بالنسبة إلى الأطفال الذين كبروا في تسعينيات القرن الماضي، جلب إطلاق شركة ديزني لفيلم الكرتون مولان في العام 1998 معه بطلة لا شبيهة لها، امرأة حاربت توقعات المجتمع والمعايير الجندرية المألوفة دفاعاً عن قيم مثل الشجاعة والإيمان بالنفس والعزم المطلق.
وبعد مرور أكثر من عقدين على إطلاق الفيلم - وهو أحد الأفلام الكلاسيكية خلال عصر النهضة الذي عاشته ديزني بين 1989 1999- تطرح الشركة نسخة حية من الرواية على منصتها الجديدة للبث التدفقي، ديزني بلس.
سوف يُعرض الفيلم بداية على خدمة ديزني بلس لقاء 19.99 جنيه إسترليني ابتداء من يوم الجمعة 4 سبتمبر(أيلول)، قبل أن يصبح متوفراً للمشاهدة إلى جانب أفلام ديزني الأخرى على المنصة في ديسمبر (كانون الأول).
وتروي النسختان الكرتونية والحيّة قصة شابة تقرّر الالتحاق بالجيش الصيني بدل أبيها المسن، فتُخفي هويتها الحقيقية وتتظاهر بأنها رجل.
وفيما قد ترتبط مولان في ذهن كثيرين بأفلام ديزني، ربما لا يعرف البعض أصول حكايتها التي تعود جذورها إلى قصص شعبية عمرها قرون عدة.
ومع أنه لا يمكن الجزم بأن مولان شخصية حقيقية، فقد ألهمت قصتها عدداً لا يُحصى من الأشخاص على مدى مئات السنين، وهو إرث باقٍ حتّى يومنا هذا.
ما هو أصل حكاية مولان؟
تأتي قصة مولان من شعرٍ صيني قديم يحمل عنوان "قصيدة مولان"، ويعود إلى سلالة واي الشمالية بين العامين 386 و534 ميلادية.
خلال حقبة واي الشمالية، غالباً ما كانت قومية "هَن"- أو زونغ نو- تَغير على المناطق الشمالية للصين الواقعة تحت سيطرة الهان، كما تقول شركة الرحلات "تشاينا هايلاتس" China Highlights.
وتشير الشركة إلى أنه "استناداً إلى الوثائق التاريخية الصينية، وقعت حرب حقيقية بين ولاية واي الشمالية وولاية في منغوليا اسمها روران".
"وفي العام 429، قاد إمبراطور (خان) واي الشمالية جيشاً ليشنّ حرباً على روران، استمرت 12 عاماً وفقاً لقصيدة مولان".
وتروي قصيدة مولان التحاقها بالجيش وإثباتها جدارتها وتفوّقها، بعدما كانت تعلمت في السابق فنون القتال والمبارزة بالسيف. وظلّت محاربة طوال 12 عاماً أخفت خلالها هويتها الحقيقية.
وعند انقضاء خدمتها في الجيش، تعود مولان إلى عائلتها، وترفض عرضاً بتلقّي شهادة تقدير للدور الذي لعبته. وتقول الحكاية إن زملاءها من الجنود لم يكتشفوا سوى في هذه المرحلة أنها امرأة.
واستناداً إلى "تشاينا هايلايتس"، أصبحت قصيدة مولان معروفة بشكل كبير خلال سلالة تانغ في الصين بين العامين 618 و907 ميلادية وهي الفترة التي انتشرت فيها بشكل أوسع باعتبارها قصة شعبية شائعة.
نُسخ القصة عبر الزمن
بعد مرور قرون على ذيوع شهرة حكاية مولان، ألّف الكاتب المسرحي الصيني تسو واي في القرن السادس عشر مسرحية في فصلين تستند إلى القصيدة الأساسية بعنوان "البطلة مولان تذهب إلى الحرب مكان والدها".
وفي القرن التالي، نُشر كتاب بعنوان قصة حب سيو وتانغ، للمؤلف تشو رينهو، قدّم فيه قراءة مختلفة بعض الشيء لحكاية مولان.
وفي الكتاب الصادر في العام 2006 بعنوان بحث في تصورات الرجولة في ختام الأمبراطورية الصين، يتعمّق الكاتب مارتن و. هوانغ في العوامل الداخلية للقصة.
وتُخبر الحكاية المرويّة بتصرّف قصة مولان عينها التي تنضم إلى الجيش مكان والدها، لكن خلال القرن السابع هذه المرة.
وفي هذه الحكاية، تُؤسر مولان في أرض المعركة على يد ملك زيا دو جياندي. وبعد أسرها، تلتقي الشابة ابنة الملك، دو زيانيانغ، وهي محاربة بدورها، وتقسم بأن تصبح "شقيقتها" كما يكتب هوانغ.
وفيما يروي نصّ قصيدة مولان عودة المحاربة إلى كنف عائلتها بعد انتهاء أيام القتال، يقول كتاب قصة حب سوي وتانغ إنها تعود إلى منزلها لتكتشف أنّ والدها قد توفّي ووالدتها تزوجت من جديد.
بعد هذا الاكتشاف، تتلقّى مولان أمراً بالالتحاق بحريم خان (حاكم) تركي. ويُخبر هوانغ ما يسرده رينهو في الحكاية عن أنّ مولان تقرر إنهاء حياتها بيدها بدل الانصياع لأمر الانضمام إلى الحريم.
إرث محاربة
فيما لا تتوفّر إجابة حاسمة حول ما إذا كانت مولان شخصاً حقيقياً أم لا، يعتقد البعض أنها كذلك.
يقول موقع مولانبوك.كوم mulanbook.com إن مقاطعة هوباي شيّدت نصباً تذكارياً مخصصاً لمولان، إذ تزعم المقاطعة أنها مسقط رأس المحاربة.
وبينما يزعم الخبير التاريخي زو غوزن أنّ مولان وُلدت في بوزو، ادّعى غيره من الأكاديميين بدورهم أنها تتحدر من مناطق أخرى منها شانزي وهينان وهيبي، كما يوضح الموقع.
ويبدو أن الأغلبية تؤيد فكرة أنّ مولان شخصية خيالية. لكن سواء كانت شخصاً حقيقياً أم لا، ما زالت شخصية مُلهمة بالنسبة إلى الأطفال والبالغين على حدٍ سواء.
وغالباً ما توصف مولان بأنها من أهم الشخصيات التي صوّرتها ديزني، كما أنها إحدى البطلات الأكثر شعبية بين بطلات شركة الأفلام.
وختاماً، نذكر اقتباساً من أكثر الجمل التي لا يمكن نسيانها من الفيلم الكلاسيكي الذي أصدرته ديزني في العام 1998 "أكثر الأزهار ندرة وجمالاً تلك التي تتفتّح في الشدائد".
© The Independent