استخلص السجين الأميركي السابق في إيران شيوي وانغ ما قال إنه دروس من تجربة اعتقاله، مفادها أن التقارب بين واشنطن وطهران ضرب من المستحيل، خلافاً لاعتقاده السابق كما أوساط أميركية عدة، قبل أن يسجن.
وما أثار دهشة وانغ أن الدولة العميقة في إيران لا تزال ترى في عداء أميركا "سر بقائها"، حتى مع إبرام الطرفين في ذلك الحين اتفاق "البرنامج النووي"، الذي حصل بموجبه الجانب الإيراني على امتيازات كثيرة، بينها ملايين الدولارات التي كانت مجمدة في واشنطن على خلفيات العقوبات المشددة ضد الجمهورية الإسلامية.
الأفضل حال توتر "يمكن التحكم فيها"
جاء ذلك في شهادة كتبها الباحث الأميركي من أصل صيني لمجلة "فورين فيرز" الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، روى فيها "دروس ثلاث سنوات في سجون إيران"، مؤكداً أن "الحاجة إلى الحفاظ على العداء ضد الولايات المتحدة، بغض النظر عن توجه السياسة الأميركية تجاه إيران معترف به على نطاق واسع بين المسؤولين الإيرانيين، وقد قال لي سجين كان يعمل في مكتب حكومي رفيع إن سعيد جليليكان السكرتير السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علّق بأن النظام لا يريد أية مصالحة مع الولايات المتحدة لأنها ستقوض شرعيته، وبدلاً من ذلك أراد النظام الحفاظ على حال توتر "يمكن التحكم فيها" مع الولايات المتحدة من أجل تبرير سياساته الداخلية والخارجية".
اعتُقل شيوي وانغ داخل طهران في أغسطس (آب) 2016، عندما كان يتعلم الفارسية ويبحث في الأرشيف الوطني الإيراني عن مصادر لأطروحة دكتوراه عن تاريخ السلالة القاجارية، التي حكمت إيران من 1785 وحتى 1925، ثم صدر في يوليو (تموز) 2017 حكم بسجن وانغ 10 سنوات بتهمة "التعاون مع دولة عدوة"، وذلك قبل أن يفرج عنه في صفقة تبادل سجناء بين أميركا وإيران مطلع الشهر الماضي بوساطة سويسرية.
لكن فترة السجن التي قضاها وانغ سمحت له بالاطلاع على ما يدور في كواليس السلطة الإيرانية عن كثب، إذ نقل عن سجين آخر قوله في سياق أهمية عداء واشنطن بالنسبة إلى إيران "إن سفيراً إيرانياً سابقاً لدى الأمم المتحدة أعرب عن أسفه لأن المصلحة الوطنية الإيرانية طويلة الأمد ستتضرر من العداء الدائم للولايات المتحدة، لكنه نصح مرؤوسيه بالتخلي عن أمل ساذج في التقارب، لأن نظام الجمهورية الإسلامية لن يسمح بذلك أبداً".
"كن جاسوسا"
وفي تقدير الباحث الأميركي، يستغل الموالون للنظام العداء ضد الولايات المتحدة لتحقيق مكاسب شخصية ومؤسسية، وبذلك يعززون العداء. ونقل عن أحد المحققين في نهاية عملية الاستجواب دعوته إلى الاعتراف بأنه جاسوس للولايات المتحدة، "بالرغم من أنه يعلم أنني لست كذلك"، وقال "هذا الاعتراف ضروري حتى يمكن لأجهزة المخابرات الإيرانية أن ترفع قضية ضدي، وتطالب الولايات المتحدة بدفع نقدي وتبادل الأسرى، ولقد صدمت من صراحة المحقق وسخريته المطلقة".
ولفت وانغ إلى أنه علم من مصادر إعلامية إيرانية في ما بعد أن "جناح استخبارات الحرس الثوري الإسلامي (الحرس الثوري الإيراني) ووزارة المخابرات، وهما جهازا المخابرات المتنافسان الرئيسان في إيران، جادلا علناً حول أي منهما يجب أن يُنسب إليه الفضل في استرداد 1.7 مليار دولار من الأصول المجمدة التي تزامنت مع إطلاق السجناء الأميركيين في يناير 2016، ومن المنطقي أن كانت نتيجة هذا النقاش أن الفصائل المتنافسة في أجهزة المخابرات الإيرانية تواصل اعتقال مزيد من الأميركيين لاستخدامهم كبيادق سياسية".
الصورة التي بدت لطالب الدكتوراه الأميركي أظهرت له في نهاية المطاف أنه "يجب على صانعي السياسة الأميركيين والجمهور أن يفهموا أن جوهر علاقة إيران الإشكالية مع الولايات المتحدة يكمن في الحقيقة التالية، يتطلب بقاء الثيوقراطية وازدهار النخبة فيها الحفاظ على العداء ضد الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على حال الصراع ، من دون أن تؤدي إلى الحرب أو تدمير النظام، وتلعب الجمهورية الإسلامية باستمرار لعبة دقيقة يترتب عليها للأسف عواقب حقيقية في معاناة شخص مثلي، وكذلك للأشخاص العاديين في جميع أنحاء إيران والشرق الأوسط".
التفكير في المعتدلين يؤجج العداوة
وزاد "الولايات المتحدة أهم بكثير بالنسبة لإيران من إيران بالنسبة للولايات المتحدة، لكن إيران قوة مفسدة يمكن أن تلحق ضرراً كبيراً بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وهذه القدرة التدميرية هي النفوذ الرئيس الذي تمارسه إيران. لا ينبغي لواشنطن أن يغيب عن بالها أبدًا، بغض النظر عن مدى استقطاب المناقشات حول إيران، أن التفكير بالتمني حول قدرات المعتدلين الإيرانيين أو إمكان تغيير الطبيعة الثورية للجمهورية الإسلامية يساعد في تأجيج الخطاب المعادي لأميركا والتضليل الإعلامي للنظام الإيراني، ويسمح له بالاستفادة من الانقسامات السياسية داخل الولايات المتحدة".
اللافت أن القناعة الجديدة كان ضدها السائد في مفهوم وانغ قبل أن يرى الصورة الكاملة وسط السجن، إذ حكى أنه حتى بعد اعتقاله كان مؤمناً بأن العداء بين واشنطن وطهران ليس قدراً محتوماً، إلا أنه بعد الاطلاع على بقية أجزاء الصورة، أدرك أن فتح صفحة جديدة مع النظام الإيراني الحالي مجرد أضغاث أحلام.
رجال النظام في سجن "ايفين"
وأضاف "في أغسطس (آب) 2016، وبعد فترة وجيزة من اعتقالي من وزارة الاستخبارات الإيرانية، سألني أحد المحققين عن رأيي في العداء بين إيران والولايات المتحدة. قلت له بصراحة إنني مثل الكثير من الأميركيين، لا أعتقد أن إيران والولايات المتحدة يجب أن تكونا عدوين. قلت إنني أعتقد أن الرئيس باراك أوباما يجب أن يزور طهران ويفتح صفحة جديدة في العلاقة، تماماً كما فعل الرئيس ريتشارد نيكسون عندما ذهب إلى بكين في عام 1972. سخر المحقق. قال لي إن الرئيس الأمريكي لن يكون موضع ترحيب في بلاده".
لكن وانغ بعد 40 شهراً قضاها في سجن "ايفين" الذي وصفه بـ "سيء السمعة"، أقرّ بخيبة أمله، ما جعل نظرته للعلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، "وطبيعة النظام الإيراني تتغير تدريجاً، فهناك شاهدت أعمال النظام الفعلية من الداخل، وتعلمت الكثير من التعامل مع السجناء الآخرين ورجال إيرانيين من جميع مناحي الحياة، كثير منهم عملوا سابقاً مع النظام".
من جهته، يدافع النظام الإيراني عن الإبقاء على خطابه العدائي مع الولايات المتحدة بحجة فقدان الثقة والتشكيك في صدقية واشنطن، واتهامها بالكيد المبطن للجمهورية الإسلامية بالرغم من إظهارها الرغبة في الحوار معها، إذ يرى المرشد علي خامنئي الذي يمثل مرجع السلطات في طهران أن "أميركا أخبث عدو لإيران، لأن مسؤولي هذا البلد كاذبون ووقحون وطامعون وظالمون وتجتمع فيهم كل الصفات السيئة"، على حد وصفه.