توقع تقرير حديث أن تواجه تركيا موجة عنيفة من الانكماش والركود الاقتصادي على المدى القريب، في ظل السياسات الخاطئة التي تنتهجها الحكومة التركية والتدخلات المستمرة من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السياسة النقدية للبلاد وإصراره على خفض معدلات الفائدة لتحريك الركود، لكنه في الوقت نفسه يدعم استمرار ارتفاع التضخم وانهيار الليرة إلى مستويات أبعد مما تشهده في الوقت الحالي.
ورجح مصرف "غولدمان ساكس" و"دويتشه بنك" في مذكرة مشتركة، أن تعاني تركيا انكماشاً اقتصادياً أكثر مما كان متوقعاً في البداية، مؤكدَين أن تدفع الأزمات الحالية البنك المركزي التركي إلى العودة لسياسة رفع أسعار الفائدة بعكس ما يطلب الرئيس أردوغان.
ونظراً لتراجع قدرة البنك المركزي التركي على التدخل في السوق وإدارة احتياطياتها من العملات الأجنبية بشكل منفرد، فمن المتوقع أن تحتاج السياسة النقدية لتركيا إلى التشديد لإبطاء وتيرة الواردات وتشجيع التدفقات ووقف عمليات الدولرة التي تدعم انهيار الليرة.
الليرة التركية تنزل لقاع جديد والأنظار على البنك المركزي
في الوقت نفسه تراجعت الليرة التركية إلى منخفض جديد عند 7.58 مقابل الدولار، اليوم الاثنين، مع تحول الانتباه صوب اجتماع البنك المركزي المقرر في 24 سبتمبر (أيلول) وإمكانية اتخاذ مزيد من إجراءات التشديد النقدي غير المباشرة أو حتى رفع الفائدة على نحو صريح.
وكانت الليرة أعلى بقليل فحسب من أدنى مستوياتها على الإطلاق لتسجل 7.5775، مقارنة مع 7.5650 عند إغلاق يوم الجمعة. وهوت العملة أكثر من 21 في المئة أمام نظيرتها الأميركية منذ بداية العام الحالي.
عجز الحساب الجاري يسجل 4 في المئة من الناتج الإجمالي
على صعيد معدلات النمو، توقع التقرير أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي لتركيا وأن يواجه انكماشاً بنسبة لا تقل عن 3.5 في المئة خلال العام الحالي. فيما قام "دويتشه بنك" بتحسين توقعاته للعام بأكمله إلى انخفاض بنسبة 2.5 في المئة، أي أقل من 5.1 في المئة الذي شهده سابقاً، والذي يتوقع أن يتبعه انتعاش بنحو 4 في المئة خلال 2021.
ونتيجة الانكماش المتوقع، يتوقع الاقتصاديون في بنك "غولدمان ساكس" أن يبلغ عجز الحساب الجاري في تركيا نحو 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير البيانات الرسمية إلى أن ميزان الحساب الجاري التركي، سجل عجزاً بنحو 3 مليارات دولار في يونيو (حزيران) الماضي، بانخفاض طفيف عن توقعات السوق. ووفق بيانات البنك المركزي في تركيا، فإن رقم يونيو (حزيران) زاد بمقدار 2.8 مليار دولار عن الشهر نفسه من العام الماضي.
وقال البنك، إن إجمالي العجز التدريجي للبلاد على مدار 12 شهراً بلغ 11.1 مليار دولار. وكان استطلاع رأي لمحللين اقتصاديين قد توقع أن يسجل رصيد الحساب الجاري عجزاً قدره 3 مليارات دولار في ذلك الشهر. وتراوحت توقعات لجنة من 12 اقتصادياً بين 2.3 مليار دولار و5.1 مليار دولار. ووجد الاستطلاع أيضاً أنه من المتوقع أن يسجل رصيد الحساب الجاري التركي عجزاً قدره 18 مليار دولار خلال العام الحالي.
مخاطر استمرار دورة التيسير النقدي
التقرير أشار إلى أن "الخطر الرئيس يتمثل في أن السلطات التركية تشدد السياسة النقدية والمالية بشكل ضئيل ومتأخر للغاية؛ لأنها تفضل أن تظل داعمة للنمو في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى رفع أسعار الفائدة بنسب كبيرة للسيطرة على التضخم ووقف انهيار العملة، حيث يقترب المتوسط المرجح لتكلفة التمويل في تركيا من الحد الأعلى لسعر الفائدة.
وكان معدل إعادة الشراء لمدة أسبوع عند مستوى 8.25 في المئة منذ مايو (أيار) الماضي، ومن المرجح أن يظل دون تغيير في الاجتماع المقرر نهاية الأسبوع الحالي.
ووفق وكالة بلومبيرغ، فإنه أثناء تجنب رفع سعر الفائدة بشكل مباشر، بدأ صانعو السياسة النقدية والمالية في تركيا تشديد السيولة باستخدام أدوات هامشية حيث سجلت الليرة أدنى مستويات قياسية متتالية خلال الأسابيع الماضية لتخسر ما يقرب من 30 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي منذ بداية العام الحالي.
في ما يتوقع "دويتشه بنك" أن تصل أسعار التمويل في تركيا إلى 12 في المئة على الأقل، مع وجود مخاطر صعودية في حالة عدم استقرار العملات الأجنبية واستمرار خسارة العملة المحلية مقابل الورقة الأميركية الخضراء.
وكان متوسط تكلفة النقد الذي قدمه البنك المركزي التركي عند 10.39 في المئة يوم الجمعة، مرتفعاً من 7.34 في المئة منتصف يوليو (تموز) الماضي، حيث بدأ صانعو السياسة في توفير التمويل من خلال نافذة السيولة المتأخرة بأعلى معدل لهم.
وقال بنك "غولدمان ساكس"، إن البنك المركزي التركي قد يلتزم بهذا النهج، ومن المرجح أن يرفع معدل إقراض السيولة المتأخر إلى 12 في المئة من مستوى 11.25 في المئة خلال الاجتماع المقبل للبنك المركزي التركي.
ورجح التقرير أن تعني السياسة النقدية الأكثر تشدداً تعافياً أضعف في الطلب، مما قد يترجم إلى نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 3.5 في المئة فقط خلال عام 2021. وفي تصريحات سابقة، قال وزير الخزانة والمالية التركي، براءت البيرق، إن التوسع الاقتصادي في تركيا سيكون أعلى بكثير من 5 في المئة خلال العام المقبل إذا لم تشهد البلاد موجة كبيرة أخرى من فيروس كورونا.
وقال محللو "دويتشه بنك"، إنه "لا تزال مخاطر الهبوط كبيرة" بالنسبة للاقتصاد التركي. القطاعات الأكثر تأثراً بالأزمة هي السياحة والمطاعم والتصنيع، ومن المرجح أن تستغرق تركيا وقتاً طويلاً للوصول إلى مستويات ما قبل الأزمة الحالية.