إلى أزمة بين البلدين لولا تدخل السلطات العليا في الجزائر وبيروت.