بات رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد 23 عاماً من صدور هذا القرار من قبل الإدارة الأميركية، وشيكاً بحسب المعطيات الماثلة، والتي أكدتها زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان أمس الأحد 20 سبتمبر (أيلول) إلى الإمارات، وانخراطه في مفاوضات مع وفد أميركي في هذا الخصوص.
ويرافق البرهان في هذه الزيارة، وفد وزاري يرأسه وزير العدل السوداني نصر الدين عبد الباري، إلى جانب عدد من الخبراء المتخصّصين في الجوانب القانونية، لبدء تفاوض مباشر مع فريق من الإدارة الأميركية موجود حالياً في أبوظبي، حول رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ودعم الفترة الانتقالية، وإعفائه الديون الأميركية، وحث بقية الدول الصديقة على اتخاذ خطوات جادة في هذا الشأن.
لمسات أخيرة
وفي ما يتعلق بتطورات هذا الملف، يشير المحامي السوداني المتخصّص في حقوق الإنسان نبيل أديب إلى أنه يعتقد أن مسألة رفع اسم السودان من هذه القائمة في لمساتها الأخيرة، كما أنه من الواضح أن واشنطن كانت لديها محاولات ومناورات لربط هذا الملف بالتطبيع مع إسرائيل، لكن عندما رأت أن الموضوع لم يذهب كما تريد، وأن الضغط على الحكومة السودانية المدنية أصبح خطراً قد يهدد بقاءها في ظل تدهور البلاد اقتصادياً، خصوصاً أن الخرطوم وافقت على دفع التعويضات اللازمة لضحايا التفجيرات الإرهابية، وأن هذه هي قدرات السودان المتاحة بالفعل، جعلت الولايات المتحدة تتراجع عن ضغوطها على الخرطوم من منطلق أن أي ضغط على الحكومة الانتقالية أكثر من ذلك، سيهدد مصالح أميركا في البلاد التي تتمثل في وجود حكومة مدنية مستقرة، لأن أي وضع غير ذلك يؤثر في المنطقة ككل من ناحية الإرهاب وغيره.
وتابع في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "في اعتقادي أنه من الأفضل لواشنطن أن تتعامل مع الحكومة السودانية القائمة الآن لأنها تجد الدعم والمساندة من الشارع السوداني، كما أن السودان الآن كونه بلداً يتمتع بالحرية والديمقراطية، أصبح جزءاً من المجتمع الدولي، والتعامل معه قائم على الأسس نفسها المقبولة دولياً، عكس ما كان سابقاً في عهد نظام البشير المتعاون مع الإرهاب، مهدداً دول الجوار، فضلاً عن أنه كان يتسبب في الهجرة إلى أوروبا وأميركا، أما الآن، فلا توجد أي ممارسات خاطئة تهدّد المجتمعين المحلي والدولي من ناحية الحكومة الانتقالية.
هشاشة وانقسام
في سياق متصل، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات السودانية الرشيد محمد إبراهيم لـ "اندبندنت عربية"، "أعتقد أن ملف إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في طريقه للمعالجة، لكنه يتطلب نهجاً خاصاً أكثر من عملية تفاوض، لأنه يتداخل مع مسألة التطبيع مع إسرائيل، صحيح أن السودان استضاف زعيم القاعدة أسامة بن لادن ودوره في تفجير سفارتَي واشنطن في نيروبي ودار السلام، والمدمرة كول، لكنه أيضاً عانى من الحروب التي تسبب بها النظام السابق، ما أثر سلباً في أداء الحكومة الحالية التي تعاني من الهشاشة في جوانب عدة، بالتالي يجب على المفاوض السوداني مراعاة المصلحة الوطنية التي لا تقبل الانقسام، لأن الأميركيين يبحثون في النهاية عن مصالحهم سواء في السودان أو المنطقة ككل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى إبراهيم أن وجود وفد وزاري سوداني في الإمارات على رأسه وزير العدل نصر الدين عبد الباري، يأتي من أجل بحث كل ما يتعلق بالتشريعات والتسويات وحفظ حقوق الأطراف المعنية بالتفجيرات التي يتهم فيها السودان، وهي مسائل مهمة لإكمال خطوة رفع البلاد من قائمة الإرهاب، لافتاً إلى أن الموضوع أيضاً مرتبط باهتمامات الرأي العام الأميركي في ما يتعلق بمدى التقدم الذي أحرزه في مسألة حقوق الإنسان وقضايا العدل والمساواة وغيرها.
تعويضات جائرة
في المقابل، يوضح الكاتب والمحلل السياسي السوداني شمس الدين ضو البيت، أنه "بحسب ما رشح، هناك اتجاه قوي داخل الإدارة الأميركية والكونغرس والمجموعة الأوروبية، بل تأييد كبير وضغط على واشنطن من قبل المجتمع الدولي، بأن يرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأعتقد أن هذا الاتجاه هو الموقف الأخلاقي والمنطقي، لأن المجموعة التي كانت تمارس الإرهاب وأدخلت البلاد في هذه الورطة، محدودة تمثل الإخوان المسلمين، وقد تضرر منها الشعب السوداني بكامله، إذ مارست ضده أبشع أنواع القتل والتعذيب في مناطق الحروب سواء في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، وغيرهم ممن يخالفهم الرأي، لذلك من واجب المجتمع الدولي إزالة السودان من هذه القائمة فوراً ومن دون شرط وقيد".
وأضاف لـ "اندبندنت عربية"، "للأسف، لقد خضغت هذه المسألة لمحاولات وشروط وعقوبات بأن حُكِم على الحكومة الانتقالية السودانية بدفع تعويضات مالية لأسر ضحايا تفجير المدمرة كول وسفارتَي أميركا في كينيا وتنزانيا، وهذا ظلم وإجحاف بأن تتحمل الحكومة الحالية وشعبها أخطاء قلة من الشعب كانت تعيث في البلاد فساداً وإرهاباً، لكن في تقديري أن هناك رأياً عاماً عالمياً ودولياً دافعاً لرفع البلاد من قائمة الإرهاب، كما أن الحكومة الأميركية تعاني من بعض الحرج للاحتفاظ باسم السودان في هذه القائمة، فضلاً عن ما هو متوقع أن تحدثه الإدارة الأميركية من اختراقات دبلوماسية في هذا الجانب، ما يفيد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية المقبلة". لافتاً إلى أن زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الخرطوم أغسطس (آب) الماضي، مؤشر واضح لاقتراب رفع السودان من قائمة الإرهاب، وإلا كيف يزور ثاني مسؤول أميركي دولة موجودة ضمن البلدان الراعية للإرهاب؟ كما أن لقاء ترمب وسفير السودان لدى واشنطن نور الدين ساتي الخميس الماضي بمناسبة تقديم اعتماده سفيراً فوق العادة للخرطوم في الولايات المتحدة الأميركية، والذي كان ذي طابع ودّي، يأتي أيضاً كدليل قاطع هذه المرة بأن الأمر قاب قوسين وأدنى.
ونوّه ضو البيت بزيارة برهان الإمارات كونها ذات علاقة بهذا الملف، خصوصاً أن الحكومة الأميركية نجحت في إبرام اتفاق سلام بين أبو ظبي وتل أبيب، وتريد ربط السودان بهذه المسألة من أجل تحقيق بعض الاختراقات والمؤشرات الناجحة لواشنطن، في خطوة لإنجاح مساعيها ورغبتها في هذا الخصوص.
تقدم كبير
وكانت القائمة بأعمال سفارة السودان في واشنطن أميرة عقارب، التي حضرت مراسم احتفال اتفاقية السلام التي وُقعت في البيت الأبيض بين الإمارات العربية والبحرين وإسرائيل الثلاثاء الماضي، أعلنت عن إحراز تقدم كبير في مسار رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وأضافت في تصريحات صحافية "أنا عضو في لجنة التفاوض التي تبذل جهوداً كبيرة من أجل رفع اسم السودان من القائمة، وأؤكد أن هناك تقدماً كبيراً"، معربة عن أملها في أن يتم رفع اسم السودان من هذه القائمة في أقرب فرصة ممكنة.
وأوردت مجلة "فورن بوليسي" الأميركية أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خاطب مجلسي الشيوخ والكونغرس في شأن مسألة الرفع، مبيناً أن السودان لديه من الأموال لتسوية القضايا العالقة بتعويض ضحايا تفجير سفارتي دار السلام ونيروبي، والتي سيتم الإفراج عنها، بمجرد توقيع اتفاق ثنائي بين البلدين، ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.
وكان رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك بحث موضوع إدراج بلاده كدولة راعية للإرهاب مع بومبيو خلال زيارته الخرطوم الشهر الماضي، وكتب على "تويتر"، "لقد أجرينا حواراً مباشراً وشفافاً حول إزالة اسم السودان من القائمة".
وتخشى واشنطن من أن الإخفاق في هذا الملف قد يقود إلى فشل الحكومة الانتقالية، والذي من شأنه أن يساهم في ظهور حكومة إسلامية أخرى أو انزلاق البلاد نحو الصراع، وهو أمر يرتبط بمصالح الأمن الوطني للولايات المتحدة.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على السودان منذ عام 1997، متهمة الخرطوم بدعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في دول الجوار وانتهاك حقوق الإنسان.
وبعد عشر سنوات تقريباً تم توسيع العقوبات بسبب النزاع في إقليم دارفور السوداني، إلى أن جاء قرار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بإلغائها جزئياً عام 2017.