تواصل الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاتها التي تستمر أسبوعاً وتتضمن مداخلات لـ 193 بلداً، وتحضر قضايا وهموم العالم بأسره في كلمات المتحدثين من البرنامج النووي الإيراني إلى الأزمة الليبية، مروراً بحرب اليمن وقضايا المناخ ووباء كورونا، وغيرها من أزمات الكرة الأرضية.
واحتجت بعض الدول بـنهج الرئيس الأميركي دونالد ترمب ووصفته بـ "الأحادي" في حين بدا سيّد البيت الأبيض في الأيام الأخيرة محبطا من معارضة القوى الغربية إعلانه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.
لموقف حازم يمنع إيران من الحصول على أسلحة دمار شامل
في هذا الإطار، أكد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أن بلاده لن تتهاون في الدفاع عن أمنها الوطني، مندداً بمحاولات الميليشيات الحوثية المستمرة في استهداف المدنيين في اليمن والسعودية، ومؤكداً دعم بلاده للشعب اليمني حتى يستعيد كامل سيادته من "هيمنة إيران".
ودعا الملك سلمان إلى موقف دولي حازم لمنع إيران من الحصول على أسلحة دمار شامل. وقال في كلمته أمام الأمم المتحدة، "لقد علمتنا التجارب مع النظام الإيراني أن الحلول الجزئية لا توقف تهديداته".
وعن التحديات السياسية والأمنية التي تواجه الشرق الأوسط، أكد العاهل السعودي أن بلاده مدت يدها للسلام مع إيران وتعاملت معها طوال عقود بإيجابية، إلا أن "العالم يرى مرة بعد أخرى زيادة أنشطة نظامها التوسعية والإرهابية".
وفي الشأن اللبناني، لفت الملك سلمان إلى ضرورة نزع سلاح "حزب الله"، الذي سيطر على اتخاذ القرار وعطّل مؤسسات الدولة الدستورية.
وفي معرض دعوته إلى التعايش السلمي والتكاتف بين دول العالم وشعوبه، أكد الملك سلمان أن بلاده اختارت طريق المستقبل من خلال رؤيتها الوطنية، وانتهجت في سياساتها احترام القوانين والأعراف الدولية، منوّهاً بالجهود الإنسانية الدولية التي بذلتها، من دون تمييز على أساس العرق أو الديانة.
عقوبات جديدة
وفرضت الولايات المتحدة الاثنين عقوبات جديدة على وزارة الدفاع الإيرانية وآخرين على صلة ببرنامج طهران النووي وتسلحها في إطار جهد لدعم التأكيد الأميركي أن عقوبات الأمم المتحدة كافة على إيران التي رفعت وفق اتفاق 2015، قد أعيدت الآن.
ورفض الحلفاء الأوروبيون، بريطانيا وألمانيا وفرنسا، هذا التحرك وكذلك خصوم للولايات المتحدة مثل روسيا والصين الذين يشملهم أيضاً الاتفاق النووي.
رفض المساعي الأميركية
ولفت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على صعيد آخر إلى أن حملة الولايات المتحدة لممارسة أقصى ضغط على إيران باءت بالفشل حتى الآن، رافضاً المساعي الأميركية الرامية إلى معاودة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران بسبب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وقال في كلمة للجمعية العامة للأمم المتحدة "استراتيجية أقصى ضغط القائمة منذ سنوات عدة لن تجعل من الممكن في هذه المرحلة إنهاء أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار أو ضمان عدم تمكّنها من حيازة أسلحة نووية".
وأضاف "لهذا ستواصل فرنسا وشركاؤها الألمان والبريطانيون المطالبة بالتنفيذ الكامل لاتفاق فيينا لعام 2015 ولن يقبلوا بالانتهاكات التي ترتكبها إيران".
وذكر ماكرون أن ليس بوسعه دعم توجّه إدارة الرئيس ترمب، مردفاً "لن نتوصل إلى حل وسط بشأن تفعيل آلية (العقوبات) التي أقرّتها الولايات المتحدة بمفردها. انسحابها من الاتفاق يجعلها في وضع لا يسمح لها بتفعيلها". وتابع "هذا من شأنه أن يقوّض وحدة مجلس الأمن ونزاهة قراراته ويخاطر بتفاقم التوترات في المنطقة".
وكرر ماكرون تصريحات سابقة بأن اتفاق 2015 تضمّن ضرورة إضافة إطار عمل لضمان عدم امتلاك إيران لأسلحة نووية مطلقاً وتصدّى لبرنامج الصواريخ الباليستية لإيران وأنشطة زعزعة الاستقرار الإقليمي.
"المفاوضات أو الحرب"
وفي كلمته للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن الولايات المتحدة لا يمكنها فرض "المفاوضات أو الحرب" على بلاده، لافتاً إلى أنه لن يكون لدى الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية "سوى خيار الرضوخ" لمطالب طهران بشأن رفع العقوبات الأميركية. وأضاف في خطاب مسجّل مسبقاً وبثّ أمام المنظمة الدولية "لسنا أداة مساومة مرتبطة بالانتخابات الأميركية وبالسياسة الداخلية الأميركية"، مشيراً إلى أنه "لن يكون لدى أي إدارة أميركية منبثقة من الانتخابات المقبلة سوى خيار الرضوخ في ظل صمود الأمة الإيرانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عائق خطير
وعلى خط المواجهة بين الصين والولايات المتحدة، اتهمت بكين واشنطن بأنها "عائق خطير" أمام مكافحة ظاهرة تغير المناخ، غداة تصادم عن بعد بين رئيسي البلدين في الجمعية العامة للأمم المتحدة وسط أجواء "حرب باردة جديدة". وظهرت الخلافات بين الرئيسين الأميركي والصيني شي جينبينغ إلى العلن الثلاثاء حول مواضيع عدة، أبرزها التعاون الدولي والتصدي لوباء كوفيد-19 والاحتباس الحراري.
إصابة كل العالم
وأعلن الرئيس الأميركي عند افتتاح الاجتماع السنوي الذي يجري هذه السنة عبر الفيديو بسبب الأزمة الصحية أن "على الأمم المتحدة أن تحاسب الصين على أفعالها"، متهماً بكين بالسماح لفيروس كورونا المستجد الذي كرر وصفه بـ"الفيروس الصيني"، بـ"إصابة كل العالم". وقال في خطاب مسجل ألقاه من البيت الأبيض "الحكومة الصينية ومنظمة الصحة العالمية التي تسيطر عليها بكين تقريباً، أعلنتا خطأً ألا دليل على أن العدوى تنتقل بين البشر". ووعد الرئيس الجمهوري الذي يواجه انتقادات شديدة لإدارته للأزمة الصحية التي تلقي بظلها على فرصه في الانتخابات الرئاسية بـ "توزيع لقاح" و"وضع حدّ للجائحة" من أجل دخول "حقبة جديدة غير مسبوقة من الازدهار والتعاون والسلام".
حرب باردة
في المقابل، أعلن الرئيس الصيني في خطاب مسجل أيضاً أن "بلاده لا تنوي الدخول في حرب باردة"، محذراً من دون ذكر واشنطن من "فخ صدام حضارات" وداعياً إلى عدم "تسييس" مكافحة الفيروس.
ولاحقاً، "رفض" السفير الصيني لدى الأمم المتحدة تشانغ جون بشكل قاطع اتهامات ترمب "العارية عن الأساس"، وقال متحدثاً لوسائل الإعلام "في وقت تكافح الأسرة الدولية بشدة كوفيد-19، تنشر الولايات المتحدة فيروساً سياسياً هنا في الجمعية العامة". وأضاف "إن كان أحد يتحمّل المسؤولية، فهي الولايات المتحدة لأنها أهدرت عدداً طائلاً من الأرواح بسلوكها غير المسؤول".
المواجهة مستمرة
وتواصلت المواجهة عن بعد بين القوتين الاقتصاديتين الكبريين حول موضوع المناخ، وحرص شي جينبينغ على تحديد هدف لحياد الكربون للمرة الأولى لبلاده، المصدر الأول في العالم لانبعاثات غازات الدفيئة.
وحمل ترمب المعروف بتشكيكه في حقيقة التغير المناخي، على "الذين يهاجمون حصيلة أميركا البيئية الاستثنائية ويغضّون الطرف عن تلوث الصين المزمن".
وجاء الرد الصيني لاذعاً، إذ أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية وانغ وينبين أن الولايات المتحدة هي "عائق خطير" أمام مكافحة الاحتباس الحراري، موضحاً أنه بانسحابها من الاتفاقات الدولية للحدّ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإنها "أخلّت بواجبها" وهي "ترفض اتخاذ الحدّ الأدنى من الإجراءات لحماية الكوكب".
وأثنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في تغريدة على إعلان بكين حول البيئة لكنها حذرت من أنه "ما زال هناك عمل كثير ينبغي القيام به".
الانقسام الكبير
وفي ظل التوتر المسيطر على العلاقات الدولية، نبّه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في افتتاح الجلسة إلى "الانقسام الكبير" بين "أكبر اقتصادين" في العالم، وقال ملقياً كلمته أمام قاعة شبه فارغة في مقر المنظمة الدولية في نيويورك إن على العالم بذل كل ما بوسعه "لتجنب حرب باردة جديدة".
من جهته، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن العالم "لا يمكن أن يختصر بالخصومة بين الصين والولايات المتحدة"، مضيفاً "ليس محكوم علينا جماعياً بمناورات ثنائية تجعلنا مجرد شهود على عجز جماعي".
مصر ملتزمة بتخليص ليبيا من الميليشيات المسلحة
وعلى خط الأزمة الليبية، أبلغ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن بلاده ملتزمة بمساعدة الليبيين على "تخليص بلدهم من التنظيمات الإرهابية والميليشيات ووقف التدخل السافر من بعض الأطراف الإقليمية".
لبنان في أزمة غير مسبوقة
وإلى لبنان حيث قال رئيس الجمهورية ميشال عون انه "كان لمساعدتكم وقع إيجابي كبير على بلدنا وشعبنا، أكان على المستوى العملي عبر تأمينكم الكثير من الاحتياجات الطارئة طبياً وغذائياً ومواد إعادة البناء، أم على المستوى المعنوي عبر تضامنكم الكبير الذي شعر معه شعبنا أنه ليس وحيداً، بل له في هذا العالم إخوة في الانسانية لم يترددوا في دعمه".
أضاف عون في كلمته امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، عبر تقنية "الفيديو"، "بيروت اليوم تحاول النهوض من بين ركامها، وهي، بتضامن كل اللبنانيين وبدعمكم، ستلملم جراحها وتنهض كما سبق ونهضت مراراً عبر التاريخ. إن الانفجار، الزلزال الذي ضرب عاصمتنا، حفر عميقاً في الوجدان اللبناني، فصور الضحايا وآلام الجرحى ودموع من فقد عزيزاً لن تمحى أبداً".
أضاف "يجدد لبنان التزامه تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته، إيماناً منه أن ذلك سوف يثبت قواعد الاستقرار والأمن في الجنوب اللبناني ما ينعكس استقرارا في كل المنطقة، وأي خرق له يزيد الأوضاع تعقيداً. وعليه، يكرر لبنان مطالبته المجتمع الدولي إلزام إسرائيل القيام بموجباتها الكاملة في هذا المجال ووقف خروقاتها للسيادة اللبنانية براً وبحرا وجواً، ووقف استباحة أجوائه واستعمالها لضرب الأراضي السورية، وحثها على التعاون الكامل مع اليونيفيل لترسيم ما تبقى من الخط الأزرق والانسحاب الفوري من شمال الغجر، ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا".
مبادرة إقليمية
كورونا كان حاضراً بقوة في الكلمات أيضاً، وفي هذا الإطار، أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعية العامة للأمم المتحدة بضرورة دعم منظمة الصحة العالمية من أجل تنسيق الجهود للتصدي للجائحة، واقترح عقد مؤتمر رفيع المستوى للتعاون بشأن إنتاج لقاح للفيروس.
وقال بوتين "نقترح عقد مؤتمر رفيع المستوى عبر الإنترنت قريباً للدول المهتمة بالتعاون بشأن تصنيع لقاحات للفيروس"، مضيفاً "نتشارك بالفعل الخبرة ونواصل التعاون مع جميع الدول والمؤسسات الدولية من خلال أمور منها توفير اللقاح الروسي الذي أثبت جدارته وسلامته وفاعليته للدول الأخرى".
المحافظة على الصحة العامة
وعلى خط كورونا أيضاً، دعا رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن إلى مبادرة إقليمية لمكافحة الأمراض المعدية والمحافظة على الصحة العامة تشمل الصين واليابان ومنغوليا وكوريا الشمالية للتصدي للأزمات الصحية وإرساء أسس السلام مع بيونغ يانغ. وقال مون في رسالة مصورة للجمعية العامة للأمم المتحدة إن التكاتف لحماية الأرواح وسلامتها سيضع الأسس لكوريا الشمالية لضمان أمنها من خلال التواصل مع المجتمع الدولي.
وأضاف مون بحسب ترجمة إنجليزية لكلمته وزّعها مكتبه مسبقاً "في مواجهة أزمة كوفيد-19 التي تشكل تهديداً للإنسانية أخطر من الحرب، علينا أن نتذكر أن سلامة الدول المجاورة ترتبط مباشرة بسلامتنا". واقترح إطلاق "مبادرة شمال شرق آسيا لمكافحة الأمراض المعدية والصحة العامة" لكنه لم يتطرق إلى التفاصيل، موضحاً أن "الأمر لا يتعلق بتعامل كوريا مع كوفيد-19 فقط، لكن بالدروس القيّمة التي ستتعلمها بلادنا من إضفاء الطابع المؤسسي على السلام الذي ترغب في مشاركته مع باقي العالم".
تمثيل أفضل للقارة السوداء في مجلس الأمن
وهموم القارة السوداء حطت رحالها في المنظمة الدولية، إذ دعا رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا إلى تمثيل أفريقيا بشكل أفضل في مجلس الأمن الدولي الذي "لا تعكس تشكيلته الحالية العالم الذي نعيش فيه"، وذكّر رامافوزا الذي تتولّى بلاده حالياً الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي، في رسالة مسجلة عبر الفيديو، بأن "جنوب أفريقيا تشغل حالياً مقعداً للعام الثاني، كعضو غير دائم" في مجلس الأمن.
وقال "في وقت تحيي الأمم المتحدة الذكرى الـ 75 لتأسيسها، نكرر دعوتنا إلى تمثيل الدول الأفريقية بشكل أفضل في مجلس الأمن وإلى تقييم ذلك بشكل عاجل في مفاوضات بين الحكومات"، مضيفاً "سنتمكّن فقط من خلال مجلس أمن خاضع للإصلاح وشامل من حلّ أقدم النزاعات في شكل جماعي".
وفي معرض حديثه عن تداعيات وباء كوفيد-19 على اقتصادات الدول الأفريقية، دعا رامافوزا إلى "تعليق دفع فوائد الدين العام والخارجي لأفريقيا".
ويضم مجلس الأمن خمس دول دائمة العضوية عملاً بمبدأ موروث من الحرب العالمية الثانية (الصين والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا) و10 دول أعضاء أخرى متناوبة ومنتخبة لولاية تمتدّ عامين.