تعهد الاحتياطي الفيدرالي الأميركي دعم الانتعاش الاقتصادي من خلال وضع معيار أعلى لرفع أسعار الفائدة، ومن خلال الإشارة إلى أنه يتوقع إبقاء أسعار الفائدة بالقرب من الصفر مدة ثلاث سنوات أخرى على الأقل، حسب ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال.
وبعد اجتماعات استمرت نحو يومين شارك فيها 17 مسؤولاً توقعوا إبقاء معدلات الفائدة بالقرب من الصفر على الأقل حتى العام المقبل، وبأنه سيكون هناك 13 سعراً متوقعاً حتى 2023.
كما راجعت لجنة تحديد سعر الفائدة في الاحتياطي الفيدرالي بيانها اللاحق للاجتماع للقول بأنها ستحافظ على أسعار الفائدة بالقرب من الصفر، لحين رؤية دليل على وجود سوق عمل ضيقة، وتضخم يصل إلى اثنين في المئة، "وهو في طريقه إلى تجاوز اثنين في المئة بشكل معتدل بعض الوقت".
وقال روبرتو بيرلي، الاقتصادي السابق في الاحتياطي الفيدرالي، الذي يعمل حالياً في شركة الأبحاث كورنرستون ماكرو، "لقد وضعوا معياراً مرتفعاً للغاية لرفع الأسعار. هذا هو بيت القصيد".
تراجع مكاسب الأسهم الأميركية
ومع انعقاد الاجتماعات، تراجعت مكاسب الأسهم الأميركية بعد ظهر الأربعاء. إذ انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 0.5 في المئة أمس. ولم يتغير العائد على سندات الخزانة الأميركية القياسية لأجل عشر سنوات بشكل طفيف، إذ ارتفع إلى 0.686 في المئة من 0.678 في المئة. بعد تداول متقلب في الأيام الأخيرة، وانخفضت جميع مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسة حتى الآن هذا الشهر.
اجتماعات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي التي استمرت يومين واختتمت أمس الأربعاء هي الأولى منذ أعلن المسؤولون الشهر الماضي إطار عمل جديداً للسياسة، تخلوا فيه عن استراتيجيتهم الطويلة الأمد، المتمثلة في رفع أسعار الفائدة بشكل استباقي، لتجنب ارتفاع التضخم.
وكشفت أحدث الاجتماعات عن مدى توقع البنك المركزي تغيير الطريقة التي سيتفاعل بها مع التحسينات في الاقتصاد. وأظهرت التنبؤات الاقتصادية الجديدة، أن معظم المسؤولين توقعوا بقاء أسعار الفائدة بالقرب من الصفر خلال السنوات الثلاث المقبلة، حتى لو وصل التضخم إلى اثنين في المئة، وانخفضت البطالة إلى نحو أربعة في المئة.
وعلى النقيض من ذلك، عندما رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في نهاية عام 2015 بعد أن أبقاها بالقرب من الصفر مدة سبع سنوات، توقع المسؤولون أن البطالة ستنهي بنحو خمسة في المئة، وأن ما يسمى بالتضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة، سينتهي هذا العام عند 1.3 في المئة، ولن يصل إلى اثنين في المئة مدة ثلاث سنوات أخرى.
وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، في مؤتمر صحافي، "توضح هذه التغييرات التزامنا القوي على مدى فترة زمنية أطول". وأضاف "أنا لا أبحث عن رد فعل كبير حالياً. لكنني أعتقد أنه بمرور الوقت فإن التوجيه الذي نتوقعه للاحتفاظ بالموقف الحالي حتى يتحرك الاقتصاد بعيداً جداً نحو أهدافنا هو أمر قوي جداً".
توقعات بتراجع معدلات البطالة بنهاية العام
وبشكل منفصل، راجع المسؤولون توقعاتهم الاقتصادية ليونيو (حزيران)، لتعكس التوقعات انكماشاً أقل حدة هذا العام في معدل البطالة. متوقعين أن يتراوح معدل البطالة بين سبعة في المئة وثمانية في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام، بانخفاض عن توقعاتهم ليونيو بنحو تسعة في المئة إلى عشرة في المئة.
وشهد معدل البطالة انخفاضاً إلى 8.4 في المئة الشهر الماضي من أعلى مستوى له في الآونة الأخيرة عند 14.7 في المئة في أبريل (نيسان). وقال باول إن المستوى الأدنى من المعدل قد يعكس جزئياً حقيقة أن عدداً أقل من الأميركيين يبحثون عن فرص عمل في الوقت الحالي، ما يعني أنهم لم يتم احتسابهم رسمياً بين العاطلين من العمل.
وأشار مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى قلقهم من أن المكاسب السهلة من إعادة فتح الاقتصاد يمكن أن تخفي ندوباً أعمق، إذ أغلقت الشركات الأكثر ضعفاً، ويواجه الموظفون في القطاعات المتضررة نوبات أطول من البطالة.
وانخفضت أعداد العمال المسرحين مؤقتاً بمقدار الثلثين أو نحو 12 مليوناً منذ الربيع، بينما فقد أكثر من مليوني أميركي وظائفهم بشكل دائم، وانخفض عدد العاملين الأميركيين بمقدار 11 مليون الشهر الماضي مقارنة بفبراير (شباط).
وقال باول إنه سيكون من المهم أن ينفق الكونغرس مزيداً من الأموال لدعم الأسر والشركات المتضررة بشدة وحكومات الولايات والحكومات المحلية، للحد من الأضرار الإضافية التي تلحق باقتصاد البلاد.
وأضاف، "خلال الستين يوماً الماضية أو نحو ذلك، تعافى الاقتصاد بشكل أسرع من المتوقع، وقد يستمر ذلك أو قد لا يستمر، من الصعوبة بمكان التنبؤ بهذا الأمر".
شراء أوراق مالية بمليارات الدولارات
وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي قد أبقى أسعار الفائدة إلى ما يقرب من الصفر في مارس (آذار)، واشترى أوراقاً مالية بمليارات الدولارات، بعد أن هددت جائحة فيروس كورونا بإحداث ذعر مالي، وبعد أن سعى المستثمرون والشركات لجمع الأموال. كما أنه دعمت مجموعة من أسواق الإقراض.
لكن، مع أسعار الفائدة القصيرة والطويلة الأجل عند مستويات منخفضة تاريخياً، يمكن أن يكون لدى الاحتياطي الفيدرالي أدوات أقل لتحفيز الانتعاش مما كان عليه بعد الأزمة المالية لعام 2008. في المؤتمر الصحافي يوم الأربعاء، استخدم باول كلمة "قوي" عشر مرات، لوصف التوجيه الجديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان السؤال الكبير الذي جرى طرحه في اجتماع هذا الأسبوع هو ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي سيفصل الشروط المحددة التي قد تؤدي إلى إنهاء أسعار الفائدة القريبة من الصفر. بالتالي مثل هذه التوجيهات المزعومة هي إحدى الطرق التي يعتقد المسؤولون أنها يمكن أن توفر مزيداً من الحوافز. وقال كثير من رؤساء بنوك الاحتياطي الفيدرالي إنهم ليسوا في عجلة من أمرهم للقيام بذلك، لأنهم أرادوا الحصول على مزيد من الوضوح بشأن التوقعات الاقتصادية، ولأن المستثمرين يتوقعون بالفعل أن يُبقي الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة منخفضة عدة سنوات.
لكن آخرين قالوا إن هذا التوجيه يحتاج إلى البناء على إطار سياستهم الجديدة من خلال توضيح ظروف التضخم وسوق العمل بما يتفق مع إبقاء المعدلات قريبة من الصفر. ويمكن أن تساعد هذه الخطوات في إقناع الأسواق بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يرفع أسعار الفائدة بقوة حتى بعد السيطرة على فيروس كورونا واستقرار الاقتصاد.
اعتراض اثنين خلال عملية التصويت
وشهدت عملية التصويت على البيان الختامي للفيدرالي اعتراض اثنين من المسؤولين. ولم يرغب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دالاس روبرت كابلان في جعل التوجيه أكثر تحديداً في الوقت الحالي، بينما فضل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس نيل كاشكاري صياغة أبسط.
وقال بيرلي، الاقتصادي السابق في الاحتياطي الفيدرالي، إن المعارضين "يكشفون عن حقيقة أن اللجنة ليست على الصفحة نفسها، ما قد ينذر ببعض المشكلات في المستقبل". لكنهم أظهروا أيضاً لباول وقيادة اللجنة "بأنهم شعروا أن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله".
وقال باول، إن الاختلافات "لم تكن غير عادية" بالنظر إلى حداثة إطار العمل الجديد للاحتياطي الفيدرالي. "نحن أول بنك مركزي رئيس يتبنى هذا الإطار. بالطبع، سيكون هناك مجموعة واسعة من وجهات النظر".
في ظل إطاره الجديد، يقول بنك الاحتياطي الفيدرالي إن الفترات التالية التي ينخفض فيها التضخم باستمرار إلى ما دون هدفه البالغ اثنين في المئة، سيرغب المسؤولون في أن يتجاوز التضخم "باعتدال" فوق اثنين في المئة "لبعض الوقت"، وكان بيان الاحتياطي الفيدرالي قد اعتمد لغة مماثلة الأربعاء.
وعند الضغط على باول رفض تحديد تلك المعدلات. وقالت ميشيل ماير، المتخصصة الاقتصادية في بنك أوف أميركا، "عندما يبدأ الأمر في أن يصبح خادعاً ستحتاج السوق إلى قدر أكبر من الفهم حول ما يعنيه تجاوز الفائدة معدل اثنين في المئة بشكل معتدل، وما يعنيه القيام بذلك لبعض الوقت".
ويأمل مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي أن تساعد سياستهم بالتأثير في توقعات التضخم مستقبلاً من قِبل المستثمرين والمستهلكين والشركات، فهم يريدون تجنب الظروف التي أعاقت أوروبا لجزء من العقد الماضي واليابان في معظم العقدين الماضيين، إذ يؤدي انخفاض التضخم إلى انخفاض أسعار الفائدة.