بتكتم شديد يخوض الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية، مصطفى أديب، تجربته الأولى والصعبة، محاولاً بما اكتسبه من خبرة دبلوماسية خلال توليه منصب سفير لبنان في ألمانيا، تشكيل حكومة قابلة للحياة، على أن لا يكون مصيرها كمصير حكومة حسان دياب.
من دون ضجيج إعلامي وسياسي، يسير مسار التأليف بأسلوب غير مألوف مقارنة مع مراحل التأليف للحكومات السابقة. فباستثناء المشاورات غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف مع النواب والكتل النيابية، لم تسجل لأديب أي لقاءات أو حركة مع أي مرجعية سياسية حتى الآن. وحده اللقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون خرق المشهد، وهو لقاء يفرضه الدستور على الرئيس المكلف، إذ عليه أن يطلع رئيس الجمهورية على ما توصل إليه من تصورات للتشكيلة الحكومية التي يمسك رئيس الجمهورية ورقة التوقيع عليها لتصبح نهائية. وبما قل ودل من الكلام، اختصر الرئيس أديب الشوط الأول من السباق، معلناً أن قناعته ورغبته هما تشكيل فريق عمل متجانس وحكومة أختصاصيين تسعى للعمل بسرعة وبشكل عاجل من أجل وضع إصلاحات أساسية، حددها بالمالية والاقتصادية، وتكون قادرة على متابعة مهمة إعادة إعمار بيروت جراء انفجار المرفأ.
الحكومة قبل 14 سبتمبر
في منزله المستأجر في بيروت، ينكب الرئيس المكلف على وضع تشكيلته المتجانسة كما ردد منذ تكليفه بالمهمة. وتكشف مصادر مقربة منه أن سيراً ذاتية وأسماء كثيرة اختارها على أساس الكفاءة والاختصاص لتولي حقائب أساسية. الأسماء موجودة على طاولته، ومن بينها من هم من غير المقيمين في لبنان. وهو بحسب المصادر اختار الأسماء المقترحة وحده من دون العودة إلى أي مرجعية سياسية. وتجزم المصادر أن أي تواصل لم يحصل حتى الآن مع أي من القوى السياسية التي اعتادت أن تفرض شروطها لتسهل التأليف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم يحمل الرئيس المكلف إلى رئيس الجمهورية، في اللقاء الأول، تصوراً نهائياً لحكومته، لكن البحث وفق المصادر تناول الحقائب ودمج بعضها وربما إلغاء بعضها الآخر، انطلاقاً من نية لديه في تشكيل حكومة مصغرة قد لا تتعدى 14 وزيراً، موزعة بين 7 مسيحيين (3 للموارنة وأرثوذكسيان وكاثوليكي وأرمني)، و7 مسلمين (3 سنة و3 شيعة ودرزي واحد).
وفيما تؤكد مصادر الرئيس المكلف أن الأجواء إيجابية ومسهلة حتى الآن، وأن الحكومة قد تبصر النور على أبعد تقدير قبل 14 سبتمبر (أيلول)، أي ضمن المهلة الزمنية التي حددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كشرط أولي على السياسيين تنفيذه لضمان استمرار المبادرة الفرنسية، علم أيضاً أن أديب واستناداً إلى مطلب فرنسي أيضاً، اقترح على رئيس الجمهورية اعتماد مبدأ المداورة في الحقائب. والمفاجأة أن عون لم يمانع، مشترطاً أن تعتمد المداورة على الجميع من دون استثناء.
تشكيلة حكومية فيها تغيير
يعمل الرئيس المكلف، وفق مصادره، على إحداث تغيير في الحكومة الجديدة. وفي هذا الإطار، عُلم أن الحقائب الأساسية المعنية بالإصلاحات المطلوبة والضرورية لفك عزلة لبنان الدولية وتحريك مؤتمر سيدر وأي مساعدات تستعد الدول المانحة لتقديمها، لن تمنح لقوى سياسية سبق وفشلت في اختبار الإصلاح. وفيما كشفت المصادر أن أديب استعان بنصيحة فرنسية وأسماء مقربة من الفرنسيين لتولي حقيبة الطاقة، التي بقيت مع التيار الوطني الحر منذ عام 2010، ولحقيبة الاتصالات التي توالى عليها وزراء من التيار الحر ولاحقاً من المستقبل، عُلم أن السياسة الخارجية لن تكون في يد القوى السياسية المقربة من حزب الله، علماً أن الخارجية كانت انتقلت في مرحلة التسويات من الفريق الشيعي الممثل بحركة أمل إلى الفريق المسيحي الممثل بالتيار الوطني الحر، والاثنان حلفاء لحزب الله. ويعتمد الرئيس المكلف على الرافعة الفرنسية لإحداث تغيير في الحكومة. وفيما كشفت المصادر أن المداورة في الحقائب لن تطال حقيبة المال التي ستبقى مع الفريق الشيعي، انطلاقاً من "حق" الطائفة الشيعية بالحصول على التوقيع الثالث على المراسيم إلى جانب التوقيع الماروني والسني، وهو حق عمل الثنائي الشيعي، أمل وحزب الله، على تكريسه بأمر الواقع والقوة، في كل تشكيلة حكومية، لن يتخليا عنه. في المقابل، تقول مصادر الرئيس المكلف إن إصرار الثنائي الشيعي على إبقاء حقيبة المال ضمن حصة الطائفة الشيعية، سيقابله هذه المرة تنازلات وتضحيات من قبل هذا الفريق، وهي تنازلات رفضت المصادر الكشف عن نوعيتها ومضمونها. علماً أن مصادر تحدثت عن إمكانية إبقاء المالية مع الشيعة لكن لشخصية اختصاصية مستقلة لا لون سياسياً لها. ما سينسحب على حقيبتي الطاقة والخارجية، بما يلزم رئيس التيار الحر التخلي عن هاتين الحقيبتين لمصلحة شخصيتين مسيحيتين لا تدوران في فلكه.
حكومة محاصصة
التفاؤل المفرط الذي يعتمد على الدور الفرنسي لفرض تغيير جذري في التشكيلة الحكومية، بأن تنكفئ القوى السياسية التي عطلت سابقاً أي قرار إصلاحي وسيادي، لا يبدو شعوراً معمماً لدى كثيرين في لبنان. فحال الترقب والحذر التي ترافق مسار التشكيل الحكومي، بدت تميل أكثر إلى التشكيك في إمكانية نجاح الرئيس أديب في الإفلات من قبضة القوى السياسية التي سمته. الكلام المستجد عن تخطي التشكيلة الحكومية 14 وزيراً وتوسعها ليراوح عددها بين 20 و22 وزيراً يعني، بحسب مصادر سياسية معارضة، أن أديب رضخ لمبدأ المحاصصة السياسية. علماً أن حجة الحفاظ على التوازن الطائفي والالتزام بنص الطائف يمكن أن يحترما في أي تشكيلة مصغرة.
وكشفت مصادر مطلعة على موقف البطريرك بشارة بطرس الراعي أن أي تشكيلة حكومية يتجاوز عددها 12 أو 14 وزيراً ستعتبرها بكركي حكومة محاصصة. وأبعد من الأعداد والحقائب، يبقى السؤال المركزي هل سيسمح حزب الله الحاكم الفعلي في لبنان ومايسترو الأكثرية النيابية في مجلس النواب، التي ستحتاج إليها أي تشكيلة حكومية للحصول على الثقة كي تصبح فعلية، هل سيسمح بتشكيل حكومة يكون هو خارجها ومن دون مشاركة له في قرارها، إن في المباشر أو غير المباشر؟